مقالات

ماجد كيالي – تجاذبات إسرائيل وإيران وتغيير قواعد الصراع السوري

لم تأت آخر جولة من مفاوضات أستانة، التي عقدت في منتصف الشهر الماضي، بأي جديد، ولا يوجد في الأفق ما يوحي بقرب انعقاد جولة جديدة من مفاوضات جنيف، بيد أن كل ذلك لا يعني جمود الصراع السوري، أو بقائه على حاله، إذ أن العديد من المعطيات، السياسية والميدانية، تؤكد عكس ذلك تماما.

ولعل أهم متغيرات هذا الصراع تكمن في صعود الدور الإسرائيلي، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال التوافقات الإسرائيلية-الروسية، التي وصلت حد إعلان بنيامين نتنياهو عن ضربات إسرائيلية شاملة ضد القواعد الإيرانية في سوريا (10 مايو الماضي)، وذلك بعد عدة ضربات قامت بها إسرائيل في سوريا، خاصة منذ شهر فبراير الماضي، مستهدفة قواعد إيرانية أو قواعد للنظام، بما في ذلك منظومات دفاعه الجوي.

وكما نشهد فإن هذه التوافقات الإسرائيلية-الروسية شملت ابتعاد أي قوات إيرانية، أو قوات ميليشياوية تابعة لها، إلى مسافة 60 كلم عن حدود إسرائيل، إلى داخل الأراضي السورية، وهو الوضع الذي حاول رئيس النظام السوري، في تصريح له قبل أيام، التقليل من شأنه، بادعاء أنه لا توجد قوات إيرانية في تلك المنطقة، وأن كل الموجود هو عبارة عن مستشارين في الجيش السوري.

وعلى أي حال فإن التجاذبات حول هذا الوضع وصلت إلى حد الحديث عن مباحثات إسرائيلية-إيرانية، غير مباشرة، وتم التعتيم عليها، جرت مؤخرا بين السفير الإيراني في الأردن، مجتبي فردوسي بور، ونائب رئيس الموساد الإسرائيلي بوساطة أردنية، في أحد فنادق عمّان، وهو أمر لا يمكن، بداهة، اعتبار الولايات المتحدة وروسيا إلا طرفين غير مباشرين فيه، سيما مع تصريحات لمسؤولين إيرانيين تؤكد بأن إيران لن تشارك في أي عمل عسكري قد يشنه النظام في الجنوب السوري.

المغزى هنا أن الحديث يتعلق بنوع من مقايضة، بين عدم تدخل إسرائيل في محاولات النظام للتواجد أو لاستعادة السيطرة في الجنوب، وهذا هو معنى الكلام الإسرائيلي عن قبول تواجد لقوات النظام على الحدود، مقابل إخراج إيران من المعادلة الصراعية في الجنوب، على أقل تقدير، وتبعا لمعطيات المرحلة الراهنة.

على ذلك فإن الترتيبات في الجنوب تسير على هذا النحو، بيد أن ذلك بحاجة إلى المزيد من التفحص أيضا، إذ على الرغم من أن الكلمة لإسرائيل هنا، وهي تتمتّع بحق القول الفصل في هذا الشأن، إلا أن موقف الولايات المتحدة مازال غير محسوم، خاصة مع تصريح لبعض المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية أواخر الشهر الماضي يحذرون فيه من اتخاذ بلدهم “إجراءات حازمة ومناسبة إذا تم خرق إطلاق النار في منطقة خفض التوتر في الجنوب السوري”، وذلك ردا على الأنباء التي تحدثت عن استعداد قوات النظام لإطلاق عملية عسكرية كبيرة في تلك المنطقة.

وكما علمتنا التجربة المتعلقة بتعقيدات الصراع السوري، فإنه يصعب التعامل مع هذا التصريح، باعتباره نوعا من ورقة ضغط، أو باعتباره يعبر عن موقف حاسم، مع علمنا بأن الولايات المتحدة متواجدة أيضا، في شرقي الفرات، التي تعتبرها خطا أحمر لا يجوز للنظام ولا لحلفائه، تجاوزه.

هكذا، فإن دخول الولايات المتحدة، بشكل مباشر، على المستويين السياسي والميداني، هو المتغير الكبير الثاني في الصراع السوري، وهو أمر شهدناه منذ مطلع هذا العام، مع الحديث عن إستراتيجية أميركية جديدة إزاء المسألة السورية، والتي تم تمثلها في البيان الأميركي الفرنسي البريطاني السعودي الأردني، الذي صدر في الشهر الأول من هذا العام، كما شهدناه في الضربة الثلاثية، الأميركية ـ الفرنسية ـ البريطانية، التي تم توجيهها إلى بعض قواعد النظام في أبريل الماضي، وفي تحويل منطقة شرقي الفرات، إلى الحدود السورية العراقية، كمنطقة خارجة من سيطرة النظام وحلفائه ويحظر عليهم الاقتراب منها.

وإضافة إلى كل ما تقدم ينبغي أن نأخذ في عين الاعتبار محاولات التوافق الأميركية-التركية في الشمال، وضمنه في منطقة منبج، إذ أن كل منطقة الشمال تعتبر خارجة عن نفوذ النظام (مع الشرق والجنوب)، ما يضع الولايات المتحدة، فضلا عن قوتها وقدراتها، في موقع المقرر في الصراع السوري، لكن المشكلة هنا تكمن في عدم وضوح موقفها، أو عدم حسمها لفكرة إيقاف القتال وفرض الاستقرار والتحول السياسي.

المتغير الثالث يتعلق بإيران، إذ ليس من السهل عليها ابتلاع فكرة حظر وجودها في الجنوب، لأن ذلك سيعني بداية العمل على تحجيم نفوذها فعليا في سوريا كلها، وهذا ما تتخوف منه، سيما أنها تعتقد بأن لها الفضل في بقاء النظام، وأنه ينبغي أن تكون لها الكلمة الأولى في تقرير مصير سوريا. ومشكلة إيران هنا أنها لا تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية، فقط في هذا الأمر، وإنما هي تواجه روسيا أيضا، التي تحرص على تحجيم دورها لصالحها، اعتقادا منها أنها هي، أي روسيا، التي أنقذت النظام، وأنها صاحبة القرار في إيجاد حل للصراع السوري.

ثمة وقائع جديدة على الأرض، وفي تموضعات القوى المنخرطة في الصراع السوري، لذا فإن أي عملية سياسية أو تفاوضية جديدة لا بد أن تختلف عن سابقاتها، سواء في أستانة أو في جنيف أو في غيرهما.

المصدر : العرب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى