مقالات

ميشيل كيلو – زمن الحساب العسير

ليس بين المنخرطين في صراع سورية من ليس مطالباً بالتوقف أمام مسائل يطرحها اقترابه من نهاية مرحلته القتالية. وتكمن أبرز سمات وضعنا في عجز أي من أطرافه عن التصرف بوصفه صاحب خيارات مستقلة عن الآخرين، بحيث يمكنه الوثوق من أن حسابات بيدره تتطابق مع حسابات حقله، وأن نتيجة مواقفه وسياساته ستكون قريبةً مما خطط وعمل له، ناهيك عن أن تكون متطابقة معها.

لو أخذنا ثلاثة أطراف انخرطت في الصراع منذ أيامه الأولى، هي إيران والنظام والمعارضة، لوجدنا أنها لم تقترب جميعها في ما وصل حالها إليه مما كانت تريده:

ـ تجد إيران نفسها اليوم في لحظةٍ مفصليةٍ وفارقةٍ، تضيق قدرتها فيها أكثر فأكثر على اتخاذ مواقف تبقي مصيرها السوري بيدها، أي بمنأى عما ستقرّره موسكو وواشنطن وتل أبيب لها، فإن كان صحيحاً ما يُشاع عن انسحاب قواتها إلى ما وراء خطٍّ أحمر تفاهمت العواصم الثلاث عليه، فهذا سيكون من دون شك بمثابة فشلٍ صارخ، سيتناقض أشد التناقض مع ما بنت آمالها عليه من انتصارات على يد “مستشاريها” الذين ينسحبون الآن إلى حيث يريد عدوهم الإسرائيلي بموافقة صديقهم الروسي. أما إذا تبين أنها امتنعت عن سحب “مستشاريها”، فهذا سيعني أنها قرّرت خوض حربٍ انتحاريةٍ، ستتخطى نتائجها الكارثية أي تراجع أرضي تقبله في جنوب سورية. وفي الحالتين، لن يكون مصيرها السوري في يدها، بل في يد آخرين. كانت إيران تعتبر نفسها منتصرةً إلى ما قبل شهر، بدءا من أيامنا هذه، لن يكون لديها من هدفٍ غير الخروج من المعمعة من دون خسارة كل شيء.

ـ أما بشار الأسد الذي يسوّق نفسه منتصرًا، فهو لم يعد “يمون” حتى على صورة وجهه في المرآة، ليس فقط لأن مصيره تقرّر وخسر ما كان لديه من سلطةٍ قبل الثورة، بل لأنه بانتظار أن يتقرر مصيره في ظرفٍ لا يترك له أي دورٍ على الإطلاق في أي شأن يخصه، بعد أن غدت شفيعته إيران ورقةً في ملف الأمن الإسرائيلي والخطط الروسية، وصار مجرد وجوده مشكلةً بالنسبة لأي تفاهم دولي سيحدد ما بقي له من وقتٍ، كرئيس أخوية طائفية فات زمانهما. ماذا بقي للمنتصر المزعوم الذي لا يعرف إن كان في وسعه الإبقاء على حرّاسه الإيرانيين، في حال رفضت روسيا وجودهم حوله؟ ومن سيحميه إن تخلص منهم، بينما توزع مناشير في الثاني من يونيو/ حزيران الحالي في مدينةٍ محسوبة جدا عليه كطرطوس، تعلمه أن عليه، من الآن فصاعدا، حماية نفسه بنفسه، لأن مخزون الرجال “نفد” من الساحل” (!).

ـ لم يعد حال المعارضة، على سوئه، أسوأ من حال إيران والأسد، بعد أن آل مصيرهما إلى أيدي متجبرين. وعلى الرغم من ذلك، ثمة فارق جلي بين وضعيهما ووضعها، يرجع إلى أن هزيمة السوريين سترتبط برفضهم قبول وضعٍ لا ينالون فيه كل ما أرادوه من ثورتهم، بينما ترتبط هزيمتهما بانتصاراتهما المستعارة التي سيبين مستقبل غير بعيد أنها لم تكن غير صورةٍ أخرى لهزيمةٍ أنزلها بهما صديق لم ينصرهما، إلا لكي يسقطهما من مكانٍ يسبب بقدر من الألم يفوق ألم السقوط بيد الأعداء.

بدأ فرز الرابحين والخاسرين في سورية، يستطيع الملالي والأسد إطعام نفسيهما أي قدر يريدانه من “الكلام الفاضي”، الحقيقة أن من يقرّر الآخرون انسحابه من الجنوب السوري، أو تقدّمه إليه، لن يستطيع اتخاذ قرار يبقيه في جغرافية سورية وسلطتها، إلا إذا كان يعتزم الخروج منها جثة هامدة.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى