مقالات

معن البياري – يحدث في رابطة الكتاب السوريين

نستشعرُ، نحن كتّاب المقالات والتعليقات الصحافية، حرجا كبيرا، إذا ما خاض الواحدُ منا في البديهيات الذائعة، والمسلّمات المعلومة، سيما إذا ذهب إلى كتابةِ مواعظ و”يَنْبغيّات”، وما يجب وما لا يجب أن يُعمل به. وعلى هذا، فإن صاحب هذه الكلمات يغشاه، وهو يقترب، في سطوره هذه، من موضوع الأزمة الحادثة في رابطة الكتاب السوريين، إحساسٌ ثقيلٌ بأنه يزاول تعالما لم يُحسن ارتداءَه يوما، ويبدو واعظا وناصحا، فيما هو يأنفُ لغةَ من يستطيبون مظهرهم عارفين بالصحيح فيما غيرُهم لا يعرفونه. ولكن، ما قد يخفّف وطأة هذا الإحساس أن “بقّ البحصة” أطيبُ للنفس من استبقائها في الفم، وفي الفم ماء، على ما يُقال بشأن من يستبطن في جوانحه كلاما كثيرا، ولا يسعفه الحال للفضفضة به.

ليس تفلسفا، ولا شحطا للذئب من ذيله، أن توضع الأزمة التي تهدّد رابطة الكتاب السوريين بالتصدّع (غير المستبعد) في سياق حالٍ بائسٍ وتعيس، تُغالبه المعارضة السورية، بكل هيئاتها وتشكيلاتها. ولأن أهل مكّة أدرى بشعابها، فإن أحبّتنا الكثيرين في هذه المعارضة أدرى بأسباب هذا الحال، غير أن سؤالا ملحّا يحتاج إضاءاتٍ مقنعةً تشرح الإجابة عليه: لماذا تتآكل كيانات المعارضة السورية وتهترئ وتشيخ، بعد شهور فقط، فلا تأخذ مدى زمنيا أوسع تؤكد فيه فعاليتها وتأثيرها، قبل أن تُصيبها الأمراض العربية المعلومة، فتنحسر، ولا يكاد يُلحظ لها وجود؟ استهلك السوريون المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني ثم الهيئة العليا للتفاوض، في نحو خمس سنوات، بسرعةٍ قياسيةٍ، وتتابعت الانسحاباتُ والاستقالاتُ منها إلى حد مضجر، فيما تجارب عربية (فلسطينية مثلا) شهدت قيام تشكيلاتٍ وائتلافاتٍ جبهويةٍ وحزبيةٍ، ذوت بعد سنواتٍ غير قليلة من الفاعلية والحضور الوازن. .. هل المعايَن، أخيرا، بشأن رابطة الكتاب السوريين، يعود إلى الأسباب المتضمّنة في الإجابة على هذا السؤال؟

لمّا أُطلقت الرابطة، في القاهرة صيف 2012، وكنّا، نحن بعض الكتّاب العرب، هناك مع صحبنا السوريين، كانت الغبطة بهذا الحدث عاليةً وكثيرة، ذلك أنها التشكيل السوري الوطني، المعارض والمستقل، الأول الذي يتمثّل قيم الثورة وأشواقها. وتاليا، ومع تقدير الظروف الصعبة التي يعمل فيها الأصدقاء المنتخبون الذين قاموا على أمور الرابطة وأنشطتها، تسلّل إحساسٌ لم يكن في الوسع إخفاؤه بأن ثمّة ضعفا في الأداء، ونقصانا في الفاعلية، غير أن هذا وذاك كانا يجدان، من كثيرين (أحدهم كاتب هذه السطور) تفهما لهما.

حتى إذا وصلنا إلى ما نطالعه، حاليا، من بياناتٍ وبياناتٍ مضادّة، بين طرفين متخاصمين في قيادة الرابطة، لكلٍّ منهما مناصرون من الأعضاء، لم يعد ممكنا أن يعلّق المراقب من بعيد، المنتسب للأفق الذي أطلقته ثورة شعب سورية المنكوب، بغير إبداء الحزن والأسى على مشهد الخصومة هذا، والذي خرج الجميع فيه عن الأساسيّ الذي يُفترض أن يحلّ أي خلاف، وهو اللائحة الداخلية للرابطة، والتي لا يتعالم أحدٌ على أحدٍ إذا قال إن تجاوزا ظاهرا لها جرى في انتخاب رئيسٍ جديد للرابطة مع التمديد للمكتب التنفيذي، بعد وفاة الرئيس السابق، صادق جلال العظم. ولا افتئاتَ، ولا تجنّيَ على الرئيس الحالي، الشاعر نوري الجراح، في القول له إن ما يُشهرها من مؤاخذاتٍ على زملائه في المكتب التنفيذي، محقّا أو غير محق، هو مسؤول عنها أيضا بالشراكة معهم، فليست رئاسةً هذه التي تترك واجباتِها ومهماتِها الموكولةِ إليها، بموجب تفويضٍ انتخابي من الهيئة العامة، وتغادر العمل والاجتماعات، بعد نزاعٍ (لا نريد معرفة أسبابه) قبل أكثر من عام. وبديهيٌّ أن أي رئيسٍ لهيئةٍ منتخبةٍ ليس مخوّلا وحده فقط بتشكيل لجانٍ كما يودّ ويرى. وفي المقابل، لا اتهامَ لأعضاء المكتب التنفيذي، ولا باطلَ يُراد من حقٍّ يقال، إذا ما طولبوا بالقيام بما يوجبه أي عملٍ تطوعي عام في أي تشكيلٍ أهلي، وبما تنص عليه اللائحة الداخلية نفسها، ومنه تقديمهم (مع الرئيس) تقارير، مالية وإدارية معلنة، للهيئة العامة (وليس لأحدٍ غيرها).

ليس المُراد هنا وضع الحقّ على هذه الضفة أو تلك في التنازع المؤسف في قيادة الرابطة، وإنما حثّ الجميع، وهم أهل ثقافة وإبداع، وأصحاب مواقف مشهودة، إلى أن يطيلوا عمر هذا التشكيل السوري المدني الثقافي سنواتٍ أطول.

المصدر : العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى