مقالات

حسام كنفاني – يتامى ترامب

لن تكون تداعيات الأزمة التي يعيشها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والمخاطر التي تحيط بإكمال ولايته الرئاسية، محصورةَ بشخص ترامب، أو الحزب الجمهوري، أو حتى مكانة الولايات المتحدة الأميركية في العالم، بل ستطاول ارتداداتها أنظمةً كثيرة مرتبطة عضوياً بواشنطن بشكل عام، وبترامب بشكل خاص، والآخرون هم كثر، خصوصاً في المنطقة العربية. هؤلاء يعيشون القلق نفسه الذي يعيشه الرئيس الأميركي، وربما بشكل مضاعف، وخصوصاً أنهم أحرقوا مراكبهم، واصطفوا بشكل كامل خلف ترامب وخياراته، بل ربما دفعوه، ودفعوا له، للقيام بعديد منها خلال الأشهر الماضية.

منذ اللحظة الأولى لانتخاب دونالد ترامب، صبّت رهانات بعض الدول العربية، ولا سيما السعودية والإمارات، على إمكان الاستفادة من وصول هذا الرئيس الأميركي إلى السلطة لقلب الواقع السياسي الذي أحدثه الرئيس السابق باراك أوباما، وخصوصاً سياسته تجاه إيران. وعلى هذا الأساس، كانت القمة العربية الإسلامية الأميركية التي استضافتها الرياض، وجمع خلالها ترامب مليارات الدولارات، فاتحة الالتصاق السعودي الإماراتي بالرئيس الأميركي الجديد باعتباره سيكون راعياً كل ما قد تقوم بها هاتان الدولتان في المستقبل، ومنفذاً لبعض رغباتهما من باب المصالح السياسية والاقتصادية.

كانت البداية مع الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، وهو المطلب الأساس للسلطات السعودية، باعتباره فتح الباب أمام تقوية الطرف الإيراني على دول المنطقة، ولا سيما أن طهران استغلت المهادنة الأميركية خلال المفاوضات، وما بعد الاتفاق، لتعزيز نفوذها في المنطقة. هذا التفكير، وعلى الرغم من أنه يحتوي على حقائق كثيرة، فإن مواجهته كان من المفترض أن تسلك طرقاً أخرى، لا أن تشكّل بتدمير اليمن على سبيل المثال، بأسلحة أميركية، تحت شعار “محاربة النفوذ الإيراني”. ولعل أول تداعيات الأزمة التي يعيشها ترامب حالياً، هو سحب الغطاء الأميركي للانتهاكات السعودية في اليمن، والذي بدأ في الظهور في أعقاب التقارير الدولية التي صدرت خلال الأسابيع الماضية.

ينسحب الأمر أيضاً على حصار قطر من الدول الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، والذي جاء مباشرة بعد قمة الرياض، فهذه الدول، وفي مقدمها السعودية والإمارات، استقوت بالرئيس الأميركي لتصفية خلافات قديمة مع الدوحة، وهي استطاعت تجنيد ترامب لإطلاق تغريداتٍ مؤيدة للإجراءات ضد الدوحة، وتمكّنت من تأجيل القمة الأميركية الخليجية ومنع أي محاولة لإنهاء الأزمة بالسبل الدبلوماسية التقليدية، غير أن الأمور قد لا تبقى على هذا المنوال في الأشهر المقبلة، وخصوصاً في حال تعمّق مأزق ترامب، ووصوله إلى حافّة العزل، أو حتى عزله، وستكون الارتدادات واضحة على هذا الملف أيضاً، لعل أقلها عقد القمة الأميركية الخليجية نهاية العام الحالي أو مطلع العام المقبل.

مؤكّد أن هذه الدول تفكر في اليوم التالي لدونالد ترامب، وهي تحاول طمأنة نفسها، بأنه في أسوأ الاحتمالات، وفي حال الوصول إلى مرحلة العزل، فإن نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس، سيتولى المهمة، وسيسير على خطى ترامب، إلا أن الأمور لن تسير وفق هذا السياق، خصوصاً أن شخصية ترامب نفسه، ونزقه، ساهما في الكثير من تعقيد الأوضاع، بالنسبة إلى ملفي إيران أو قطر. سيكون الأمر بالتأكيد مختلفاً مع بينس، والذي قد يكون أخطر من ترامب فكرياً، غير أن خبرته الأكبر في العمل السياسي ستقوده إلى خيارات مختلفة، خصوصاً في حال خسارة الجمهوريين غالبيتهم في الكونغرس.

حبس الأنفاس في الدول التي تدور في فلك ترامب سيستمر خلال الأشهر القليلة المقبلة، ومخاوف التداعيات قد تقود إلى تغييراتٍ في السلوك تظهر تدريجياً.

المصدر : العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى