درعامقالات

علي الأمين – “الممانعة” وأناشيد الانتصار فوق جماجم السوريين

الانتصار الأهم الذي تروّج له قوى الممانعة في سوريا، هو بقاء الرئيس بشار الأسد على رأس النظام، ثم الانتصار على ما تسميه الإرهاب، وهو في جلّه توصيف لكل من قام على نظام الأسد من الثوار أو المنشقين على الجيش السوري، فضلا عن المنظمات المصنفة إرهابية في الأمم المتحدة، وهي منظمات كشفت الأيام وستكشف كيف نشأت ونمت، بل كيف أنّ هذه المنظمات كانت في الحد الأدنى أداة طيعة لدى نظام الأسد وحلفائه ولبّت مطالبه، لا سيما في قهر المعارضة السورية في العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة هذه المعارضة. ومهما بلغ إرهاب هذه المنظمات فلن يستطيع أن يتفوق على إرهاب النظام السوري ولا يمكن أن يتفوق عليه بأعداد القتلى المدنيين الذين قتلهم وشردهم.

الانتصار هنا يعني بقاء الأسد ونظامه، بقوة التدخل الروسي الدموي ضد الشعب السوري من حلب إلى ضواحي دمشق وعلى امتداد الجغرافيا السورية. صفّق الممانعون لبقاء الأسد ولاستمراره في ارتكاب القتل، وسمّوا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين افتخارا “أبوعلي بوتين” وغضوا النظر عن الاتفاقات العميقة بين روسيا وإسرائيل، لم يسمّوا الغارات الجوية الإسرائيلية على بعض المواقع الإيرانية أو تلك التابعة لميليشياتها، تواطؤا روسيّا مع إسرائيل. لم تستفزهم التفاهمات الإسرائيلية الروسية بشأن تنظيم حركة الطيران الحربي الروسي والإسرائيلي في الأجواء السورية، بل أكملت سمفونية الممانعة نشيدها الممجوج والرخيص، عن شق طريق القدس من حلب وحمص وداريا وتدمر، وإلى آخر المدن والقصبات السورية.

الانتصار يعني بقاء الأسد على رأس النظام، وتهجير نحو عشرة ملايين سوري وقتل نحو مليون سوري وتدمير المدن بسلاح الممانعة وبراميلها وصواريخها سواء تلك التي ينتشي بإطلاقها الطيارون الروس، أو تلك التي قيل إنّها مرصودة للقدس، لكنها كشفت عن عورتها الدموية وحقيقتها القاتلة للسوريين، لم نشهد مثل هذا الكرم الإيراني إلا على السوريين، لم تتساقط صواريخهم على مستعمرة إسرائيلية، لم تنهمر الدماء الإسرائيلية حتى في الأناشيد الإيرانية.

الانتصار هنا يعني الانتصار لهذا النموذج الذي ابتدع البراميل كما لم يستطع أحد أن يسبقه إليها، واستخدم السلاح الكيمياوي، ولو كان امتلك سلاحا نوويا لما تهاون في استخدامه ضد شعبه، لا ضد إسرائيل. هو النموذج الذي بات معروفاً إلى الحد الذي تحول مثالا لقدرة نظام حاكم على الإيغال في القتل والتعذيب في السجون، وفي قهر الإنسان إلى الحدّ الذي نجح فيه النظام في تخريج أعداد من المعتقلين من الذين أتيح لهم الخروج إلى الضوء أن يكونوا أشباه البشر، لكن في بنيتهم النفسية والعقلية، مجرد كائنات مسكونة بالانفصام أو التشتت فيما لم ينج أحد من علّة دائمة في الجسد تكبر أو تصغر.

المنتصر هو الممانعة بنموذجها الذي يمثله مصطلح “سوريا الأسد”، هذا الشعار الذي غرس في وجدان السوريين أنيابا طيلة عقود ولا يزال ينهش من أرواحهم دون توقف، هذا النموذج هو الذي انتصر كما تردد قوى الممانعة وتحتفي، انتصرت قيم الممانعة وأخلاقها ومنهجها في حكم الشعوب، انتصر نموذج الأسد الذي لم يوفر أيا من رسائل الود الاستراتيجي لإسرائيل، ليست الأخيرة معنية بطبيعة الحال بغير مصالحها الاستراتيجية، واهتماماتها في سوريا تتصل بأمنها وأمنها فقط، ومن يستطيع أن يقتل مئات الآلاف من شعبه، من السهولة عليه بمكان أن يقدم لإسرائيل ما تشاء في سبيل أن لا تشغله عن مهمة استكمال الإطباق على ما تبقى من الشعب السوري، أمّا دعاة طريق القدس تلك التي باسمها ارتكبت أفظع الجرائم والنكبات، هؤلاء المدّعون، فهاهم يطأطئون رؤوسهم أمام مصالح العدو، ويبيعون نصف الشعب السوري مقابل بقاء الأسد، ويشاركون في تهجير الملايين، ودائما باسم طريق القدس.

لقد وصلت الممانعة إلى ما تشتهي وانتصرت حين بقي الأسد، وهو أهم انتصار حققته قوة “الممانعة” بأن بقي الأسد وأغلقت طريق القدس. الطريق نحو أولى القبلتين مغلقة بسبب التصليحات في أركان العرش السوري، ومن يمد يده على الجولان ستقطع يده بسلاح الممانعة، الضمانة الروسية أكثر من حاجة إسرائيل إلى ضمان أمنها، والأكثر من ذلك الضمانات الخفية تلك التي باتت واضحة أمام الجميع وبلا خجل، الممانعة التي استباحت الدم السوري لا تتجرأ اليوم ولو إعلاميا على الرد على كل الإجراءات الإسرائيلية المتصلة بشروطها الأمنية على امتداد عشرات الكيلومترات من حدودها الشمالية، لا بل يجري التنسيق الضمني على الأقل عبر روسيا ودول أخرى لتقديم الضمانات بعدم المسّ بالمصالح الإسرائيلية. لسان حال الممانعة يقول صواريخنا ضد المدن السورية وضد معارضي الأسد سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، أما أنتم أيّها الإسرائيليون فلستم إلا ذريعة نستخدمها لكي نكمل مهمة لا تمسكم ولا تضركم.

انتصر نموذج الممانعة، وانتصرت أخلاقها ومثالها الاستبدادي، انتصرت صواريخها ضد طلاب الحرية والحق في الحياة الكريمة، انتصر مشروعها التدميري، وأمثولة حق القضاء على الملايين من أجل بقاء الرئيس. أما فلسطين وحكايات تحريرها وإنقاذ القدس من الاحتلال، فهي حكاية انطلت على البعض، أمّا اليوم وبعد ما ارتكبته “الممانعة” في حق السوريين فإنني أجزم أنّ أفضل هدية تلقتها إسرائيل هي تلك النكبة السورية، التي تعدّت النكبة الفلسطينية إلى الحدّ الذي بتّ تسمع الكثير من السوريين يتمنون لو أنّ نظامهم وسجونه الذي ذاقوا منهما الموت والدمار كانا كحال الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وسجونه التي أسر فيها ثوار فلسطين. الهدية الأسدية لبنيامين نتنياهو ليست الجولان فحسب، بل نموذج الممانعة بهويتيه الأسدية والسليمانية.

المصدر : العرب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى