تتعدد الأسباب التي أثرت على اقتصاد نظام الأسد خلال الأشهر والسنوات الماضية، وحلت أزمة كورونا لتعمق من مشاكل النظام الاقتصادية، وسط انهيار متواصل في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، حيث وصل إلى مستويات قياسية بعد اندلاع أزمة كورونا، وبلغ سعر الصرف قرابة 1900 ليرة أمام الدولار، في حين كان قبل أزمة كورونا حوالي 1300 ليرة، فيما بلغ اليوم 2300 ليرة.
وأجرت “وطن إف إم” مقابلة مع المحلل الاقتصادي “يونس الكريم” للوقوف على أهم الآثار التي تسبب بها فيروس كورونا في الضغط على اقتصاد النظام وانهيار سعر صرف الليرة السورية.
ما أهم آثار أزمة كورونا على نظام الأسد؟
يقول المحلل الاقتصادي يونس الكريم إن أزمة كورونا عمّقت أولاً عزلة النظام الاقتصادية، وهي ناتجة عن كثير من الأزمات منها: “العقوبات الأوروبية والأميركية، قانون قيصر، وأزمة المحروقات والسلع، وعدم القدرة على الاستيراد، سعر الصرف… كل هذه الأزمات كانت خانقة وجاءت أزمة كورونا لتعمقها وتجعلها شديدة الوطأة وتحاصر النظام”.
وأضاف اليونس أن أزمة كورونا أدت إلى رفع كلفة السلع والخدمات؛ مما أدى إلى انهيار الاسعار الآن والتي باتت تتغير بشكل يومي نتيجة تغير سعر الصرف، ومن جهة جعلت الاستيراد أكثر صعوبة بسبب أزمة كورونا حيث أن الحدود مغلقة، إذ لا توجد سلع متوفرة للشراء متى يريد النظام كما كان قبل كورونا، وحتى عملية الائتمان أصبحت الآن أكثر صعوبة، وأصبح الآن التجار سواء بالدول المجاورة أو بالدول التي لا زال النظام يملك علاقات معها -وإن كانت خفية- أصبحت عملية الاستيراد نقداً، إذ لم يعد الدفع مؤجلاً ليتمكن من استيراد هذه السلع وبيعها ثم إعادة دفع ثمن هذه السلع.
ولفت اليونس إلى أن أزمة كورونا حرمت نظام الأسد من مساعدات المانحين والتي كانت تصب بشكل أو بآخر بخزينة النظام والبنك المركزي السوري التابع له حكماً، سواء أ كانت تعطى للمناطق المحررة أو الإدارة الذاتية أو حتى النظام، فبرنامج الغذاء العالمي خفّض “السلة الغذائية” بمقدار 250 حُريرة، أي مايقارب 25٪ من وزن السلة؛ وبالتالي أظهر هذا الأمر حجم تأثير كورونا على اقتصاد النظام.
وشدد المحلل يونس الكريم على أن روسيا وحلفاء الأسد باتوا يأخذون من النظام الاستثمارات وامتيازات على حساب الدولة السورية، كما أن أزمة كورونا شتتت إمكانية النظام الاقتصادية، فهو كان يحارب سعر الصرف أما الآن بات يحارب إلى جانب سعر الصرف، القطاع الصحي وتدهوره، وعملية توقف عجلة الاقتصاد، وتأمين السلع والخدمات للمواطنين الخاضعين تحت سيطرته، وعملية شراء البذار والحبوب من المزارعين.
وشدد اليونس على أن العملية الآن باتت أكثر تعقيداً، إذ لم يعد النظام يحارب على جبهة واحدة اقتصادية، بل بالعكس بات على عدة جبهات، وحتى خصوم النظام الداخليين كرامي مخلوف على سبيل المثال زاد نشاطه المعادي لبشار الأسد خلال أزمة كورونا، حيث النظام الآن يعاني من ضعف شديد.
هل يؤثر إغلاق الأسواق والمتاجر المحلية على اقتصاد نظام الأسد فضلا عن إيقاف العمل في العديد من المؤسسات ؟
يجيب المحلل الاقتصادي يونس الكريم إن “أزمة كورونا كان لها أثر بالغ على الأسواق، فنتيجةً للإغلاق كانت خسائر التجار كبيرة جداً بسبب انتهاء موسم كامل على بضائع تم شراؤها بالقطع الأجنبي -الذي هو أصلاً غير متوفر بشكل كبير لديهم- دون بيع تلك البضائع والسلع، والآن دخل موسم آخر وهو الصيف”.
ولفت اليونس إلى أن وجود مواد كثيرة من النصف مصنعة والتي تدخل بتركيب كثير من المنتجات تم إيقافها بسبب عدم السماح للعمال بالحركة والإغلاق الذي حدث، وهذا أمر أيضاً كلفهم خسائر كبيرة، حتى أن الأسواق التي يتم استيراد السلع منها تم إغلاقها كالمناطق المحررة والإدارة الذاتية، والتي تعتبر محطات لتصدير السلع إلى أوروبا وإلى الكثير من الأماكن التي يقيم فيها سوريين، هذا الأمر أيضاً شكل ضغطاً على الأسواق والمحلات التجارية وحمّلها الخسائر، إضافةً إلى عدم القدرة على استيراد بعض السلع التي تدخل بتركيب هذه المواد، وكل ذلك أوقف ما تبقى من عجلة الصناعة حمّل المحال التجارية خسائر كبيرة بسبب تغير المواسم.
وأشار اليونس إلى أن أزمة كورونا فوق طاقة التاجر السوري، والآن جاء تغير سعر الصرف، حيث أنه قبل أزمة كورونا كان سعر الصرف قريب من الألف أما الآن فقريب من ألفين؛ يعني الرقم أصبح غير قابل لتحمل هؤلاء التجار، فالخسائر أصبحت 100٪ فقط لتغير سعر الصرف.
ما أثر كورونا على المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد ؟
وقال المحلل الاقتصادي يونس الكريم حول أثر كورونا على المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، إن الكارثة في أزمة كورونا إغلاق الحدود ما بين المناطق الشمالية ( المناطق المحررة – الإدارة الذاتية )، مع دول الجوار (العراق – إقليم كردستان العراق – تركيا)، هذا الأمر منع أيضاً عملية التبادل التجاري التي كانت تأتي -على قلتها- بسبب تغير سعر الصرف وارتفاع الكلفة ، كما أوقفت عمل المنظمات الإغاثية؛ وبالتالي هذا الأمر صعّب حياة المواطنين.
ويضيف : “في المناطق المحررة شمال غربي سوريا نجد أن الأمور أكثر سوءاً حيث أن هناك 86٪ من الشعب يعاني من الفقر، حتى أن هناك أكثر من 70٪ من المواطنين في المناطق المحررة الآن يعيشون بحالة العوز الغذائي، هذا الأمر بالغ الخطورة وهم يعتمدون على مناطق النظام ، وفرض الحجر وكورونا على العَمالة التوقف”، مردفاً: “الآن نحن نستشرف وجود أزمة غذائية وبوادر جائحة جوع تضرب سوريا في المناطق الثلاث نتيجة أزمة كورونا، ونتيجة السياسات وخاصةً السياسات المتبعة من المنظمات الدولية والمانحين، وهذا الأمر بالغ الخطورة على المواطنين الذين حتى الآن لا يعلمون ماذا سيحدث وما هي خطط المانحين والمنظمات الدولية لما بعد كورونا او حتى ضمن أزمة كورونا”.
هل باستطاعة حكومة الأسد التغلب على الآثار الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا.. وهل تتوقع أن توضع خطة للتعامل مع أضرار الفيروس الاقتصادية على المدى البعيد ؟
لفت اليونس إلى أن نظام الأسد حاول الاستفادة من أزمة كورونا لإعادة بناء العلاقات مع دول العالم، سواء من خلال إرسال الطائرات لجلب السوريين العالقين في مطارات العالم أو من خلال التقدم إلى منظمات الصحة العالمية والمنظمات الصحية لطلب المساعدة بسبب جائحة كورونا، والتهديد بأن سوريا قد تتحول إلى بؤرة تهدد دول الجوار -حيث نحن نعلم أنه لا إمكانية للسيطرة على الحدود- أو حتى بتخفيف العقوبات أو قانون قيصر على النظام من خلال الاستثناء بسبب أزمة كورونا، كانت تلك محاولات النظام لتعويم نفسه هو نجح لكن ليس النجاح الذي يرضي النظام أي يعيد تعويمه، فالنظام استطاع فقط تخفيف هذا الضغط.
وشدد اليونس على أن النظام استطاع الاستفادة من أزمة كورونا بتخفيف الضغط عليه؛ وبالتالي هذا يُعتبر نجاحاً بإدارة أزمة كورونا -إن صح التعبير- لكن ليس بالشكل المطلوب، إذ لا زال الآن هناك تخوف شديد من انتشار وباء كورونا مع ارتفاع أعداد المصابين لدى مناطق النظام، وهذا الأمر بالغ الخطورة والذي سوف يشكل عبئاً وضغطاً جديداً على النظام الاقتصادي وعلى سعر الصرف؛ وبالتالي نحن الآن نستطيع القول إن النظام الاقتصادي في سوريا بدأ يدخل مرحلة الانهيار الشديد ويدخل في أزمات شديدة منها المجاعة وتردي الأوضاع الصحية وانهيار النظام الصحي بسوريا، وكل الاحتمالات باتت مفتوحة هناك.
ما مستقبل اقتصاد نظام الأسد وهل من تدخل لحلفائه؟
يقول المحلل يونس الكريم حول مستقبل اقتصاد نظام الأسد في ظل أزمة كورونا إنه يتوقع أن المستقبل الاقتصادي للنظام بالغ السوداوية، وهذا الأمر سوف يلقي بظلال شديدة على أي عملية سلام يُتوقع حدوثها بالفترة القريبة؛ حيث إن جائحة الجوع ستكون هي العنوان الأبرز خلال الأشهر القادمة، وانهيار سعر الصرف وتفكك مؤسسات الدولة وتحول شكل النظام الاقتصادي أيضاً هو من أحد العناوين التي سوف تظهر على سوريا، وبالتالي الاتجاه نحو العسكرة ونحو اقتصاد الجريمة إضافةً إلى الاغتيالات.
ويشير اليونس إلى أن هروب المستثمرين يذكرنا بما حدث في 2004 و 2005 و 2006 بالعراق وهو بالغ السوداوية حقيقةً لذلك الأمر مربك.
ولا يعتقد اليونس أن حلفاء النظام سيتدخلون بشكل حقيقي بالملف الاقتصادي السوري؛ بسبب الوضع الاقتصادي المتعثر لديهم من جهة، ومن جهة أخرى الانقسام في ما بينهم وما بين النظام، فالأمر بات معقداً، إذ لم يعد هناك طرف واحد لدى النظام (هو عبارة عن نظام وحلفاء) إنما أصبحت هناك تيارات كثيرة متصارعة، فـ “رامي مخلوف – الأسد” صراعهم ألقى بظلال شديدة على المنظومة الاقتصادية لدى النظام، والمظهر الخارجي للعالم لتقبُّل هذا النظام فهو لم يعد نظاماً واحداً.