أعلن البنك المركزي الأمريكي عن أكبر زيادة في سعر الفائدة منذ حوالى 30 عامافي إطار جهوده المكثفة لكبح جماح ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية.
وقال البنك، المعروف باسم الاحتياطي الفيدرالي، إنه سيرفع سعر الفائدة القياسي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية ليصل إلى 1.75٪.
ويأتي هذا الارتفاع، وهو الثالث منذ شهر مارس/آذار، بعد ارتفاع مستوى التضخم بشكل غير متوقع الشهر الماضي.
وقال البنك إنه يتوقع حدوث مزيد من الزيادات.
وأظهرت التعليقات الصادرة بعد الاجتماع أن المسؤولين يتوقعون أن تصل أسعار الفائدة إلى 3.4٪ بحلول نهاية العام، وهي خطوة سيتأثر بها الناس في صورة ارتفاع تكاليف الاقتراض الخاصة بالرهون العقارية وقروض المدارس وبطاقات الائتمان.
ونظرا لأن البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم تتخذ حاليا خطوات مماثلة، فإن ذلك يمثل تغييرا هائلا للاقتصاد العالمي، حيث استفادت الشركات والأسر بسنوات من القروض منخفضة التكلفة.
وقال غريغوري داكو، كبير الاقتصاديين في شركة الاستشارات الإستراتيجية إيي بارثينون إن”معظم البنوك المركزية في الاقتصاد المتقدم وبعض البنوك المركزية في الأسواق الناشئة تعمل على تشديد السياسة بشكل متزامن. وهذه بيئة عالمية لم نعتد عليها في العقود القليلة الماضية، وسوف يكون لها تبعات على قطاع الأعمال والمستهلكين في جميع أنحاء العالم”.
وفي المملكة المتحدة، حيث قفزت أسعار المستهلك بنسبة 9٪ في أبريل/نيسان، من المتوقع أن يعلن بنك إنجلترا الخميس عن رفع سعر الفائدة للمرة الخامسة منذ ديسمبر/كانون الأول، ليرتفع سعره القياسي فوق 1٪ للمرة الأولى منذ عام 2009.
كما رفعت كل من البرازيل وكندا وأستراليا أسعار الفائدة، بينما وضع البنك المركزي الأوروبي خططا لخطوة مماثلة في وقت لاحق من هذا الصيف.
وفي الولايات المتحدة، التي خفضت أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد عندما تفشى وباء فيروس كورونا في عام 2020، رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرتين هذا العام، بمقدار 0.25 نقطة مئوية في مارس/آذار ونصف نقطة أخرى في مايو/أيار.
وقال رئيسه جيروم باول، في ذلك الوقت، إن المسؤولين لا يفكرون في زيادات أكبر.
لكن الأرقام الصادرة يوم الجمعة والتي أظهرت ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة إلى 8.6٪ في مايو/أيار، في أسرع وتيرة منذ عام 1981، دفعت المسؤولين إلى التحرك بقوة أكبر، وفق ما قاله باول.
وأضاف: “من الواضح أن التضخم أخذ بشكل مفاجئ منحى تصاعديا خلال العام الماضي ويمكن أن تكون هناك مفاجآت أخرى، لذلك سنحتاج إلى أن نكون أذكياء”.
ويقول العديد من المحللين إن الاحتياطي الفيدرالي يعاني في سعيه للتأقلم، بعد أن بدأ التضخم في الظهور في الولايات المتحدة العام الماضي، بسبب انتعاش اقتصادي أقوى من المتوقع تعافيا من صدمة الإغلاق خلال أزمة كوفيد-19.
ومع ارتفاع الطلب، مدعوما بتريليونات الدولارات من الإغاثة الحكومية لاحتواء الوباء، بما في ذلك إصدار شيكات مباشرة للأسر، قال المسؤولون، بينهم باول، في البداية إن الزيادات في الأسعار مؤقتة. وقالوا إنها ستتراجع مع حل مشكلات سلسلة التوريد المتعلقة الناجمة عن الوباء.
لكن هذه المشكلات بقيت مع استمرار ظهور وتفشي سلالات جديدة من الفيروس وإغلاق كوفيد-19 المستمر في تعطيل النشاط، كما أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة العالمية.
وتشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن الجمهور يتوقع استمرار المشكلة في التفاقم، على الرغم من تعهد الاحتياطي الفيدرالي بالعمل على حلها.
وقال الاقتصادي ديفيد بيكوورث، كبير الباحثين في مركز ميركاتوس في جامعة جورج ميسون: “الاحتياطي الفيدرالي تحت التهديد ويواجه اختبار مصداقية فيما يتعلق بمكافحة التضخم”.
وكانت المرة الأخيرة الذي أعلن فيها الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة بهذا الحجم، عام 1994.
ومن خلال التصرف في وقت متأخر والتحرك الآن بقوة أكبر للتعويض، يواجه صانعو السياسة فرصة أكبر في أن تؤدي أفعالهم إلى حدوث انكماش اقتصادي، على حد اعتبار داكو.
وأضاف: “أشعر بقلق متزايد. لن أتفاجأ من أننا في مطلع العام نواجه بيئة يتباطأ فيها النمو ونقترب كثيرامن الركود، مع ارتفاع معدل البطالة وعدم انخفاضه”.
وتظهر التوقعات الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي أن المسؤولين يتوقعون نموا اقتصاديا بنسبة 1.7٪ هذا العام، أي أقل بنقطة مئوية كاملة مما توقعوه في مارس/أذار.
ومن المتوقع أن ترتفع نسبة البطالة إلى 3.7٪. وتوقع مسؤولون أن يظل سوق العمل قويا وأن ينخفض التضخم إلى هدف البنك البالغ 2٪.
تأثير عالمي
ومع الارتفاع في سعر الفائدة يوم الأربعاء، يعود المعدل الذي يفرضه الاحتياطي الفيدرالي على البنوك للاقتراض، إلى ما كان عليه قبل انتشار الوباء في عام 2020، لكنه يظل منخفضا نسبيا وفقا للمعايير التاريخية.
إلا أن تأثير هذه الزيادات قد بدأ بالفعل في الظهور.
إذ ساعد ارتفاع معدلات الفائدة في تعزيز الطلب على الدولار، مما أدى إلى ارتفاع قيمة العملة بنسبة 10% منذ بداية العام، ووضع ذلك دول أخرى، خصوصا الأسواق الناشئة التي لديها ديون كبيرة بالدولار، تحت ضغط هائل.
وفي الولايات المتحدة، تراجعت الأسواق المالية، حيث خسر مؤشر ستاندارد آند بورز 500، الذي يتتبع المئات من أكبر الشركات الأمريكية، خمس قيمته منذ بداية العام، فيما تحذر الشركات متعددة الجنسيات من أن التضخم وارتفاع الدولار يضر بأرباحها.
كما تباطأت مبيعات المنازل بشكل حاد، وذلك لأن أسعار فائدة قروض الرهن العقاري تتبع ارتفاع معدلات الاحتياطي الفيدرالي.
وأظهرت بيانات يوم الأربعاء أيضا تراجعا في مبيعات التجزئة خلال الشهر الماضي، حيث أنفق الناس المزيد على محطات الوقود، بسبب ارتفاع سعر البنزين وتأجيل شراء المشتريات ذات القيمة الكبيرة مثل السيارات.
وأكد باول أن السيطرة على الزيادة في الأسعار أمر ضروري للاستقرار الاقتصادي وأن تحقيق أي تقدم في ذلك سيستغرق بعض الوقت.
ومن جهته، قال بيكورث: “في نهاية الأمر، تتسم التوقعات بشأن المستقبل بالغموض البالغ”. وأضاف: “يحتاج الاحتياطي الفيدرالي بعض الحظ في مرحلة ما”.
BBC عربي