أفادت وكالة “الأناضول” التركية بأن الحاخام السوري يوسف حمرا، الذي غادر دمشق قسرًا عام 1992، عاد إليها مجددًا بعد أكثر من ثلاثة عقود، في زيارة شملت الكنس التاريخية والمواقع اليهودية في العاصمة السورية، وسط تساؤلات حول مستقبل الجالية اليهودية في البلاد.
زيارة إلى المعابد اليهودية وآثار الحرب
زار الحاخام حمرا، برفقة مجموعة من اليهود، عددًا من المعابد والمواقع الدينية اليهودية البارزة، من بينها كنيس “الفرنج” و”الراكي” ومدرسة “ابن ميمون” اليهودية، إضافة إلى كنيس “جوبر” الذي تعرّض للتدمير خلال الحرب.
وقال حمرا في حديثه للأناضول:
“لم أتعرف على منزلي الذي بنيته بيدي، لكن الذي تغير في الحقيقة هو البلد، أما السوريون فلا يزالون يحتفظون بنفس الدفء.”
وأكد أنه كان يعمل على العودة إلى دمشق منذ عام ونصف، لكن النظام السابق لم يسمح له بذلك. وأضاف:
“تعالوا إلى سوريا وشاهدوا بأنفسكم، ربما يتغير رأيكم وتريدون العودة.”
لكن، هل ستكون هذه الزيارة مجرد لحظة عاطفية فردية، أم أنها تحمل أبعادًا أوسع لفتح باب عودة اليهود السوريين إلى بلادهم؟
استقبال الحكومة السورية للوفد اليهودي.. بداية تحول؟
رغم عدم صدور أي تصريح رسمي من الحكومة السورية حول زيارة الحاخام حمرا، إلا أن مصادر إعلامية سورية أفادت أن عددًا من اليهود السوريين المقيمين في الولايات المتحدة زاروا مؤخرًا المقبرة اليهودية في دمشق وقبر الحاخام حاييم فيتال، مما يشير إلى تزايد الاهتمام بالتراث اليهودي في سوريا.
من جهته، قال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي للمنظمة السورية للطوارئ، إن الحكومة السورية الجديدة ترحب بعودة جميع السوريين، بمن فيهم اليهود.
وأضاف مصطفى:
“بقي عدد قليل جدًا من اليهود في سوريا، ونتمنى تحرك المجتمع الدولي لإعادة بناء الكنس اليهودية ورفع العقوبات عن سوريا.”
لكن، هل ستشهد المرحلة المقبلة إعادة تأهيل المعابد اليهودية وإحياء التراث اليهودي في سوريا؟ أم أن هذه الزيارة ستبقى مجرد حدث رمزي دون خطوات ملموسة على الأرض؟
إسرائيل والمنظمات اليهودية تتابع التطورات
في الوقت الذي لقيت فيه عودة الحاخام حمرا اهتمامًا إعلاميًا واسعًا، لم تعلّق إسرائيل رسميًا على الحدث، لكن منظمات يهودية دولية، مثل المؤتمر اليهودي العالمي، تتابع عن كثب أوضاع اليهود في سوريا.
وفي ظل هذا الاهتمام المتزايد، تبرز أسئلة جوهرية حول إمكانية أن تكون هذه الزيارة خطوة أولى نحو انفتاح دمشق على يهودها السابقين، وربما حتى تسهيل استعادة ممتلكاتهم؟
هل تشكّل هذه الزيارة بداية لعودة أوسع؟
تطرح عودة الحاخام حمرا إلى دمشق تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة بدايةً لعودة أكبر لليهود السوريين إلى وطنهم الأم. فعلى الرغم من أن سوريا كانت موطنًا لمجتمع يهودي مزدهر لقرون، إلا أن أعداد اليهود تراجعت بشكل كبير، خاصة بعد حرب 1967، حيث غادر معظمهم البلاد بطرق غير شرعية، واستقروا في الولايات المتحدة، وأمريكا الجنوبية، وإسرائيل.
في ظل المتغيرات السياسية في سوريا اليوم، هل ستعمل الحكومة على تسهيل عودة اليهود السوريين واستعادة ممتلكاتهم، أم أن هذه العودة ستظل محصورة في الزيارات الرمزية فقط؟
تاريخ اليهود في سوريا: جذور عميقة وهجرة واسعة
يشكّل اليهود جزءًا من النسيج السوري منذ العصور القديمة، حيث تواجدوا في البلاد على شكل مجموعتين رئيسيتين:
- اليهود المزراحيون: يعود تاريخ وجودهم في سوريا إلى أيام النبي داود، وفق الروايات الدينية.
- اليهود السفارديون: استقروا في سوريا بعد طردهم من إسبانيا خلال القرن السادس عشر، عقب سقوط الأندلس.
كانت أكبر التجمعات اليهودية في دمشق، حلب، والقامشلي، لكن مع تصاعد التوترات عقب حرب 1967، غادر معظمهم البلاد بطرق غير شرعية، لا سيما بعد إلغاء الحظر على مغادرتهم في عام 1992، إثر مؤتمر مدريد للسلام.
اليوم، أكبر تجمع لليهود السوريين يوجد في بروكلين، نيويورك، مع تواجد ملحوظ في أمريكا الجنوبية وإسرائيل.
ماذا بعد؟.. مستقبل اليهود في سوريا
رغم عدم وضوح ما إذا كانت هذه الزيارة ستمهّد لعودة أكبر لليهود السوريين، إلا أنها تعكس تغيرًا في المناخ السياسي والاجتماعي داخل سوريا، مع محاولات لإعادة بناء العلاقات بين مختلف المكونات الدينية والعرقية.
لكن، هل يمكن أن تشهد سوريا مبادرات رسمية لإعادة ترميم دور العبادة اليهودية؟ وهل سيشهد المستقبل عودة أوسع لأبناء الجالية اليهودية إلى وطنهم الأصلي، أم أن هذه الخطوة ستظل مجرد زيارة استثنائية؟
تبقى هذه الأسئلة مفتوحة، لكن عودة الحاخام حمرا إلى دمشق بلا شك تمثل لحظة تاريخية، قد تؤدي إلى إعادة رسم دور الجالية اليهودية في مستقبل سوريا.