سورياسياسة

“ورق الدفاتر انقطع”.. أزمة مزعجة تهدد إقامات السوريين في تركيا

قبل أكثر من 3 أشهر قدم الشاب السوري عبد السلام المحمد، المقيم في إسطنبول، طلب تجديد جواز سفره إلى “القنصلية السورية العامة”، وحتى الآن لم يتلق أي رد، مما يهدد عملية تجديد إقامته السياحية في تركيا.

 

المحمد يقول في تصريحات لموقع “الحرة” إن مدّة الإقامة التي حصل عليها في البلاد أوشكت على الانتهاء، مبديا تخوفه من العجز عن تجديدها في حال التأخر أكثر من ذلك، وبالتالي سيكون وجوده في تركيا مخالفا للقانون.

 

ويضيف عبد السلام أن موظفي “القنصلية السورية” الموجودة في حي نيشانتشي أبلغوه في الزيارة الأخيرة بأن هناك “أزمة” في عملية استخراج الجوازات، بسبب “انقطاع الورق المخصص للدفاتر” في العاصمة دمشق.

 

ويتطلب تجديد الإقامة السياحية في تركيا جواز سفر ساري المفعول لأكثر من عام، وهو ما تشترطه إدارة الهجرة العامة في البلاد.

 

ويتجاوز عدد السوريين المقيمين على الأراضي التركية أكثر من 4 ملايين شخص، بحسب دائرة الهجرة التركية، يحمل معظمهم بطاقة الحماية المؤقتة المعروفة بـ “الكملك”، التي كانت السلطات التركية تمنحها في الأيام الأولى لدخول السوري إلى أراضيها، لكنها عزفت عن ذلك، منذ قرابة العامين.

 

في حين يحمل قسم آخر من السوريين “إقامة سياحية”، تتيح لهم التنقل بين الولايات التركية والسفر إلى خارج الحدود، وهو ما يميزها عن وثيقة “الكملك”، التي لا تتيح للسوري الخروج من تركيا، وتفرض السلطات التركية إلى جانبها استخراج “وثيقة سفر” في حال أراد اللاجئ السوري التنقل بين المدن والولايات.

 

ويشير الشاب السوري عبد السلام: “حاولت استخراج الجواز من دمشق عن طريق أحد أقاربي بعد توكيله بذلك، لكن لم أصل إلى أي نتيجة حتى الآن. أزمة الحصول على الجواز تنسحب على الداخل والخارج”.

 

“أسباب فنية”

وقبل أيام برر وزير الداخلية في حكومة الأسد محمد رحمون مشكلة تأخير الوزارة في إصدار جوازات السفر للراغبين بمغادرة البلاد بأنها تعود لـ”أسباب فنية”.

 

وقال رحمون في اتصال هاتفي مع تلفزيون الأسد إن “مشكلة تأخير جوازات السفر ستستمر حتى يوم 20 أغسطس الجاري، وسيتم حل المشكلة بعدها، والبدء بمنح جوازات السفر للمواطنين”.

 

وبحسب تصريحات رحمون ، فإنه أعطى تعليمات مستعجلة لمديريات الهجرة والجوازات في مختلف المحافظات، تقضي “بمنح الجوازات المستعجلة بشكل فوري، وكذلك منح الأشخاص الذين لديهم بطاقات سفر أيضا جوازات السفر قبل موعد السفر”.

 

“لا تصديق قريبا”

ولا تقتصر الأزمة فقط على إصدار جوازات سفر جديدة للسوريين في الداخل والخارج، بل هناك أزمة في التصديق عليها داخل “القنصلية العامة” في إسطنبول، بحسب ما يقول الشاب السوري محمد عواد، الذي ينتظر موعدا لذلك بعد شهر من الآن.

 

وقبل أربعة أشهر استخرج الشاب محمد، المقيم في إسطنبول، جواز سفر من مدينة حمص بعد توكيل أخيه بذلك، وعند التقدم لموعد تجديد إقامته السياحية في تركيا، قبل أسبوع طلب منه الموظف التركي ختم تصديق للجواز من القنصلية السورية.

 

ويوضح الشاب في تصريحات لموقع “الحرة”: “حاولت لأكثر من 10 مرات حجز موعد على موقع القنصلية للحصول على طلب تصديق إلا أنني لم أتمكن من ذلك. مما ظهر لي بأن هناك (خطأ في السيستم) وهو أمر ليس بجديد”.

 

وبعد طول انتظار تواصل ذات المتحدث مع أحد “السماسرة” الذين يتولون عملية حجز المواعيد، وتابع محمد: “تم الأمر بالفعل، لكن مقابل دفع مبلغ مالي بقيمة 80 دولار أميركي أي ما يعادل 690 ليرة تركية. أخشى أن تتأخر تلك العملية وبالتالي سأفقد إقامتي السياحية”.

 

ورغم التصريحات الأخيرة لوزير داخلية الأسد محمد رحمون بشأن قرب انفراجة أزمة الجوازات، إلا أن ذلك لم يترجم بشكل فعلي على الواقع، بحسب الشاب محمد.

 

وعلى مدى السنوات الماضية عانى السوريون في تركيا من استخراج أوراقهم في قنصلية النظام بإسطنبول، التي أصبحت مقصد مئات آلاف السوريين الموجودين في جميع الولايات التركية من أجل إخراج وثائق ثبوتية في مقدمتها جواز السفر، للحصول على إقامة قانونية، أو التقدم للجامعات، أو السفر إلى بلدان أخرى.

 

وتعددت طرق حجز الموعد في القنصلية خلال السنوات الماضية، وكان أبرزها عن طريق وسطاء (سماسرة)، بعد دفع مبالغ مالية باهظة وبالدولار. وهو أمر نفته القنصلية مؤخرا، وأكده سوريون خاضوا التجربة بشكل متواتر.

 

“تجارة رابحة للوثائق”

وعبر موقعها الرسمي لم تعلّق “القنصلية السورية العامة” في إسطنبول على الأزمة الحاصلة، سواء في الحصول على جواز سفر، أو التصديق على الأوراق الثبوتية الأخرى للمواطنين السوريين.

 

من جانبه يقول أسامة عيسى، صاحب مكتب لتسيير المعاملات القانونية للسوريين من جوازات سفر وغيرها: “منذ يوليو الماضي لا يوجد أي موعد لاستخراج جواز سفر أو تجديده في القنصلية العامة بإسطنبول””.

 

ويضيف عيسى في حديث لموقع “الحرة”: “المواعيد قليلة جدا جدا. وفي سوريا الأمر ذاته. بحسب تواصلي مع أحد المحامين في الداخل السوري أبلغني بأن مواعيد استخراج جواز السفر تم تقليصها إلى أكثر من الربع”.

 

ويشير إلى أن أزمة الحصول على جوازات السفر من شأنها أن تهدد آلاف السوريين في تركيا، من الحاملين للإقامة السياحية وإقامة العمل، لافتا: “تصلني مئات الحالات لسوريين يخشون انتهاء مدة إقامتهم بعد عجزهم عن تجديد جواز السفر”.

 

من جانبه يؤكد المحامي السوري، غزوان قرنفل الأزمة الحاصلة، ويقول إنها تشمل السوريين في الداخل والخارج.

 

وتداولت وسائل إعلام سورية في الأيام الماضية صورا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت اصطفاف مئات المواطنين أمام مديريات الهجرة والجوازات في العاصمة دمشق، من أجل التقدم لطلب استخراج وتجديد جواز السفر.

 

وأشار موقع “صوت العاصمة” المحلي إلى أن السبب الحقيقي وراء تأخير إصدار جوازات السفر “يعود للنقص الكبير في كميات الدفاتر المخصصة لإصدار الجوازات، إضافة لعدم توفر الورق الليزري المخصص لها”.

 

وبحسب المحامي غزوان قرنفل: “هناك بعض الدفاتر التي يتم الاحتفاظ بها مخبأة لحالات الأقارب أو الشخصيات التي تحظى بنفوذ وواسطة، وقسم آخر يتم بيعها بمبالغ مضاعفة. هو أمر مألوف بالنسبة لسلوك الموظف السوري، سواء في القنصليات أو داخل سوريا”.

 

ويوضح قرنفل في حديث لموقع “الحرة”: “بالنسبة للسوريين الذين قاربت إقاماتهم في تركيا على الانتهاء فلا يوجد خيار أمامهم سوى الحصول على الإقامة الإنسانية”.

 

وتعتبر “الإقامة الإنسانية” أو وثيقة “اللجوء الإنساني” كما يطلق عليها نوع من أنواع الإقامات التي تمنح حق الحماية للأشخاص الفاقدين لإمكانية العيش في بلادهم، لأسباب خاصة وردت في اتفاقية الأمم المتحدة التي عقدت في جنيف عام 1951، ووقعت عليها 130 دولة.

 

وفي أكتوبر العام الماضي كانت “اللجنة السورية- التركية” أعلنت أن دائرة الهجرة التركية قررت منح الراغبين من السوريين المقيمين في تركيا ذاك النوع من الإقامة. واعتبرت اللجنة أن ذلك يعتبر حلا لمشكلة عدم قدرة البعض منهم على تجديد جوازاتهم في قنصلية النظام السوري، إما لأسباب أمنية أو مادية.

 

هل الأزمة مفتعلة؟ 

وحسب مؤشر “هينلي باس بورت” (henleypassport) لتصنيف ترتيب جوازات السفر عالميًا، فإن جواز السفر السوري يقع في الترتيب الأخير بقائمة الجوازات التي تسمح لحامليها بالوصول إلى وجهات دون تأشيرة مسبقة (فيزا).

 

ويعتبر جواز السفر السوري الأعلى تكلفة بين جوازات السفر في العالم، إذ يتعين على مستخرجه، إذا كان خارج حدود سوريا، أن يدفع مبلغ 300 دولار أميركي، دون الرسوم.

 

ويصل المبلغ إلى 800 دولار للجواز إذا كان مستعجلا (خلال أسبوع)، إضافة إلى الرسوم الأخرى والازدحام الذي يعاني منه السوريون في القنصليات، وخاصة قنصلية إسطنبول.

 

ويرى المحامي غزوان قرنفل أن مشكلة جواز السفر السوري لا حل لها، مشيرا إلى أن مؤسسات المعارضة السورية “لا يمكنها فعل شيء، لأنها مجرد كيان سياسي وليس ممثل قانوني للسوريين”.

 

ويضيف قرنفل: “النظام ممثل لدى الدول كلها، بدليل مقعده في الأمم المتحدة ووجود سفاراته في عدة دول بالخارج”.

 

ويستبعد المحامي السوري أن تكون أزمة الجوازات “مفتعلة”، لأن هذا المسار يحقق “موارد مالية هائلة جدا للنظام السوري، من خلال حصوله على ملايين الدولارات كبديل عن الرسوم التي يفرضها”.

 

ويتوافق حديث أسامة عيسى صاحب مكتب تسيير المعاملات القانونية للسوريين في تركيا مع ما سبق، لكنه يشير إلى أن الأزمة قد تقف خلفها أيضا اعتبارات مالية.

 

ويقول لموقع “الحرة”: “الأزمة الحالية نشّطت منذ أكثر من ثلاثة أشهر عمل السماسرة، وهناك أشخاص دفعوا أكثر من 1500 دولار للحصول على جواز السفر المستعجل، تحسبا من فقدان إقاماتهم السياحية”.

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى