أثار قرار اللجنة التنفيذية في الأمانة العامة للإنتربول الدولي برفع الحظر عن النظام مخاوف نشطاء وحقوقيين من تمكين نظام الأسد لملاحقة معارضيه حول العالم، وتعريض الذين فروا من الحرب للاحتجاز والتسليم، فضلاً عن تعقيد طلبات اللجوء ورفع القضايا القانونية الدولية ضد المسؤولين السوريين.
وكان مدير إدارة الأمن الجنائي التابعة لوزارة داخلية النظام حسين جمعة، قد أعلن في وقت سابق عن زيارة وفد من الأمانة العامة للإنتربول الدولي إلى العاصمة، دمشق، في نوفمبر القادم، برئاسة رئيس مكتب مكافحة الإرهاب في الأمانة العامة، ويضم عدداً من المدربين.
وخلال الزيارة، ستكون هناك ورشة عمل بشأن موضوع التطبيقات الحديثة للإنتربول، وفقا لما ذكرت صحيفة “الوطن” الموالية.
وتعليقا على تلك الخطوة، قال توبي كادمان، وهو محامي بريطاني يعمل في محاكمات جرائم الحرب المتعلقة بسوريا: “أشعر بخيبة أمل كبيرة وقلق عميق من اتخاذ مثل هذا القرار”، وأضاف في تصريحات لصحيفة “الغارديان” البريطانية: “أنظمة ولوائح الإنتربول مبهمة، ولا يوجد إشراف حقيقي أو مساءلة، ويجري إساءة استخدامها بشكل روتيني من قبل بعض الأنظمة، مثل النظام السوري الذي لا يولي أي اهتمام لحقوق الإنسان”.
إشكالية الإخطارات الحمراء
يمكن للدول الأعضاء في الإنتربول، البالغ عددها 194 دولة، أن تطلب من المنظمة إصدار “إخطارات حمراء” للأشخاص المطلوبين، والتي تكون بمثابة طلب من حكومات الدول الأعضاء الأخرى تحديد مكان واعتقال الأفراد الذين قد يخضعون بعد ذلك لمزيد من الإجراءات مثل التسليم.
وينص ميثاق تأسيس منظمة الإنتربول، التي تتخذ من مدينة ليون الفرنسية مقرا لها، على أنها هيئة محايدة سياسيا، وتقول إن جميع “الإخطارات الحمراء” تخضع للمراجعة والتدقيق.
وفي هذا الصدد، يوضح كادمان: “من السهل جدًا إصدار إخطار أحمر دون الحاجة إلى تقديم معلومات وافية عن الشخص المطلوب، وبالتالي فإن منظمة الإنتربول التي تعاني نقصا في التمويل وأعداد الموظفين لن تكون قادرة على مراجعة الطلبات بشكل صحيح، ناهيك عن أن إلغاء تلك الإخطارات في العديد من الدول بما فيها أوروبية مثل هولندا وبريطانيا يكون صعبا وبطيئا”.
وزاد: “في الماضي، عملت مع أشخاص مستهدفين أمضوا شهورًا رهن الاحتجاز، وأحدهم بقي في الإقامة الجبرية لمدة عام كامل قبل أن نتمكن من إلغاء المذكرة الصادرة بحقه”.
من جهته، أكد المحامي طارق هوان، الذي يعمل في إحدى المنظمات الحقوقية للصحيفة البريطانية، أن النظام معروف بتعامله “الدموي”، إذ اختفى بسبب اعتقالاته وملاحقته عشرات آلاف المواطنين داخل البلاد خلال الحرب التي استمرت نحو 10 أعوام، مشيرا إلى أن دمشق لها “سجل سيء في ملاحقة المنشقين والمعارضين خارج البلاد عبر أجهزة استخباراتها”.
وفي معرض تبريرها لخطوتها أجابت منظمة الإنتربول عبر رسالة بريد إلكتروني للغارديان بقولها: “إن التوصية برفع إجراءات (الحظر عن سوريا) التي قدمتها اللجنة التنفيذية جاءت بعد المراقبة الدقيقة للرسائل الواردة من من مكتب الإنتربول داخل الدولة”.
ولكن المحامي والحقوقي اللبناني، طارق شندب، يقول لموقع “الحرة” أن قرار الإنتربول يثير الاستغراب، قائلا: “أكبر رأس أمني في دمشق هو رئيس الأمن الوطني الجنرال علي مملوك، وهو مطلوب عبر مذكرات دولية”.
وكانت فرنسا قد أصدرت مذكرة قبض ضد مملوك عام 2018، ضمن 3 مقربين من بشار الأسد، بتهمة التورط في جرائم حرب وتعذيب وإخفاء قسري، حسب رويترز .وقبلها، أصدرت لبنان مذكرة قبض ضده في 2013، بتهمة تورطه في نقل متفجرات لداخل البلاد بهدف تنفيذ أعمال إرهابية، حسب فرانس برس.
ويعلق شندب: “لم يتم تنفيذ تلك المذكرة من قبل الإنتربول، بل أن مملوك هو من فاوضها لإعادة فتح مكتبها في دمشق”، على حد قوله.
وأشار شندب إلى أنه لا يمكن تأييد خطوة منظمة الشرطة الدولية، “لأن كبار مسؤولي النظام السوري وضباطه متهمين بارتكاب جرائم حرب، وهناك مذكرات قضائية صدرت بحقهم من بعض المحاكم الأوروبية، ولم ينفذها الإنتربول”.
وفيما يتعلق بأوضاع اللاجئين والمعارضين السوريين في لبنان، أوضح شندب: “وجود مكتب الإنتربول في دمشق هو في حد ذاته شبهة تؤثر عليهم، ولكن لا يمكن التأكيد أن سوف يجري تسليم أحد عن طريق الإنتربول”، مؤكدا أن الإنتربول سبق أن رفض تنفيذ قرارات قبض من دول يشتبه أن القضاء فيها مسيس.
تجدر الإشارة إلى أن الدول الأعضاء في المنظمة تحتفظ بالسيطرة الكاملة على البيانات التي تقدمها للإنتربول وتقرر أي المكاتب في الدول الأخرى يمكنها الإطلاع على معلوماتها، وهذا يعني أن المكتب المركزي (الإنتربول المحلي) في دمشق يمكنه فقط الوصول إلى المعلومات الموجودة في قواعد بيانات الإنتربول التي لم يتم تقييدها من قبل الدول الأعضاء الأخرى .
الحرة