تصاعد مؤخراً الخطاب الموجه ضد اللاجئين السوريين في لبنان، بعدما انضم إليه كُثر كانوا يدافعون عن اللاجئين باعتبارهم “هاربين من نظام يقتلهم”، ولكن مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، ظهرت أصوات جديدة كثيرة تُطالب بترحيل السوريين، زاعمة أنهم يستفيدون من مساعدات يحتاجها اللبنانيون أكثر، في ظل ما يمرون به حاليا.
وعلى سبيل المثال، كان للبطريرك الماروني بشارة الراعي مواقف متدرجة من قضية اللجوء. ففي أيار مايو الماضي قال إن على اللاجئين العودة إلى بلادهم لأن لبنان ليس بلد انتظار انتهاء صراعات المنطقة، لكنه تحدث عن “العودة الآمنة”.
ثم تبدلت الحال.. ففي أيلول سبتمبر الماضي توجّه إلى اللاجئين بالقول: “بكل محبة عودوا إلى بلادكم وأكملوا تاريخكم، وفي حال لم تعودوا فأنتم من تقوموا بحرب ثانية، لأنكم تهدمون ثقافتكم وعرقكم ومجتمعكم”.
وجاء كلام الراعي في وقت تزداد فيه الحملات على اللاجئين في وسائل إعلام، ولدى أحزاب سياسية، كما تفاقمت الأمور خلال الأشهر الماضية، حتى تحوّلت اشتباكات تقع بين سوريين ولبنانيين إلى ذريعة لطرد اللاجئين من بلدات عدة، من بينها دير الأحمر في البقاع الشمالي، وبلدة بشري التي يغلب فيها حضور حزب القوات اللبنانية، الذي كان سابقا من داعمي اللاجئين.
وبين الحملات التي تتناول الوجود السوري، الحديث عن حصول اللاجئين على مساعدات من الأمم المتحدة، في وقت لا يحصل اللبناني على أي من هذه المساعدات، رغم أنه “بحاجة إليها في هذه الظروف” كما يقال.
وقبل أسابيع، وخلال جلسة مناقشة البيان الوزاري، قال النائب جميل السيد إن “إحدى الأسباب الإضافية لانهيار الاقتصاد هو النزوح السوري الذي بات يشكّل نحو 25% من إجمالي السكّان في لبنان، مما يتطلّب مصاريف كثيرة على خزينة الدولة اللبنانية”، خصوصاً أن “النازحين السوريين مؤمّن لهم التعليم والكهرباء والخدمات المجّانية، بينما مياه الصرف الصحي الناتجة عن المخيّمات يتمّ رميها في نهر الليطاني”.
كما سبق لرئيس حركة التغيير، إيلي محفوض، أن طالب بإعادة السوريين إلى بلادهم، وقال إن “كل عائلة سورية تقبض شهرياً عن الجانب الصحي والمعيشي والتربوي في لبنان مبلغاً مالياً يصل إلى نحو ألف دولار أميركي، وطالب بإيقاف المساعدات الموجّهة للاجئين السوريين، معتبراً أنهم يأخذون لقمة عيش المواطن اللبناني، لترد عليه مذيعة كانت تستضيفه، بأن المجتمع الدولي من يقدم المساعدات لهم وليس لبنان.
وأوضح تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان عام 2017 أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات اللبنانية أفقدت معظم اللاجئين السوريين صفتهم القانونية للتواجد في لبنان، مما جعلهم عرضةً للتهميش، والاستغلال في العمل والإساءة في التعامل، وصولا إلى التحرُّش الجنسي في بعض الأحيان.
كما رصد عدم قدرتهم على اللجوء إلى أجهزة الشرطة والأمن في حال تعرَّضوا لأي اعتداء، حيث فقدوا أشكال الحماية كافة، مما وضعَهم أمام عجز شبه كامل عن تلبية احتياجاتهم الأساسية في الحياة.
وبحسب عبد الله الوردات، ممثل برنامج الأغذية العالمي، ومديره القطري في لبنان، “كان هذا العام حافلاً بالصعاب بالنسبة إلى جميع السكان في لبنان. فقد رأينا كيف باتت أسعار المواد الغذائية خارج متناول العديد من الأسر”.
كما أشار إلى الدعم الذي تقدّمه الجهات المانحة، إذ يساعد برنامج الأغذية العالمي حالياً أكثر من 1.1 مليون لاجئ سوري و600 ألف مواطن لبناني في الشهر. فهو يقدّم مساعدات نقدية وحصصاً غذائية، فضلاً عن تنظيم الأنشطة لدعم وحماية سبل كسب العيش.
وكشف تقييم أجرته مفوضية اللاجئين لدى الأمم المتحدة، وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسيف، بشأن جوانب الضعف التي تواجه اللاجئين السوريين في لبنان عام 2021، عن وضع بائس يُرثى له، إذ أن 9 من أصل كل 10 لاجئين سوريين لا يزالون يعيشون اليوم في فقر مدقع.
ويتناقض هذا التقييم، المبني على معطيات موثقة، مع التصريحات الكثيرة التي صدرت عن سياسيين لبنانيين، وكذلك من رجال دين وغيرهم.
وسبق أن اعتبر محفوض “الحل في الضغط على النظام السوري لكي يعيدهم بأمان”، معترفاً أنه “بعد أن علم أن من يُرحل إلى سوريا يتعرض للتعذيب والسجن والقتل فإنه لا بد من مقاربة جديدة لهذا الملف من منطلق إنساني”.
وتابع في حديث لموقع “الحرة”: “أنا متعصب للبنانيتي ولكن علينا أن نكون واقعيين وأن نكون إنسانيين في مقاربة هذا الواقع.. صحيح أننا نعتبر أن بقاء اللاجئ ضرر له ولهويته، إلا أن مطالبتنا بعودته تقف عند الخطر على وجوده”.
وتُقدم الأمم المتحدة مساعدات للاجئين السوريين عبارة عن مبالغ مالية، يحصل من خلالها الفرد الواحد على مبلغ 100 ألف ليرة، أي ما يقرب من 7 دولارات شهرياً بعد تراجع سعر صرف الدولار وانهيار العملة في لبنان، إذ خسرت ما يقارب 90 بالمئة من قيمتها، وتحصل العائلة على 400 ألف ليرة شهرياً، أي حوالي 23 دولاراً في الشهر بحسب سعر صرف اليوم.
وقال الناشط في مجال الإغاثة، حسين أحمد الحسين، لموقع “الحرة”: “رفعنا الصوت لمفوضية اللاجئين كون المساعدات التي تصل إلى اللاجئ لا تكفيه 5 أيام بسبب الغلاء وتدهور العملة المحلية، وبالتالي زادت الأمم المتحدة الدعم من 100 ألف للشخص إلى 300 ألف، وللعائلات من 400 ألف إلى 800 ألف، وتسلمهم كل شهرين دفعة واحدة ومسبقة”.
وتستلم كُل عائلة، يزيد عدد أفرادها عن 4 أشخاص، مبلغ 800 ألف ليرة شهرياً، ويحصل كُل لاجئ على مبلغ 300 ألف من برنامج الأغذية العالمي كتمويل للغذاء.
واعتبر الحسين أن هناك “مبالغة كبيرة في الداخل اللبناني بشأن المساعدات التي تصل إلى اللاجئين، إذ يبلغ معدل المساعدات الشهرية التي تصل إلى كُل عائلة سورية، مكونة من 4 أشخاص، حوالي 100 دولار أميركي، وهو رقم مرشح للتراجع في حال استمر صعود الدولار”.
وأضاف: “القول إن كل سوري يحصل على 400 دولار بعيد كل البعد عن الواقع، ولدينا ما يُثبت أن الأمم المتحدة أرسلت لكل السوريين رسائل خطية تحدد المبالغ التي ستصلهم كمساعدات وهي كما ذكرتها سابقة من دون زيادة أو نقصان”.
وتابع: “من أكثر من 5 سنوات لم يستلم أي لاجئ سوري مساعدات بالعملة الأجنبية، باستثناء مساعدات قليلة صرفتها اليونيسيف لبعض العائلات تبلغ 40 دولاراً كمعدل وسطي، كمساعدة للأطفال ولبعض العائلات التي تضم أطفالا من دون معيل”.
ولفت أياكي إيتو، ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، أنه “على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، فقدت العملة اللبنانية أكثر من 85 في المائة من قيمتها. فارتفعت الأسعار بشكل كبير، وأصبح مجرد البقاء على قيد الحياة تحديا صعبا لعائلات اللاجئين السوريين. سيكون لهذه الأزمة تأثير طويل الأمد على رفاه اللاجئين ومستقبل أطفالهم، كما أنها تهدد المكاسب التي تم تحقيقها في السابق، مثل إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية”.
وقالت الكاتبة والناشطة، عالية منصور، لموقع “الحرة”: “غالبية المقاربات لموضوع اللجوء في لبنان مقاربات عشوائية وشعبوية تفتقر للحد الأدنى من المعلومات الدقيقة وبالتالي للحد الأدنى من طرح أي حل عملي، ويغيب عن بال معظم من لا تخلو تصريحاتهم من الحديث عن اللاجئين، أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الحكومات اللبنانية، وتحديداً حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة، والحكومات التي تلتها، التي رفضت تنظيم ملف اللجوء”.
وأضافت: “إن كنا لا ننكر أن لبنان، بسبب الوضع الاقتصادي والمالي المتردي، تحمل جزءا كبيراً من عبء اللجوء السوري، إلا أنه استفاد أيضاً من هذا الملف، والأرقام التي تنشرها الأمم المتحدة وبعض الدول الداعمة، تعطي تصوراً عن الأمر، ولكن وللأسف فإن البعض يصر على التعاطي بشعبوية تخفي خلفها بأغلب الأوقات طائفية”.
وأشارت إلى أن “للإعلام دور سلبي في بعض الأحيان، فعوضاً عن إعطاء مساحة للخبراء وأصحاب الاختصاص لطرح أرقام وحلول، فإن بعض المنافذ الإعلامية تصر على لعب دور المحرض، ناهيك عن غياب الخطاب الإنساني، وكشف ما تعرض، ويتعرض، له اللاجئ الذي قرر المخاطرة والعودة إلى سوريا”.
الحرة