طوال أعوام من “الصراع السوري”، وحتى قبل فترة هذا “الصراع”، أثار برنامج نظام الأسد للأسلحة الكيميائية الكثير من الجدل، خاصة بعد أن استخدم النظام تلك الأسلحة ضد المتظاهرين والمعارضين له.
وقالت صحف إسرائيلية إن حكومة بلادها “وجهت رسائل إلى الأسد” من خلال ضربات نفذت في مارس 2020 ويونيو 2021 استهدفت “مواقع في عمق سوريا” يفترض أنها مخصصة لخزن أو تصنيع الأسلحة الكيميائية.
وتستند تقارير هذه الصحف، ومنها جيروزاليم بوست، إلى تحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية أشار إلى “غارة جوية غير عادية للغاية في عمق الأراضي السورية”.
وتقول الصحيفة الأميركية أن “فرقا واضحا” ميز هذه الضربة عن الضربات التي ينفذها الطيران الإسرائيلي في سوريا عادة.
ورغم أن إسرائيل لم تعترف صراحة بأهداف الضربتين، لكن واشنطن بوست، واستنادا إلى محللين أمنيين غربيين تقول إنه “في حين استهدفت الهجمات الإسرائيلية السابقة في سوريا دائما تقريبا القوات الإيرانية وشحنات الأسلحة، كانت غارة 8 يونيو تستهدف منشآت عسكرية سورية، كلها لها صلات ببرنامج الأسلحة الكيميائية السابق في البلاد”.
ونقلت الصحيفة عن محلليها اعتقادهم بأن “الضربات هي جزء من حملة لوقف ما يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنه محاولة من سوريا لاستئناف إنتاجها لغاز الأعصاب القاتل”.
وقال مسؤولون استخباريون أميركيون، لواشنطن بوست، شريطة عدم الكشف عن أسمائهم أن “الضربات شنت بناء على معلومات استخباراتية تشير إلى أن الحكومة السورية كانت تحصل على مواد كيميائية وإمدادات أخرى ضرورية لإعادة بناء القدرة على الأسلحة الكيميائية التي تخلت عنها دمشق ظاهريا قبل ثماني سنوات”.
وقال المسؤولون إن الهجمات تعكس مخاوف خطيرة ظهرت داخل وكالات المخابرات الإسرائيلية منذ عامين بعد محاولة ناجحة من جانب جيش الأسد لاستيراد مادة كيماوية رئيسية يمكن استخدامها فى صنع غاز السارين القاتل.
وتقول جيروزالم بوست إنه “من المرجح أن الدعم الأميركي للعمليات الإسرائيلية في سوريا، وهو الدعم الذي ازداد على مدى نصف العقد الماضي، كان عاملا أساسيا في هذه العمليات، وأن هذه رسالة إلى نظام الأسد بعدم شراء أسلحة دمار شامل خطيرة، كما أنها “بالإضافة إلى ذلك، رسالة إلى إيران لعرض قدرات إسرائيل في المنطقة على تحييد التهديدات الخطيرة”.
وتضيف جيروزالم بوست أن “النظام كان يشتري فوسفات ثلاثي الكالسيوم”، التي يعرف عنها أنها “تستخدم كمقدمة لتصنيع لغاز السارين وغيره من غازات الأعصاب”.
ويقول تقرير واشنطن بوست إن “غارة يونيو استهدفت مخبأ تخزين عسكري في قرية صحراوية شمال دمشق، واثنين من المواقع الإضافية بالقرب من حمص”.
وينفي النظام علنا “أي استخدام للأسلحة الكيميائية تحت أي ظرف”، لكنه متهم باستخدام هذه الأسلحة الكيميائية ضد مواطنيه عشرات المرات منذ بداية الحرب في البلاد.
ومن غير الواضح ما إذا كانت الهجمات قد نجحت تماما في تعطيل خطط سوريا، لإنتاج أسلحة كيميائية، لكن الضربات “كانت مصممة لتضرب المصانع المحتملة قبل بدء الإنتاج”. تحسبا من “إطلاق غازات فتاكة بعد الضربة يمكن أن تنتشر إلى البلدات والقرى المجاورة.
ونقلت واشنطن بوست عن مسؤولي الاستخبارات قولهم إن “كبار المسؤولين في إدارتي ترامب وبايدن علموا بالهجمات والمعلومات الاستخبارية وراءها بعد وقت قصير من الضربات”.
ويوشك البيت الأبيض على الانتهاء من مراجعة شاملة للسياسة السورية، وهي مراجعة من المتوقع أن تدعو إلى معاقبة الأسد على الانتهاكات السابقة والمستمرة لالتزامات سوريا بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية.
وفي وقت اندلاع الحرب في سوريا في عام 2011، كانت دمشق تمتلك واحدا من أكبر المخزونات وأكثرها تقدما في العالم من الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك مئات الأطنان من غاز السارين الثنائي وعامل VX، وهما من أكثر عوامل الحرب الكيميائية فتكا على الإطلاق.
وتقول واشنطن بوست إن حكومة الأسد صدمت العالم في أغسطس 2013 حينما شنت هجوما واسع النطاق بغاز السارين، أسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 1400 مدني – معظمهم من النساء والأطفال – في ضواحي دمشق.
وفي مواجهة التهديد بضربة عسكرية من قبل الرئيس باراك أوباما آنذاك، وافق بشار الأسد على التخلي عن الأسلحة الكيميائية والسماح للمفتشين الدوليين بالإشراف على تدمير مخزونه الكامل من الأسلحة، إلى جانب جميع مراكز الإنتاج ومعدات التصنيع.
وفي عملية دولية غير مسبوقة، تم سحب حوالي 1300 طن من المواد الكيميائية من سوريا لتدميرها في محارق على متن سفينة أميركية معدلة خصيصا في البحر الأبيض المتوسط.
ومع ذلك، واصل الأسد استخدام الأسلحة الكيميائية – وعلى رأسها الكلور الكيميائي الصناعي المشترك، وهو بديل أقل فتكا لغاز الأعصاب.
وشن النظام نحو 200 هجوم بالغاز.
وقالت جيروزالم بوست “لقد ضربت إسرائيل أسلحة الدمار الشامل السورية من قبل، في عام 2007، نفذت إسرائيل غارة جوية على مفاعل نووي إيراني”.
وتمضي الصحيفة بالقول “قد تكون هذه الضربات رسائل بأن إسرائيل ستستمر بمواجهة التهديدات التي تواجهها” وأنها “تمتلك تاريخا طويل من التنسيق مع الولايات المتحدة في هذا الجانب.
الحرة