هل تشكل الإدانة الأميركية لبوتين من على منبر الأمم المتحدة بداية مسار عزل نِظامه تمهيداً لطرد روسيا من المنظمة الدولية؟ وما هي حدود “الضغط الأقصى” من واشنطن على موسكو؟ وكيف ستكون “العواقب الوخيمة” التي ستواجهها روسيا، إذا استعمل بوتين السلاح النووي في أوكرانيا؟
برنامج “عاصمة القرار” على قناة “الحرة”، طرح هذا الموضوع على ضيوفه: ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأدنى، كبير باحثين في “معهد واشنطن”. وبول ساوندرز كبير باحثين في “مركز المصلحة الوطنية في واشنطن”.
كما شارك في جزء من الحوار من موسكو الباحث الروسي رونالد بيغاموف.
عزل روسيا.. البداية فقط
على مرأى ومسمع روسيا وحلفائها، وأمام أول اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة يُعقد بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، توجه الرئيس جو بايدن للعالم بكلمات واضحة جداً: “قامت دولة هي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي بغزو جارتها وحاولت محو دولة ذات سيادة عن الخريطة “.
وأضاف بايدن بدقة أن “روسيا قد قامت من غير استحياء (بوقاحة) بخرق المبادئ الرئيسية لميثاق الأمم المتحدة”. ولم يهمل الرئيس الأميركي المسألة الأخطر: “وجَّه الرئيس بوتين تهديدات نووية علنية لأوروبا في عدم اكتراث صارخ بمسؤوليات روسيا بموجب النظام العالمي للحد من انتشار الأسلحة النووية”.
من جهته، طالب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، كل عضو في مجلس الأمن الدولي، وكل عضو في الأمم المتحدة بـ”رفص الاستفتاءات الروسية الوهمية، وأن تعلن كل دولة بشكل لا لبس فيه أن جميع الأراضي الأوكرانية هي وستبقى جزءًا من أوكرانيا”.
وشدد بلينكن على أن غزو بوتين لأوكرانيا “يشتت انتباه مجلس الأمن الدولي، ونظام الأمم المتحدة بأكمله”، مضيفا أن “شخصاً واحداً اختار هذه الحرب، وعليه أن ينهيها. لأنه إذا توقفت روسيا عن القتال، تنتهي الحرب. أما إذا توقفت أوكرانيا عن القتال ، تنتهي أوكرانيا”.
أما السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، فقدمت مقاربة من يوميات عملها: “لقد عزلنا روسيا في الأمم المتحدة، وفي مجلس الأمن. الروس يسمعون إدانات لما يفعلونه في كل مرة نجتمع فيها في مجلس الأمن الدولي. إن روسيا تشعر بالعزلة. المسؤولون الروس لا يتصرفون كبلد واثق من مكانته في العالم، وسنواصل الضغط عليهم”.
ينتقد الكاتب الأميركي بوبي غوش خطاب بايدن لجهة “غياب خارطة طريق حول كيفية مواجهة أميركا لتهديدات بوتين”، رغم أن بايدن بدأ “قويا في تقريعه للرئيس الروسي” بشأن الحرب ضد أوكرانيا وتهديداته النووية، حسب رأي غوش، الكاتب في بلومبرغ.
ما حدود “الضغط الأقصى”؟
يقول ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق، إن بوتين “لن يتأثر كثيراً جراء العزلة المفروضة عليه، ولا بطرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة. ويشدد شنكر على أن ما يغيّر حسابات بوتين هو “فرض الضغوط القصوى على روسيا من خلال الأسلحة التي نوفرها للحكومة في كييف. هذه الأسلحة تساعد الأوكرانيين على مواجهة العدوان الروسي بأنفسهم .وهذا فقط ما يضغط على بوتين”.
ويعتبر بول ساوندرز أن التحدي الكبير الذي يواجه العقوبات الأميركية والغربية على روسيا هو أن العقوبات “تستغرق بعض الوقت ليكون لها تأثير. في ذات الوقت ارتفعت أسعار الطاقة، مما أدّى إلى تجميع روسيا للمزيد من العملة الصعبة وتحسين وضعها المالي إلى حد ما”.
وتحذر افتتاحية صحيفة واشنطن بوست من “استخدام بوتين اليائس للسلاح النووي لتعويض فشل قواته النظامية” في الحرب على أوكرانيا.
ويعتقد الكاتب الأميركي، روجر كوهن، أن تهديدات بوتين النووية “قد لا تكون جدية”، ولكن “حشر بوتين في الزاوية سيجعله أكثر خطورة من أي وقت مضى”.
ويقول الباحث الروسي رونالد بيغاموف إن “بوتين هو من يتحدث باسم روسيا، وليس ديمتري مدفيديف. وبوتين لم يهدد باستخدام السلاح النووي”.
وكتبت الصحفية الأميركية كاترينا فاندنهوفل: “كانت قعقعة السيوف النووية خطأً عندما فعلها ترامب، و خطأ عندما يفعلها بوتين مرة أخرى. تجنب الرئيس بايدن الاستدراج النووي في خطابه أمام الأمم المتحدة. بدلاً من ذلك ، اختار بايدن تذكير العالم بالحقيقة الأساسية التي تقول :لا يمكن أبدًا الانتصار في حرب نووية ويجب عدم خوضها أبدًا”.
وفي الموضوع النووي، يقول مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، إن الولايات المتحدة حذرت روسيا مباشرةً من أنه ستكون هناك “عواقب وخيمة” على البلاد إذا استخدمت موسكو أسلحة نووية.
ويشدد السيناتور الديمقراطي بن كاردن على وجوب “محاسبة الولايات المتحدة لبوتين على جرائمه الشنيعة في أوكرانيا” ويضيف: بينما يقوم بوتين بحشد جنود إضافيين ويهدد بشكل طائش بحرب نووية، من الضروري أن يستمر تضامن الولايات المتحدة والعالم مع أوكرانيا.
ويقول السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إن بوتين يخسر الحرب في أوكرانيا. لكن “لا يمكن أن تمنعنا تهديدات بوتين باستعمال الأسلحة النووية من الدفاع عن أوكرانيا؛ لو استعمل الرئيس الروسي أسلحة نووية ستعم الإشعاعات نصف أوروبا، وسيكون ذلك هجوما على الناتو”. ويضيف غراهام أنه “جيّد أن يقف الرئيس بايدن في وجه روسيا في الأمم المتحدة”.
كيف يمكن لواشنطن إصلاح مجلس الأمن؟
يقول الرئيس بايدن في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إنه “يجب على أعضاء مجلس الأمن ، بما في ذلك الولايات المتحدة ، التمسك بميثاق الأمم المتحدة والدفاع عنه باستمرار، والامتناع عن استعمال حق الفيتو إلا نادراً وفي أوضاع إستثنائية لضمان أن يظل المجلس ذي مصداقية وفعالاً”. لذلك، يضيف الرئيس الأميركي، إن “الولايات المتحدة تدعم زيادة عدد الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن، بما في ذلك منح مقاعد دائمة للدول التي لطالما دعمناها ولدول في إفريقيا وأميركا اللاتينية والكاريبي”.
ويجادل ديفيد شنكر مساعد وزير الخارجية السابق بأن “الأمم المتحدة غير قابلة للإصلاح، وقد سعيتُ لذلك شخصياً وتيقنت بأن جهاز الأمم المتحدة يقاوم الإصلاح”. ويضيف شنكر قائلاً:”إن الصين وروسيا تتشاطران عدم احترام النظام الدولي المبني على القواعد، الذي تروج له الولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي لا أعتقد أن الصين وروسيا ستدعمان تغييرات تضيف ديمقراطيات غربية أخرى لعضوية مجلس الأمن” الدولي. ويقول بول ساوندرز إنه ” لا يوجد عضو دائم في مجلس الأمن يريد الإصلاح الذي لا يحقق مصالحه. وفي هذا الوقت على الأقل لا تتوافق مصالح الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن”.
ويدعم غريغوري ميكس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، مسعى الرئيس بايدن لـ”إعادة تشكيل” الأمم المتحدة لمواجهة التحديات العالمية المشتركة بشكل أفضل، بما في ذلك من خلال “توسيع العضوية الدائمة في مجلس الأمن عبر إشراك دول من إفريقيا وأميركا اللاتينية”.
ويقول الكاتب الأميركي، إيِن بريمر، إن “مجلس الأمن الدولي معطل. ويجب طرد روسيا منه وإضافة ألمانيا والهند واليابان كأعضاء دائمين فيه. يجب أيضًا تقييد وتقليص استعمال حق الفيتو للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. لقد تأخر هذا منذ عقود”.
ويعتقد الكاتب الأميركي ديفيد أندلمان أن عدم حديث بايدن عن علاقة روسيا والصين ربما يعني أن “بكين بدأت تعيد حساباتها بشأن مدى قربها من فلاديمير بوتين. من جهة أخرى، قد تساهم دعوة بايدن لتوسيع مجلس الأمن إلى إضعاف دور موسكو وبكين، لكنها لن تمنعهما من مواصلة استعمال الفيتو، وهو ما جعل المجلس هيئة غير فعالة”.
وفيما لا تزال الصين التحدي الاستراتيجي الأوّل للولايات المتحدة، يتركز الاهتمام الأميركي والدولي على الحرب الروسية على أوكرانيا. لقد وجّه بايدن كلمات قاسية لبوتين. يُدرك سيدّ البيت الأبيض تعقيدات الواقع الدولي، ويعرفُ صعوبات إدارة عالم باتت سلوكيات دكتاتورييه خطرة جداً خاصة على شعوبهم.
الحرة
