لن تؤثر الضربات التي وجهتها روسيا انتقاما من تفجير جسر القرم لمدن أوكرانية، على ميزان القوى على الأرض، أو على رغبة أوكرانيا في المقاومة، بحسب صحيفة تحليل نشرته الغارديان، لكنها تشير إلى توجه مهم دأبت روسيا على ترسيخه، وهو “القسوة”.
وكان معظم ضحايا موجة القصف من المدنيين، في أول غارة على العاصمة منذ نهاية يونيو، حيث أصابت المباني والشوارع والحدائق وملاعب الأطفال. كما تأثرت إمدادات الطاقة في لفيف وخاركيف في هجوم أثار خوفا جماعيا لم يسبق له مثيل منذ الأسابيع الستة الأولى من الحرب.
ويقول تحليل الغارديان إن القرار باستهداف كييف وغيرها من المراكز الحضرية “كان سياسيا” بشكل واضح، و”ليس تكتيكيا” على الرغم مما قاله الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، صباح الاثنين، بأنه “تم تنفيذ ضربة ضخمة بأسلحة جوية وبحرية وبرية بعيدة المدى عالية الدقة على منشآت الطاقة والقيادة العسكرية والاتصالات في أوكرانيا”.
وخلف القصف، 11 قتيلا من المدنيين.
ويقول التحليل الذي كتبه، دون صباغ، محلل الغارديان العسكري، إن هدف الضربات كان “بث الخوف في نفوس القيادة الأوكرانية وسكان أوكرانيا المدنيين”، على أمل أن تشعر كييف في نهاية المطاف بأنها “مجبرة” على التفاوض بينما لا تزال روسيا تحتل سدس أراضي أوكرانيا.
لكن هذا “لم يحدث كما يبدو”، وفق ما يعتقد الكاتب.
وتقول صحيفة وول ستريت جورنال إنه في أعقاب أكبر هجوم على العاصمة الأوكرانية منذ الأسابيع الأولى من الحرب، لا يزال سكان كييف يحاولون العيش بشكل طبيعي قدر الإمكان.
ويبدو أن الهجمات فشلت إلى حد كبير في هز الناس ولم تتسبب الضربات في انهيار البنية التحتية، ولم تكن هناك قوة غزو روسية تهدد العاصمة كما في الأسابيع الأولى من الغزو.
وعاد مئات الآلاف إلى كييف بعد فرارهم من ذلك الحين رغم أن الكثيرين ما زالوا في الخارج أو في غرب أوكرانيا.
الضربات قد تضر روسيا
وعلى الرغم من كل الفوضى التي جلبتها الهجمات، فإن السؤال سيكون ما إذا كان هذا الهجوم على المدن سيستمر.
وتقول صحيفة واشنطن بوست إن سلسلة الضربات التي استهدفت مدنا أوكرانية وبنية تحتية رئيسية يوم الاثنين حفزت دعوات طويلة الأمد من الحكومة الأوكرانية إلى حلفائها للحصول على أنظمة دفاع جوي أكثر تطورا وأسلحة بعيدة المدى.
ويبدو أن الهجمات الروسية تشير إلى تصعيد كبير، مما يزيد الضغط على الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأخرى التي كانت بطيئة في تزويد القوات الأوكرانية بأنظمة الأسلحة الأكثر تقدما، وفقا للصحيفة.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه سيلقي كلمة في اجتماع افتراضي طارئ لمجموعة الدول الصناعية السبع، الثلاثاء. ومن المقرر أيضا مناقشة دعوات أوكرانيا للحصول على مساعدات عسكرية إضافية هذا الأسبوع في اجتماعين في بروكسل، أحدهما يشارك فيه وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي والآخر مجموعة اتصال الدفاع الأوكرانية، وهي مجموعة من حوالي 50 دولة تم إنشاؤها لتقديم المساعدة لأوكرانيا.
وفي بيان صدر، الاثنين، أدان الرئيس الأميركي، جو بايدن، “الوحشية المطلقة” لحرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال إن الهجمات الأخيرة “قتلت وجرحت مدنيين ودمرت أهدافا ليس لها غرض عسكري”، و “تعزز التزامنا بالوقوف إلى جانب شعب أوكرانيا طالما استغرق الأمر”.
وأعلنت الولايات المتحدة في أوائل يوليو أنها ستزود أوكرانيا بنظامين متطورين مضادين للطائرات، يطلق عليهما نظام صواريخ أرض-جو المتقدم، أو NASAMS.
وقال البنتاغون الشهر الماضي إن الكثير من العمل على تصنيع الأنظمة أنجز بالفعل، وأضاف “نتوقع أن يصلوا إلى أوكرانيا في غضون الأسابيع القليلة المقبلة بمجرد أن تصبح الأنظمة جاهزة ويكتمل التدريب”، وفقا لمسؤول دفاعي أميركي تحدث للصحيفة.
وفي أوائل سبتمبر، استهدفت خاركيف بموجة شرسة من الهجمات الصاروخية بعد نجاح أوكرانيا في ساحة المعركة بالقرب من ثاني أكبر مدينة في البلاد، مع انقطاع إمدادات الكهرباء والمياه مؤقتا.
ومع ذلك، تراجعت حدة الهجمات في وقت لاحق، ولم يكن لها أي تأثير كبير على ساحة المعركة، حيث لا تزال روسيا تفقد الأرض في القطاع الشمالي من الجبهة، وخسرت مدينة ليمان في الأيام القليلة الماضية.
وليس من الواضح على الإطلاق، وفقا للغارديان، ما إذا كانت روسيا قادرة على الحفاظ على تكثيف الضربات الصاروخية لفترة طويلة، بالنظر إلى كمية الذخيرة التي استخدمتها في الحرب حتى الآن، ومقدار الإدانة السياسية الدولية التي ستجذبها مثل هذه الهجمات.
“وجبة دامية”
كما أن الواقع العسكري هو أيضا أن الضربات الصاروخية الروسية لن تفعل شيئا لتغيير ميزان القوى على الأرض في القتال، ومهما كان الخوف الذي تثيره، فإنها لن تؤثر على رغبة أوكرانيا في المقاومة، على الأقل في المدى القصير، وفق تحليل الغارديان.
وتكتسب أوكرانيا أيضا أرضا في طريقها إلى خيرسون في الجنوب وكذلك في شمال دونباس.
ويدرك الكرملين أن موقفه العسكري الحالي ضعيف، وفقا للغارديان، وهذا هو السبب في أن هجوم، الاثنين، يخدم غرضا ثانيا، هو محاولة لتقديم “وجبة دامية ترضي القوميين المتشددين الذين هم منتقدوه الرئيسيون الآن”.
ويثير هذا مشكلة أنه مع فقدان القوات الروسية للأرض بشكل واضح، فإن عملية صنع القرار في حلقة بوتن أصبحت أكثر شراسة.
الحرة