أفادت صحيفة “الفايننشال تايمز” بأن رجل الأعمال الروسي المقرب من الكرملين، يفغيني بريغوجين، أنشأ سلسلة من الشركات الوهمية للالتفاف على العقوبات الغربية، مما أدى لاستمرار نشاط مرتزقة “فاغنر” في أفريقيا وسوريا.
وفي تحقيق موسع، ذكرت الصحيفة البريطانية أن مجموعة “فاغنر” كانت تستخدم كيانات مرتبطة ببريغوجين، كواجهة لعملياتها التجارية، مما جعلها تتجنب العقوبات الغربية حتى اليوم.
ويوضح تحقيق “الفاينانشيال تايمز”، المبني على رسائل البريد الإلكتروني والوثائق المسربة، وكذلك سجلات الشركات وشهادات التصدير والمقابلات، كيف استخدم بريغوجين كبار محامي الشركات في جميع أنحاء العالم، لمحاولة إبقاء الحكومات الغربية في مأزق.
واستعان رجل الأعمال الروسي المعروف باسم “طباخ بوتين” بمحامين رفيعي المستوى في لندن وواشنطن، وأدلى بأكاذيب بشأن براءته، ورفع دعوى قضائية ضد الصحفيين الذين كانوا يغطون أنشطته.
وتأسست مجموعة فاغنر شبه العسكرية في عام 2014، حيث قاتلت في صراعات مختلفة في الشرق الأوسط وأفريقيا كأداة غير رسمية للسياسية الخارجية للكرملين، بحسب الصحيفة، على الرغم من أن بريغوجين نفى مرارا علاقتها بها، حتى وقت قريب.
وقاتل مرتزقة فاغنر بجانب قوات نظام بشار الأسد في سوريا، كما وفرت دعما عسكريا لقوات المشير خليفة حفتر في شرق ليبيا، عندما كانت تخوض حربا ضد حكومة الوفاق. ولطالما نفى الكرملين والرئيس الروسي، فلادمير بوتين، نفسه علاقة موسكو بهذه المجموعة شبه العسكرية.
والعام الماضي، تبين أن من يقود فاغنر هو بريغوجين، بعد أن أقر بنفسه في سبتمبر، تأسيس المجموعة للقتال في أوكرانيا خلال صراع 2014 الذي ضمت خلاله روسيا شبه جزيرة القرم.
في كل صراع خاضته، سرعان ما ترتبط مرتزقة فاغنر بمزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم الإعدام والتعذيب والاغتصاب وقتل الصحفيين.
في صيف 2018، قتل ثلاثة صحفيين مستقلين روس في أفريقيا الوسطى عندما حطوا الرحال في البلاد لإجراء تحقيق ميداني حول المجموعة.
والجمعة، قال البيت الأبيض إنه سيصنف فاغنر على أنها “منظمة إجرامية عابرة للحدود الوطنية” وسيفرض مزيدًا من العقوبات.
ولم يرد بريغوجين على طلب صحيفة “الفيننشال تايمز” بالتعليق. ومع ذلك، عندما طلبت الصحيفة البريطانية تعليقا من أحد موظفي مؤسس شركة فاغنر، أجاب بريغوجين بنفسه على تلغرام بكلمات بذيئة.
استخدام “حاسم”
ومن بين الشركات الوهمية كيان باسم “آر إن للتجارة” (RN Trading) التي ارتبطت مع مجموعة “كابيتال ليغال سيرفيسز” (Capital Legal Services)، وهي إحدى أكبر شركات المحاماة في روسيا في فبراير 2020، وفقا للصحيفة.
وتشير الوثائق إلى أن المحامين في شركة “كابيتال ليغال سيرفيس” بدأو العمل مع الشركة التي لم يكن لها ارتباط مع بريغوجين، إذ كانت تعمل في أنشطة التعدين واستهراج النفط خارج روسيا.
ومع ذلك، أظهرت الفواتير الخاصة بشركة المحاماة “كابيتال ليغال سيرفيسز” أن “RN Trading” تنتمي إلى مجموعة شركات “كونكورد” المملوكة لـ “طباخ بوتين”، بحسب “الفايننشال تايمز”.
وشركة “كونكورد” مجموعة خاصة لتوريد الأغذية، سبق أن أبرمت عقودا مربحة مع الدولة الروسية لتوفير الطعام، مما جعل مؤسسها رجلا ثريا قبل أن تلقبه الصحافة الغربية بـ “طباخ بوتين”.
ووفقا للتحقيق، فإن هناك حملة قانونية سرية على مدى سنوات نسقتها “كابيتال ليغال سيرفيسز” لمساعدة بريغوجين في التغلب على سيل من العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
وتحتوي رسائل البريد الإلكتروني لمجموعة المحاماة “كابيتال ليغال سيرفيسز” على تفاصيل الشركات الأخرى التي يبدو أنها جزء من “كونكورد”.
وكانت “كابيتال ليغال سيرفيسز” تقوم بعمل قانوني لشركة تسمى “بروفت غروب” (Profit Group) تم إدراجها في سجلات الفواتير كجزء من “كونكور”. وتقول “بروفت غروب” إن نشاطها يأتي في مجال استخراج النفط والتعدين في الخارج، من بين أنشطة أخرى.
كذلك، عملت “كابيتال ليغال سيرفيسز” لصالح كيان يسمى “أستريا” (Astrea) إذ تم إدراجها أيضا من قبل شركة المحاماة الروسية على أنها تابعة لشركة بريغوجين الرئيسية.
وتشترك “أستريا” مع شركة “فيلادا” (Velada LLC)، التي مُنحت امتيازًا من قبل نظام الأسد في سوريا للتنقيب عن النفط والغاز. وتم فرض عقوبات على “فيلادا” من قبل حكومة المملكة المتحدة في عام 2022 لارتباطها ببريغوجين.
في المقابل، قال الشريك بشركة “كابيتال ليغال سيرفيسز”، بافيل كاربونين، إنه لا يمكنه التعليق على تفاصيل عمل عميل سري، لكنه قال إن الشركة “صُدمت” عندما اعترف بريغوجين بتأسيس شركة فاغنر.
وقال إن المحامي “طرف محايد” يجب أن يعزز موقف العميل بطريقة مهنية. وأضاف: “لا يمكن اعتبار أي من خدماتنا تسهيلا للتهرب من أي نظام عقوبات”.
وذكرت “الفايننشال تايمز” أنه من الممكن ربط شركات بريغوجين المدرجة في سجلات “كابيتال ليغال سيرفيسز” بعمليات خاضعة للعقوبات، باستخدام بيانات التصدير.
ولعدة سنوات، على سبيل المثال، شحنت هذه الشركات كميات كبيرة من المواد والمعدات الصناعية على متن السفن من روسيا، عبر ميناء دوالا في الكاميرون.
ويصف ألين ماغارد، المحلل في شركة “C4ADS” لتحليل النزاعات ومقرها واشنطن، استخدام بريغوجين لـ “مجموعة غامضة من الكيانات القانونية المختلفة والشركات الوهمية” جنبا إلى جنب مع سلطات سرية خارجية، باعتبارها دليلا “حاسما” على قدرته وقدرة فاغنر على العمل بعيدا عن العقوبات الغربية.
وأضاف ماغارد: “حتى مع فرض عقوبة (أو اثنتين أو ثلاثة) ضدها، فإن الجهات الفاعلة غير المشروعة من جميع الأنواع تميل إلى استخدام كل هذه الشركات الوهمية والمديرين المعينين وسلطات سرية خارجية، وغير ذلك لصالحهم من أجل الحفاظ على الوصول إلى أنظمة التجارة والتمويل والنقل العالمية”.
الحرة