دوليسياسة

على الحدود بين الصين وروسيا.. ظهور علامات “تآكل” على الشراكة بين شي وبوتين

في المنطقة الحدودية بين روسيا والصين، ظهرت مؤشرات على “تآكل شراكة” موسكو وبكين، في ظل انقسامات اقتصادية وسياسية وثقافية وتاريخية تقوض العلاقة بين البلدين، وفقا لتقرير صحيفة “وول ستريت جورنال”.

 

ولسنوات كانت مدينة Heihe أو هيهي بأقصى شمال الصين، والواقعة على الحدود الصينية الروسية، مركزا تجاريا هاما وتستقطب المتسوقين الروس الراغبين في شراء الفراء والمعاطف الجلدية والأحذية، لكنها تعاني حاليا من  التدهور الاقتصادي.

 

وأصبحت شوارع المدينة مليئة بالحفر والكلاب الضالة وواجهات محلات فارغة تقريبا، مع اختفاء المتسوقين الروس في السنوات الثلاث الماضية أثناء إغلاق الحدود بسبب جائحة كورونا، والتي اعقبها تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.

 

وفي حديثها لـ”وول ستريت جورنال”، قالت التاجرة الصينية، يانغ ون، البالغة من العمر 47 عاما، إن احتمال إعادة فتح الحدود “لا يجلب الكثير من الأمل”.

 

ويعتقد بعض السكان إن “الروس ليس لديهم الأموال للتسوق في المدينة الصينية، بسبب العقوبات الغربية والحرب في أوكرانيا”.

 

ورغم إعلان روسيا والصين “شراكة بلا حدود” بين البلدين، لكن هناك انقسامات اقتصادية وسياسية وثقافية وتاريخية “غير معلنة” تقوض العلاقة.

 

وفي فبراير 2022، وقبل أسابيع من الغزو الروسي لأوكرانيا، أبرمت الصين وروسيا اتفاق شراكة “بلا حدود”، خلال زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لبكين لحضور افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وأعاد الجانبان التأكيد على قوة علاقاتهما، وفقا لـ”فرانس برس”.

 

خلل بالعلاقات الاقتصادية؟

لعقود من الزمان، كانت الصادرات الصينية موجهة إلى حد كبير نحو الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، حسب “وول ستريت جورنال”.

 

ورغم العقوبات الدولية على روسيا ومغادرة العديد من الشركات الأجنبية أراضيها، تكثّفت التبادلات التجارية بين موسكو وبكين، وبلغ حجم التجارة الثنائية العام الماضي 190 مليار دولار، وفقا للجمارك الصينية، وهو رقم قياسي.

 

ونمت التجارة بين روسيا والصين أكثر من 30 بالمئة العام الماضي لتصل إلى 1.3 تريليون يوان، لكن هذا لا يمثل سوى ربع قيمة الواردات والصادرات بين الصين والولايات المتحدة، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”.

 

ويقول محللون أمنيون صينيون وغربيون إن الصين، التي وصلت إلى مكانتها الاقتصادية من خلال الوضع الراهن، تسعى إلى تغييرات تعزز مصالحها وتعقد التعاون الثنائي القومي.

 

وفي ورقة بحثية حديثة، كتب الباحث في معاهد شنغهاي للدراسات الدولية في الصين، تشاو لونغ، أن العلاقات بين الصين وروسيا بعيدة كل البعد عن كونها “كتلة متجانسة”.

 

وفي رؤية بكين، “لا ينبغي أن تصبح كذلك أبدا”، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”.

 

من نواح كثيرة، فإن الاقتصادين الصيني والروسي متكاملان للغاية، حيث تصدر روسيا الموارد الطبيعية التي تحتاجها الصين لدعم اقتصادها الصناعي.

 

وتبيع الصين لروسيا البضائع التي يريدها المستهلكون الروس. 

 

وعلى صعيد الطاقة على وجه الخصوص، ساعدت مشتريات الصين من النفط والغاز منذ غزو أوكرانيا روسيا على تجاوز العقوبات الغربية.

 

وروسيا مضطرة إلى بيع نفطها بأسعار أرخص من المعتاد إلى الصين أو الهند للحفاظ على حجم المبيعات، وباتت عواقب التخفيضات القسرية هذه تظهر على ميزانيتها، وفقا لـ”فرانس برس”.

 

وتراجعت عائدات النفط الروسي بنسبة 42 في المئة على أساس سنوي في فبراير، حسبما أفادت الوكالة الدولية للطاقة.

 

خلافات تاريخية

في عام 2004 ، حسم البلدان خلافا معقدا حول حدودهما البالغ طولها 4250 كيلومترا، وفقا لـ”فرانس برس”.

 

وترك التاريخ الطويل والعنيف أحيانا بين روسيا والصين إرثا من عدم الثقة، وفي متحف مدينة هيهي، تجسد بعض المعارض ما حدث خلال قرون من اعتداءات الجنود الروس ضد الصينيين. 

 

وقال أحد حراس المتحف لـ”وول ستريت جورنال”، إنه لا يُسمح للمواطنين الروس بدخول المتحف خوفا من تعرضهم للإهانة.

 

وداخل المتحف يصور أحد المعارض مقتل الآلاف من الصينيين في المنطقة على يد الروس في عام 1900، ويصاحب ذلك تعليق صوتي يؤكد أن “العلاقات الروسية الصينية أصبحت اليوم سلمية، لكن يجب أن تظل الصين يقظة”.

 

وفي التعليق الصوتي يقول الراوي “لا يمكننا أن ننسى هذا التاريخ أبدا، وإذا تخلفت عن الركب، فسوف تتعرض للضرب.”

 

بناء الجسور

قبل أكثر من عقد من الزمان، اتفقت الصين وروسيا على بناء جسر للسكك الحديدية فوق نهر أمور، والذي يمثل جزءا من الحدود. 

 

سيتصل الجانب الصيني من الجسر بمدينة تونغجيانغ الصغيرة، والتي تقع على بعد حوالي 300 ميل جنوب شرق هيهي.

 

وقال مسؤولون صينيون إن خط السكة الحديد سيخفف الازدحام ويقلل 10 ساعات من الرحلة إلى موسكو. 

 

وواجهت الشاحنات التي تحمل البضائع إلى الصين تأخيرات استمرت لساعات في عمليات تفتيش الشحنات من قبل الحراس الروس، وفقا لورقة صادرة عام 2019 عن مسؤول محلي في البنك المركزي الصيني.

 

وبدأ العمال الصينيون العمل على الجسر الجديد، وبحلول أواخر عام 2015، كان القسم الصيني يتشكل، لكن الروس بالكاد بدأوا في حصتهم. 

 

وعلمت بكين لاحقا أن موسكو كانت تكافح من أجل الحصول على المال، وفي عام 2017، قال مسؤولون صينيون لوسائل إعلام رسمية إن “صندوق الثروة السيادية الصيني وافق على دفع عشرات الملايين من الدولارات للمساعدة في دفع ثمن حصة روسيا”

 

ونقل عن مسؤولين محليين قولهم “مشكلة الجانب الروسي المتعلقة بأموال بناء” الجسر “تم حلها بالكامل”، وقدروا أن الجسر سيكتمل بعد عام، لكن روسيا لم تلتزم بالمواعيد النهائية، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”.

 

ودخل جسر السكك الحديدية العابر للحدود “تونغجيانغ – نيجنلينسكوي” الخدمة أخيرا العام الماضي، في الوقت المناسب لموسكو للاستفادة من التجارة المتزايدة مع الصين بينما تواجه العزلة عن الغرب.

 

وقال هنري تشانغ، الذي يدير شركة لوجستية مقرها مدينة تشنغتشو بوسط الصين للشحنات بين روسيا والصين، إن أكبر أزمة للتجارة بين البلدين كانت الشحنات البحرية.

 

وبعد غزو روسيا لأوكرانيا، توقف العديد من عمالقة الشحن الغربيين عن تسليم البضائع إلى روسيا، وأكد تشانغ أن أسعار الشحنات البحرية من الصين إلى روسيا ارتفعت منذ ذلك الحين بشكل كبير. 

 

أزمة العملة

المناطق الروسية المتاخمة للصين هي أرض خصبة لزراعة فول الصويا والمحاصيل الأساسية الأخرى. 

 

وأظهرت بيانات الجمارك الصينية أن الصين استوردت ما قيمته 380 مليون دولار من فول الصويا الروسي العام الماضي، والذي تستخدمه في زيت الطهي وعلف الحيوانات.

 

كما استوردت الصين أكثر من 19 مليار دولار من فول الصويا من الولايات المتحدة.

 

وكانت سياسة “الحماية الروسية”، أحد الأسباب التي تجعلها لا تبيع المزيد من فول الصويا للصين، وفقا للأكاديميين الصينيين. 

 

ومنذ عام 2021، فرضت روسيا رسوما جمركية بنسبة 20 بالمئة على صادرات فول الصويا، فيما وصفته موسكو بأنه محاولة لإجبار المستثمرين على بناء مصانع معالجة في روسيا. 

 

وذكرت صحيفة روسية مؤخرا أن المسؤولين يفكرون في رفع التعريفة إلى 50 بالمئة.

 

وقبل غزو أوكرانيا، تمت تسوية معظم المعاملات التجارية بين الصين وروسيا بالدولار الأمريكي أو اليورو، وهو ترتيب ألغته العقوبات الغربية، وتكافح الشركات الصينية الآن للحصول على مستحقاتها.

 

أظهر أحد الاستطلاعات التي أجراها مسؤولو البنك المركزي المحلي للشركات الصينية التي تتاجر مع روسيا أنه بعد غزو أوكرانيا، أوقف 60 بالمئة منها عملياتها أو بالكاد كانت تعمل بسبب العقبات اللوجستية والمالية من العقوبات.

 

بعد عزلها بشكل واسع عن أوروبا منذ الغزو الذي شنّته على أوكرانيا، قامت روسيا بتوجيه اقتصادها على نطاق واسع نحو الصين، مجازِفة في أن تجد نفسها في “علاقة غير متوازنة” مع بكين وفي موقف ضعيف أمامها، وفقا لـ”فرانس برس”.

 

وسعت الشركات الروسية والصينية إلى تجارة المزيد من السلع باستخدام اليوان الصيني. 

 

وارتفعت حصة اليوان في العملات المستخدمة في التجارة الخارجية الروسية، لتنتقل من 0,5 في المئة إلى 16 في المئة، ما أدّى إلى انخفاض كبير لحصّة اليورو والدولار في الصادرات الروسية (48 في المئة الآن)، وفقا لـ”فرانس برس”.

 

وقالت المسؤولة السابقة في البنك المركزي الروسي والتي تعيش الآن في ألمانيا،

ألكسندرا بروكوبينكو، إن اعتماد روسيا المتزايد على اليوان يجعل روسيا أكثر عرضة للإجراءات الصينية في حالة تعثر العلاقات بين البلدين.

 

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى