سورياسياسة

ينتصر لسوري قُتل تحت التعذيب .. “قرار تاريخي” لقاضية لبنانية يوثّق انتهاكات أمن الدولة

“قرار تاريخي، ومن أجرأ القرارات القضائية الصادرة في تاريخ لبنان”، هكذا يصف خبراء قانونيون القرار الاتهامي الأخير الصادر عن القاضية العسكرية، نجاة أبو شقرا، التي تولت التحقيق في قضية وفاة الشاب السوري، بشار عبد السعود، نتيجة التعذيب الذي تعرض له خلال التحقيق معه من جهاز أمن الدولة اللبناني نهاية شهر أغسطس الماضي.

 

وتأتي أهمية القرار، بكونه يوثق ممارسات وحشية حصلت في مركز التحقيق التابع لأمن الدولة، ويكشف عن منهجية معتمدة تستخدم التعذيب والعنف وسيلة لانتزاع اعترافات خطيرة من الموقوفين، في مخالفة موصوفة للقانون اللبناني الذي يمنع التعذيب ويجرمه، في حين أنه من النادر قيام تحقيقات قضائية جدية في لبنان بدعاوى تعذيب خلال التحقيقات الأولية، وانتزاع الاعترافات بالقوة، رغم أن هذه الممارسات منتشرة بشكل كبير في معظم مراكز التحقيق التابعة للأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية.

 

وكانت النيابة العامة العسكرية قد أوقفت خمسة ضبّاط وعناصر في أمن الدولة مطلع سبتمبر الماضي، على إثر وفاة الموقوف، وتمت إحالتهم إلى قاضية التحقيق العسكري، نجاة أبو شقرا، وفي 29 نوفمبر الماضي، وجهت أبو شقرا تهمة التعذيب إلى عناصر أمن الدولة الخمسة بموجب قانون مناهضة التعذيب رقم 65 الصادر عام 2017، فيما نُشر القرار في الرابع من ديسمبر الجاري.

 

ولم يكتف القرار الاتهامي الذي نشرت نصه الكامل حصرياً مجلة “محكمة” المتخصصة بالشؤون القضائية والقانونية في لبنان، بتثبيت وتوثيق التعذيب الوحشي الذي أدى إلى وفاة عبد السعود، وإنما كشف أيضاً عن محاولات التزوير والتلاعب بالتحقيقات وتلفيق الاتهامات التي قام بها مكتب أمن الدولة، إضافة إلى الإفادات الكاذبة التي أدلى بها الضابط المسؤول عن المركز لمرؤوسيه وللقضاء قبل وخلال التحقيقات.

 

تعذيب وحشي

ويوجه القرار اتهاماً لـ 5 أشخاص بينهم الضابط المسؤول عن تعذيب، بشار عبد السعود، 30 عامًا، بعد اعتقاله في 30 أغسطس 2022، ما أدّى إلى وفاته متأثرًا بجراحه خلال التحقيق معه. وكان موقع “الحرة” قد تابع الواقعة في تقرير مفصل يكشف عن التعذيب الوحشي الذي تعرض له عبد السعود، والمجريات القانونية للقضية، فضلاً عن المتابعة الحقوقية التي حظيت بها

 

القاضية أبو شقرا، ومن خلال قرارها، سلطت الضوء للمرة الأولى بهذا الوضوح، على منهجية التعذيب المعتمدة من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية، الخاضعة لاستنسابية ومزاجية وتقدير المحقق الشخصي، كاستخدام الضرب وفقاً للتهمة المساقة للمتهم، فيزيد كلما كانت التهمة “أخطر” وفق تقدير المحقق، ويقتصر على “كفين” حين تكون التهمة “غير مهمة” وفق تقديره أيضاً، وبغطاء ضمني من قبل رؤساء وضباط هذه الأجهزة، بحسب ما أظهر نص القرار الاتهامي الذي تضمن أقوال المتهمين.

 

يكشف التقرير أيضاً عن محاولات التلاعب بأسباب الوفاة من ناحية العناصر والضابط المسؤول، ومحاولة تلفيق تهمة تعاطي المخدرات ونسب اعترافات للموقوف من أجل تبرير وفاته بسبب جرعة زائدة، وهو ما كشفته الفحوصات المخبرية على جثة الضحية والتي جاءت سلبية لـ 12 نوعاً من المخدرات ضمنها مادة “الأمفيتامين” الموجودة في الكبتاغون.

 

وكان جهاز أمن الدولة اللبناني قد ألقى القبض على بشار عبد السعود، سوري الجنسية، ضمن حملة توقيفات لمن قيل إنهم أعضاء في “خلية تابعة لتنظيم داعش” تنشط ما بين جنوب لبنان وبيروت، وفق الرواية التي قدمها الجهاز الأمني في الـ29 من أغسطس.

 

و”سبق للخلية،” بحسب زعم البيان، “أن قاتلت في سوريا، وانتقلت إلى لبنان بطريقة غير شرعيّة”. وأضاف البيان أن أفراد الخلية “كانوا يقيمون أثناء توقيفهم في إحدى القرى الحدوديّة جنوبي البلاد”، وأن هذه المجموعة “سبق وأن أدارت شبكة لترويج العملات الأجنبية المزيّفة والمخدّرات، بهدف تمويل عملها ومهامّها”. وقال جهاز الأمن اللبناني إن التحقيقات لا تزال جارية لكشف خيوط وأهداف الخلية.

 

وفجأة، في الـ 31 من أغسطس، أُعلنت وفاة أحد الموقوفين إثر نوبة قلبية استدعت نقله إلى المستشفى، حيث توفي، لتتكشف تفاصيل عملية تعذيب أقدم عليها مكتب جهاز أمن الدولة، كانت السبب الرئيسي في وفاة الموقوف السوري، كما انتشرت صور وتقارير تظهر آثار التعذيب وجلد لم يترك مكانا في الجثة من دون جروح وكدمات.

 

في حينها جرت محاولات عدة للتستر على ما جرى، من بينها تسريب معلومات عن إنجاز أمني حقّقه جهاز أمن الدولة “بتوقيفه خلية لتنظيم داعش”، والتسويق لكون الضحية الذي أطلق عليه صفة “القيادي في داعش”، كان تحت تأثير المخدرات، وحاول مهاجمة المحقق وأن العناصر أمسكوا به لتهدئته، قبل أن يصاب بنوبة قلبية استدعت نقله إلى المستشفى حيث توفي.

 

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى