مقالات

إعلان دستوري في سوريا: خطوة ضرورية لتنظيم المرحلة الانتقالية ومنع الفراغ السياسي

 أعلنت اللجنة القانونية المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري في سوريا أن إعداد إطار قانوني ناظم للمرحلة الانتقالية أصبح أمرًا ضروريًا لضمان استقرار البلاد ومنع أي فراغ دستوري قد يؤثر على مسار الدولة بعد إلغاء دستور 2012.

وفي بيان رسمي، أكدت اللجنة أن الإعلان الدستوري ليس بديلًا عن الدستور الدائم، لكنه يمثل مرحلة تأسيسية لتوجيه البلاد نحو إدارة مؤقتة منظمة، تهيئ الأرضية لصياغة دستور جديد يعكس تطلعات الشعب السوري.

لماذا تحتاج سوريا إلى إعلان دستوري؟

أوضحت اللجنة القانونية أن سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الثاني 2024 خلّف فراغًا قانونيًا، مما يستدعي وضع إطار يحكم السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، ويحدد حقوق المواطنين، وينظم عمل المؤسسات الرسمية.

ومن أبرز الدوافع وراء إصدار الإعلان الدستوري:

منع الفوضى القانونية والسياسية: وهو يعني ضرورة وجود مرجعية قانونية واضحة تحكم السلطات وتمنع التداخل في الصلاحيات.

تحديد صلاحيات الحكومة الانتقالية:يعني رسم حدود سلطات رئيس المرحلة الانتقالية، ومجلس الشعب المؤقت، والجيش، والجهات الرقابية.

ضمان الحقوق الأساسية والحريات العامة: وضع أسس واضحة للحريات السياسية والمدنية، ومنع أي انتهاكات مستقبلية.

إعادة بناء الاقتصاد ومؤسسات الدولة: توفير إطار قانوني يضمن تدفق الاستثمارات والمساعدات الدولية، وبدء مرحلة إعادة الإعمار.

محاسبة المسؤولين عن انتهاكات الماضي: تبني مبادئ العدالة الانتقالية لضمان محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، دون الدخول في سياسة انتقامية تؤثر على استقرار البلاد.

تجارب دولية سابقة: هل يمكن لسوريا الاستفادة منها؟

شهدت العديد من الدول حول العالم فترات انتقالية حرجة بعد سقوط أنظمة حكمها، واضطرت إلى اللجوء إلى الإعلانات الدستورية المؤقتة لملء الفراغ القانوني وتنظيم شؤون البلاد قبل اعتماد دساتير دائمة.

ألمانيا: القانون الأساسي كأساس للاستقرار
بعد انهيار النظام النازي في 1945، وجدت ألمانيا نفسها في فراغ قانوني، مما دفعها إلى تبني القانون الأساسي لعام 1949، الذي بدأ كإعلان دستوري مؤقت لكنه استمر حتى اليوم كإطار حاكم لدولة ديمقراطية حديثة. عزز هذا القانون الفصل بين السلطات، حماية الحريات، واللامركزية الإدارية، مما وفر بيئة مستقرة للنمو السياسي والاقتصادي.

البرازيل: الانتقال من الحكم العسكري إلى الديمقراطية
بعد أكثر من عقدين من الحكم العسكري، تبنت البرازيل إعلانًا دستوريًا مؤقتًا عام 1985، مهد الطريق لدستور 1988. ركّز الإعلان على إعادة السلطة إلى المؤسسات المنتخبة وضمان حقوق الإنسان، لكن ظل تأثير المؤسسات العسكرية تحديًا لسنوات، رغم أن البلاد نجحت في بناء نظام سياسي مستقر تدريجيًا.

تونس: الإعلان الدستوري بعد الثورة
في 2011، عقب سقوط نظام زين العابدين بن علي، أصدرت تونس إعلانًا دستوريًا لتنظيم المرحلة الانتقالية، حدد صلاحيات الحكومة ومهّد الطريق لصياغة دستور دائم في 2014. رغم أهميته في ضمان استمرارية الدولة، إلا أنه لم يمنع الأزمات السياسية والتوترات بين القوى المختلفة، ما عطل عملية الاستقرار لسنوات.

ليبيا: تحديات الإعلان الدستوري وسط الفوضى
بعد 2011، تبنت ليبيا إعلانًا دستوريًا كإطار مؤقت لحين إعداد دستور دائم، لكنه اصطدم بمشاكل كبيرة، أبرزها غياب التوافق الوطني والصراعات المسلحة، مما حال دون تحقيق الاستقرار السياسي، وأدى إلى انقسامات حادة واستمرار الفوضى.

أبرز البنود المتوقعة في الإعلان الدستوري السوري

رغم عدم نشر المسودة الرسمية بعد، فإن التسريبات الأولية تشير إلى أنه سيتضمن البنود التالية:
إدارة المرحلة الانتقالية: تحديد صلاحيات الرئيس المؤقت والبرلمان والحكومة.
حماية الحريات وحقوق الإنسان: ضمان حرية التعبير والتنظيم السياسي.
تنظيم الاقتصاد وإعادة الإعمار: إطار قانوني للتعاون الدولي وإعادة البناء.
آلية وضع دستور دائم: تشكيل لجنة لصياغة الدستور الجديد وإجراء استفتاء شعبي عليه.

تحديات أمام الإعلان الدستوري

رغم أهميته، إلا أن هناك عدة تحديات قد تعيق نجاح الإعلان الدستوري في سوريا، منها:
رفض بعض الأطراف: قد تعترض بعض القوى السياسية على الإعلان إذا لم تشارك في صياغته.
الخوف من أن يصبح دائمًا: هناك مخاوف من أن يتحول الإعلان الدستوري إلى وثيقة دائمة بدلًا من أن يكون مؤقتًا.
عدم الاعتراف الدولي: قد تتردد بعض الدول في التعامل مع الحكومة الانتقالية إذا لم يكن هناك إطار قانوني واضح ومقبول دوليًا.

هل يكون بداية لمرحلة جديدة

يعد الإعلان الدستوري خطوة أساسية وضرورية لضمان استقرار سوريا في مرحلة ما بعد الأسد. فهو يوفر إطارًا قانونيًا يضمن الحوكمة الرشيدة، ويحمي حقوق المواطنين، ويمهد الطريق لإعادة الإعمار، وكتابة دستور جديد يعبر عن جميع السوريين.

ومع بدء المشاورات لصياغته، تبقى الأنظار متجهة نحو كيفية استكمال هذه المرحلة بأقل قدر ممكن من التوترات السياسية، وبمشاركة أوسع الطيف السوري لضمان نجاحها. فهل يكون الإعلان الدستوري بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار، أم مقدمة لتحديات جديدة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى