بعد أكثر من ثلاثة أعوام على تهجير قاطنيها، بموجب اتفاقٍ فرض على الأهالي الخضوع لعملية التسوية الأمنية أو التهجير قسراً نحو الشمال السوري برفقة فصائل المعارضة، لا تزال نسبة لا تقل عن 30% من منازل الغوطة الشرقية غير صالحة للسكن، إلا أنها مأهولة في واقع مرير فرض على العائلات التي تقطنها إيجاد بدائل تشبه تلك التي كانوا يعتمدون عليها في ظل الحملات العسكرية على المنطقة.
وفي جولة داخل مدن وبلدات الغوطة الشرقية، لا تحتاج لمراقبة كبيرة أو تدقيق للعثور على تلك المنازل، فمشهد الشوادر النايلونية و”البطانيات” التي تُغطي نوافذ بعضها تظهر بوضوح لجميع المارّة، وفي بعضها الآخر تظهر القطع الخشبية أو الحديدة التي ألغت النوافذ نهائياً، وفق شبكة “صوت العاصمة”.
ونقلت الشبكة عن “مصادر خاصة” أن تأمين مواد البناء والمعدات الرئيسية لإعادة تأهيل المنازل بشكل جزئي أو كامل، تدخل المنطقة برعاية النظام وأجهزته الأمنية.
وبيّنت المصادر أن الأفرع الأمنية والوحدات العسكرية المتمركزة في الغوطة الشرقية، تقاسمت عمليات إدخال مواد البناء فيما بينها، لتهيمن كل منها على قسم من تلك المواد، مشيرة إلى أن “الفرقة الرابعة” انفردت في إدخال وتسويق الحديد داخل مدن الغوطة الشرقية، و”الحرس الجمهوري” هيمن على كسارات الرمل والبحص وإدخالها، في حين كانت مادة الاسمنت من اختصاص “الأمن العسكري”، مؤكّدة أن عملية البيع والتسويق تتم عن طريق شخصيات مرتبطة بالأجهزة الأمنية من أهالي المنطقة.
وأوضحت المصادر أن الحواجز العسكرية والأمنية المتمركزة في محيط المنطقة، تمنع دخول أي من المواد المذكورة لأشخاص غير التجار المرتبطين بهم.
وأشارت المصادر إلى أن الحواجز فرضت إتاوات مالية على مواد البناء والإكساء الأخرى، مثل الدهانات والقطع الكهربائية والصحية، لافتة إلى أن قيمة الإتاوة تختلف بحسب اختلاف المواد المحملة وكميتها.
سوق التعفيش وفوضى الأسعار:
لم تكن العمليات العسكرية والبراميل المتفجرة السبب الوحيد لتحويلها إلى منازل غير صالحة للسكن، فهناك العديد منها خرج عن الخدمة بسبب عمليات التعفيش التي تعرضت لها عقب سيطرة النظام على المنطقة عام 2018، والتي طالت أبواب المنازل ونوافذها، وخزانات المياه وتمديداتها الصحية والكهربائية، وصولاً لاقتلاع السيراميك والرخام من الأرضيات.
وافتتح في بعض مدن وبلدات الغوطة الشرقية، أسواق لمواد البناء والأثاث “المعفّش”، وأخرى للأدوات المنزلية والمفروشات المستعملة التي يقدم أصحابها على بيعها.
وأضافت المصادر أن بعض أسواق “التعفيش” أقيمت بإشراف عناصر تابعين لـ “الفرقة الرابعة” داخل الغوطة الشرقية، أبرزها في “حمورية” و”عربين” و”عين ترما”.
وأوضحت المصادر أن فرق الأسعار بين الأدوات المنزلية الجديدة، ومثيلتها في أسواق التعفيش كبير جداً، حيث يصل سعرها في أسواق التعفيش إلى ربع سعرها جديدة.
وبحسب المصادر فإن تأمين مواد البناء والأثاث من داخل الغوطة الشرقية، هو الطريقة الأكثر سهولة، لتجنب دفع الإتاوات المالية للحواجز الأمنية أثناء نقلها، أو تعرضها للمصادرة من قبل دوريات الجمارك.
منظمات “إغاثية” وأحلام منسية:
النسبة الأكبر من العائلات القاطنة في منازل غير صالحة للسكن، عجزت عن إعادة تأهيلها، في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية المتردية التي يعيشونها، في وقت تصل فيه تكلفة إعادة تأهيل المنزل “جزئياً” إلى مبلغ لا يقل عن 20 مليون ليرة سورية.
مصادر أهلية متقاطعة، قالت لـ “صوت العاصمة” إنهم اختاروا البقاء في الغوطة الشرقية، آملين بتمكنهم من إعادة تأهيل منازلهم المدمرة بشكل جزئي، لكنها سرعان ما خابت بعد مشاهدة إجراءات المبالغ المخصصة لإعادة تأهيل المنازل من قبل الجمعيات “الإنسانية”.
وكشفت “صوت العاصمة” في تقرير سابق لها إلغاء برامج إغاثية لبعض المنظمات العاملة في الغوطة الشرقية، وإنفاق مخصّصاتها على نفقات ترميم بعض المنازل المتضررة العائدة ملكيتها لأشخاص مقربين من النظام ومسؤولين في حزب البعث، إضافة لمنازل الضباط والعناصر المقربين منهم، دون إدراج اسم أي مدني في مشاريعها.
وكانت قوات الأسد سيطرت على الغوطة الشرقية بعد اتفاق “تسوية” تم التوصل إليه في عام 2018، وسبقته عشرات المجازر بحق المدنيين.