في خطوة غير مسبوقة، وجّه عبد الله أوجلان، زعيم ومؤسس حزب العمال الكردستاني (PKK)، رسالة من سجنه في جزيرة إمرالي التركية، دعا فيها الحزب إلى حل نفسه والتخلي عن السلاح، مؤكداً أن المرحلة الحالية تتطلب نهجًا سلميًا لإنهاء النزاع الكردي – التركي المستمر منذ أكثر من أربعة عقود، وقرأ الخطاب مسؤولوين في حزب Dem الكردي التركي من اسطنبول.
محتوى الرسالة ودعوتها للسلام
في نص رسالته، شدد أوجلان على أن الحزب الذي تأسس في سبعينيات القرن الماضي في سياق نضالات الكرد من أجل الحقوق القومية والسياسية لم يعد قادرًا على تلبية متطلبات المرحلة الراهنة، مؤكدًا أن التغيير الجيوسياسي والتحولات في تركيا والمنطقة تستدعي إنهاء العمل المسلح لصالح حلول سلمية وديمقراطية.
وأضاف أوجلان أن الكرد والأتراك ليسوا أعداء، بل إخوة تاريخيون، وأنه يمكن بناء تركيا ديمقراطية تستوعب جميع مكوناتها القومية دون الحاجة إلى نزاع مسلح. كما شدد على أن جميع الفصائل الكردية المسلحة يجب أن تتجه نحو العمل السياسي والمشاركة في بناء مستقبل جديد يحقق حقوق الأكراد في إطار سلمي وديمقراطي.
الأبعاد السياسية لرسالة أوجلان
تحمل رسالة عبد الله أوجلان أبعادًا سياسية عميقة، حيث تُعد أول إعلان صريح من زعيم حزب العمال الكردستاني يدعو إلى تفكيك الحزب نهائيًا، وهو ما يعكس تحولًا استراتيجيًا كبيرًا في الفكر السياسي للحركة الكردية المسلحة. هذا التغيير يأتي في ظل تصاعد التوترات الإقليمية في العراق وسوريا، حيث تلعب الفصائل الكردية المسلحة دورًا مهمًا في موازين القوى. في حال استجاب حزب العمال الكردستاني لدعوة أوجلان، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة رسم خارطة النفوذ الكردي في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بعلاقته مع تركيا وتأثيره على الأكراد في الدول المجاورة.
على المستوى الدولي، تُفسَّر هذه الدعوة على أنها رسالة إيجابية إلى الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين طالبا مرارًا بإنهاء النزاع المسلح بين تركيا والأكراد. كما يمكن أن تسهم في تحسين العلاقات بين أنقرة وحلفائها الغربيين، خصوصًا في ظل الضغوط المستمرة على تركيا لضبط الأمن الداخلي وتقليل الصراعات الحدودية. في المقابل، تبقى استجابة الأطراف المعنية ومدى استعدادها لتقديم ضمانات سياسية واضحة هي العامل الحاسم في نجاح هذا التحول، سواء داخل تركيا أو على مستوى التوازنات الإقليمية.
تأثير رسالة أوجلان على الوضع في سوريا
تحمل دعوة عبد الله أوجلان إلى حل حزب العمال الكردستاني وإلقاء السلاح انعكاسات مباشرة على الوضع في سوريا، حيث تلعب الفصائل الكردية المسلحة، مثل وحدات حماية الشعب (YPG)، دورًا محوريًا في المشهد العسكري والسياسي. هذه الوحدات، التي تعد العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ترتبط أيديولوجيًا وتنظيميًا بحزب العمال الكردستاني، ما يجعل أي تحول في موقف الحزب يؤثر على استراتيجية الأكراد في سوريا.
في حال استجابت قيادة الحزب لدعوة أوجلان، فقد ينعكس ذلك على موقف قوات قسد في شرق الفرات، مما قد يؤدي إلى تقارب أكبر مع دمشق أو حتى إعادة ترتيب تحالفاتها الإقليمية، خاصة في ظل الضغوط التركية المتزايدة على شمال سوريا. من ناحية أخرى، قد تستخدم أنقرة هذه الرسالة للمطالبة بانسحاب الوحدات الكردية من المناطق الحدودية، وهو ما قد يؤثر على توازن القوى بين الأكراد، النظام السوري، والمعارضة المدعومة من تركيا.
كما أن أي تفكك محتمل لحزب العمال الكردستاني قد يعيد رسم المشهد السياسي في شمال شرق سوريا، حيث تسعى الولايات المتحدة وروسيا وتركيا إلى إعادة ترتيب الأوراق بما يضمن استقرار المنطقة ومنع التصعيد العسكري، خاصة في ظل التوترات التركية – الكردية المستمرة.
لكن أمس وبعد نشر الرسالة نقلت رويترز عن قائد قوات سوريا الديمقراطية عبدي قوله إن “أوجلان أرسل لنا بشأن إعلانه وكان إيجابيا ويؤكد أهمية السلام والأمن بالمنطقة”، وأكد أن إعلان أوجلان المسجون منذ فترة طويلة لا ينطبق إلا على حزب العمال الكردستاني ولا “يتعلق بنا في سوريا” مضيفاً “إذا تحقق السلام في تركيا فهذا يعني أنه لا مبرر لمواصلة الهجمات علينا هنا في سوريا”.
من جهته وفي لقاء مع قناة العربية أكد صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، أنهم يتفقون مع البيان، مشددًا على أن العمل السياسي هو البديل عن الكفاح المسلح إذا توفرت الظروف الملائمة. وأوضح أن حمل السلاح كان نتيجة لغياب الخيارات السياسية، مؤكدًا أن التخلي عنه مرهون بتقديم ضمانات سياسية حقيقية. كما أشار إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد مفاوضات مع الحكومة السورية الجديدة بشأن مستقبل الأكراد.
التحديات أمام تنفيذ هذه الدعوة
رغم أهمية الرسالة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تحول دون تطبيقها الفوري، ومنها:
- عدم وضوح موقف قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، ومدى استعدادها للامتثال لهذه الدعوة.
- مخاوف بعض الأكراد من أن التخلي عن السلاح قد لا يضمن حقوقهم في ظل غياب ضمانات سياسية من أنقرة.
- معارضة بعض التيارات القومية المتشددة داخل تركيا التي قد تعتبر هذه الخطوة تنازلاً غير مقبول.
تمثل رسالة أوجلان لحظة مفصلية في تاريخ القضية الكردية، وقد تكون نقطة تحول نحو إنهاء عقود من الصراع إذا استُثمرت بشكل إيجابي من قبل الأطراف المعنية. ومع ذلك، تبقى مدى جدية التنفيذ والضمانات السياسية هما العاملان الحاسمان في تحديد ما إذا كان هذا الإعلان سيؤدي إلى سلام دائم أم سيظل مجرد مبادرة معزولة لا تجد طريقها للتطبيق.