في الحقيقة لا يحبذ كثير من العامة الخوض في التفاصيل، ليس لأن في التفاصيل يكمن الشيطان أبداً، بل لأنهم عادة ما يميلون إلى تبسيط الفكرة، فالجماهير كما قال “لوبون” عندما حلل طبيعتها تتقبل الفكرة كما هي دون الحاجة للخوض في التفاصيل، وعندما يتعلق الأمر بنظرية المؤامرة (Conspiracy Theory) فإن التفاصيل تصبح كثيرة جداً ومتداخلة ومتناقضة لدرجة تسمم الحقيقة وهو تماماً ما يريده أولئك الذين يتآمرون فعلاً.
وبغض النظر عن العقلية الكسولة التي تحيل كل حدث مؤثر في الحياة مؤامرة تستهدفها وتعيق تقدمها، فإن الترويج للمؤامرة كان كذلك جزءاً من البروبغندا التي اعتمدتها الأنظمة الاستبدادية لتبرر فشلها وعجزها عن تحقيق التقدم والرخاء للشعوب، فتراها تعزز الروايات والأفلام التي تتحدث عن المؤامرة للتأثير على الوعي الجمعي للمجتمع من خلال خلط الحقائق مع المبالغات مع الكذب وتقديمها للجمهور على أنها الزبدة أو الخلاصة التي تؤثر على تفكيرهم وتجعلهم يتقبلون الحال المزري الذي أوصلتهم له تلك الأنظمة الاستبدادية وهو ما يسمى إدارة الإدراك (Perception Management) وهو ما يؤدي إلى تثبطهم عن الفعل، لأنه يؤثر على إدراكهم ويجعلهم يرون أنهم مجرد حلقة صغيرة ضعيفة غير قادرة على التأثير، تتقاذفها أيادٍ خبيثة تمنعهم من الوصول لهدفهم، مما يولد شعوراً عاماً بالإحباط لا تستطيع الجماهير التخلص منه بسهولة، ثم يتبعها حالة من العزوف التام عن السياسة وهكذا تكون الأنظمة قد حققت مبتغاها.
وغالباً في عالمنا العربي ما يتم ربط فكرة تحالف الأقليات بنظرية المؤامرة، لعدة أسباب منها ما يتعلق ببنية الأنظمة ذاتها ومنها محاولة البعض تنميط الفكرة ليسهل تسخيفها ونسفها وذلك للتغطية على كونها حقيقة قائمة أو جزءاً أصيلاً من السياسة الإسرائيلية في المنطقة وهو ما تفعله إسرائيل وعملاؤها، ومن الأسباب كذلك نشر بروتوكولات حكماء صهيون بعد الثورة البلشفية والتي مهدت الطريق لعمليات اضطهاد بحق اليهود في روسيا وشرق أوروبا، ولاحقاً في غربها مع صعود النازية، فهل فكرة تحالف الأقليات حقيقية أم هي من بنات أفكار أولئك المتأثرين بنظرية المؤامرة؟
الحقيقة هي أن هناك نظرية تسمى مبدأ المحيط أو عقيدة المحيط (Periphery Doctrine)
وهذه نظرية وضعها “بن غوريون” تقول أنه من أجل أن تعيش إسرائيل في وسط بحر من العرب السنة ينبغي لها أن تتحالف مع كل الأقليات في محيطها الأصغر (حدود فلسطين) ومحيطها الأكبر (حدود العالم العربي) لذلك سعوا منذ تأسيس دولتهم، إلى إقامة علاقات مع موارنة لبنان، ومع أكراد العراق ومع العلويين في سورية لاحقاً، وأقباط مصر، وذلك ضمن تعريفها للمحيط الأصغر ومع إيران الشاه ( والذي استمر بعد ما سمي بالثورة الإسلامية رغم العداء المعلن) وتركيا وأثيوبيا على محيط الوطن العربي الذي سمي بالمحيط الأكبر.
وقد تكتم الإسرائيليون رسمياً على تفاصيل هذا المبدأ رغم أنه يحكم سياستهم الخارجية منذ تأسيس كيانهم، إلا ما تجده مسرباً في كتب بعض ساستهم ممن كتب سيرته الذاتية بعد تقاعده، وحتى تلك فإنها تخضع للتشويه تارة ولرغبات كاتبها تارة أخرى، ولذلك فإنك إذا أردت أن تبحث على شبكة الإنترنت فلن تجد ما يرضي بحثك من مصادر تستطيع أن تعتمد عليها في تكوين صورة حقيقية عن هذا المبدأ، وخصوصاً باللغة العربية، وهذا بحد ذاته يدعم فكرة المؤامرة التي يحبذها البعض.
في مقالي هذا سأذكر للباحثين أهم ثلاثة كتب يمكن العودة لهم لتشكيل فكرة جيدة عن هذا المبدأ وكيف نشأ وهي (الطريق إلى السلام-إلياهو ساسون) و (جلوس العرب وصهيون-إلياهو إيلات) و (المتاهة اللبنانية-رؤوفين أرليخ) وكذلك قراءة الرسائل المتبادلة بين “بن غوريون” وبين الرئيس “آيزينهاور” التي أعقبت العدوان الثلاثي، ولعل أهمها جميعاً كتاب المتاهة اللبنانية الذي سلط فيه المؤلف الضوء على كيف يرتب الصهاينة الأقليات بحسب أهميتها فيذكر بالتفصيل كيف كانوا يقيمون علاقة مع الجميع ولكنهم يفضلون بعض الأقليات على بعض، بناء على اعتبارات منها العامل الديموغرافي وتمدده الجغرافي، والعامل المادي، وفي هذا الكتاب فضائح بالجملة عن الطبقة السياسية اللبنانية من كل الطوائف.
الخلاصة التي أريد هنا أن أقدمها للقارئ هي أن سعي الآخرين لتحقيق أهدافهم لا يعني بالضرورة التآمر عليك أنت بالذات، بل هو نوع من التدافع الطبيعي للبشر، خصوصاً أن ما نشير له هنا هو تحالف أنظمة لا أفراد، وينبغي وضعه في هذا السياق وعدم الانجرار وراء مبالغات قد يكون الهدف منها التثبيط، كما أن نجاحهم في أمر لا يعني تفوقهم أو لأنهم أذكى، بل على العكس قد يكون نتيجة نفاقهم وتقيتهم وتلونهم وخبثهم، وعدم احترام كلمتهم وهو أهم ما يخلص له القارئ عندما يستطلع ما كتب عن تلك الفترة.
ففي الوقت الذي كان فيه “بن غوريون” يحث البريطانيين على احتلال فلسطين في مؤتمر فرساي عام 1919م كان “حاييم وايزمان” يعقد اتفاقية مع الأمير “فيصل” في الشام، وكان “إلياهو ساسون” يحضر المؤتمر العربي الذي عقد في دمشق لتوحيد سورية الكبرى!
وعندما كانت علاقة الوكالة اليهودية على ما يرام مع الوسط الشيعي في جنوب لبنان، وتحديداً مع عائلة الأسعد الإقطاعية في الطيبة ومع عائلة ابراهيم عبدالله في الخيام، ووزير الأشغال الشيعي ابراهيم بك حيدر لاحقاً، لم تكن تولي اهتماماً كبيراً بالتواصل مع الدروز، إلا لدواع أمنية، أما بعد تبدل الوضع في الوسط الشيعي عقب دخول موسى الصدر للجنوب فإنها عادت وحاولت تفعيل علاقتها مع الدروز، وتحديداً مع الشيخ حسين حمادة من بعقلين، والذي كانت له علاقة مع إلياهو ساسون (الجدير بالذكر أن ساسون هذا كان دمشقي المولد وكان يتكلم العربية بلهجة أهل الشام وهذا ما جعله يبني علاقات طيبة مع سياسيين عرب منذ حضوره المؤتمر السوري وحتى مابعد إعلان الكيان الإسرائيلي، إلا مع “حميد فرنجية” الذي استاء من الإسرائيليين لأنهم أرسلوا له “ساسون” الذي يتكلم العربية فقد كان يفضل شخصاً أوروبياً لا يتكلم العربية!).
ورغم محاولة بعض القيادات السنية في سورية ولبنان تقديم خطابٍ مطمئنٍ لليهود في سورية الكبرى، واعتبارهم مواطنين أصيلين في المنطقة، تمثل ذلك في تمويل الملك فيصل لساسون نفسه رغم صغر سنه آنذاك ليصدر جريدة الحياة، وبعدها تواصل “جميل مردم بيك” مع “وايزمان” و”موشيه شاريت” في باريس عام 1936م وما تبعها من لقاءات “ساسون” مع قيادات للكتلة الوطنية السورية والتي كانت جميعها قبل إعلان قيام إسرائيل وجميعها مع الدمشقي “إلياهو ساسون” تحديداً (عدا لقاء جميل مردم بيك) إلا أن الحركة الصهيونية كانت تبيت نية الغدر، وكانت لا تخاطب الجميع بنفس اللغة بل كانت تحاول بث التفرقة الطائفية والدينية في لقاءاتها مع تلك الزعامات، وهو ما اعترف به “بن غوريون” في اقتراحاته على خطة “حاييم وايزمان” تقسيم بلاد الشام إلى ثلاث دول، سورية للمسلمين ولبنان للمسيحيين وفلسطين لليهود، وهو ما عرف لاحقاً بخطة “بن غوريون” (Ben-Gurion Plan) والتي عرضها لاحقاً على الفرنسيين والتي تقضي بتحويل لبنان لدولة مسيحية واقتطاع طرابلس وعكار وبعلبك إلى سورية ثم إلحاق جنوب الليطاني بإسرائيل وتقسيم الأردن لتصل حدود إسرائيل إلى العراق، وإجباره على توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل!.
فالمراقب لطريقة تعاطي الصهاينة مع السنة يتعجب من النفاق الذي كان يميز تعاملهم معهم، على سبيل المثال كيف خططوا لاغتيال “رياض الصلح” رغم أنه كان مولعاً بالتواصل معهم بل هو الوحيد من كل القيادات السنية في المنطقة الذي التقى مع الصهاينة أكثر من خمس مرات منذ عام 1911م أي قبل الحرب العالمية الأولى واستمرت لما بعد قيام الكيان، وكان تواصل مع “وايزمان” شخصياً أكثر من مرة، كل ذلك لم يشفع له عندهم بل خططوا لاغتياله وأرسلوا فريقاً لمراقبة ورصد تحركاته ووضعت الخطة لكنها لم تنفذ لاعتبارات داخلية إسرائيلية.
فإذا ما قارنا ذلك بطريقة تعاطيهم مع الموارنة لوجدنا اختلافاً جذرياً، إذ إنهم تاريخياً قدموا كل أشكال الدعم للموارنة، خصوصاً للرئيس “إيميل إدة” والبطريرك الماروني “أنطوان عريضة” ومطران بيروت “إغناطيوس مبارك” وحزب الكتائب، وجميع هؤلاء كان لهم لقاءات مع مسؤولين صهاينة واتفاقيات سرية وآليات دعم، بعضها تم نشره ليس فقط في مذكرات الصهاينة بل باعترافات حتى بعض اللبنانيين أنفسهم وأخص بالذكر كتاب قصة الموارنة في الحرب “لجوزيف أبو خليل” والذي كتب فيه تفاصيل تواصلهم مع الإسرائيلي والدعم الذي تم منحه لهم.
أيضاً دعمهم للأكراد و”مصطفى البرزاني” تحديداً والذي لا يخفى على أحد، وصولاً لانكشاف دعمهم لبقاء “بشار” في الحكم رغم كل المجازر التي قام بها ضد الشعب السوري (إذ نشرت التايمز البريطانية في 18/5/2013 وعلى صفحتها الأولى عنواناً عريضاً قالت فيه إن على أسد أن يبقى “Israel says Assad must stay”) كل هذه الحقائق تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل ومنذ عام 1923م أي عند تأسيس القسم السياسي للوكالة اليهودية وترؤسه من قبل “حاييم كالفاريسكي” و”حاييم وايزمان” لها نظرة ثابتة للشرق الأوسط وهي مبنية على منطق تقسيمي أقلوي لم يتغير.
ومع التغيرات الكبرى على الساحة السياسية الدولية بعد لحظة سقوط جدار برلين، وانطلاق مؤتمر مدريد للسلام ووصول “إسحاق رابين” للحكم في إسرائيل طرح للمرة الأولى تغيير مبدأ المحيط واستبداله بمبدأ حاول “رابين” تسويقه وهو الأرض مقابل السلام (The principle of land for peace) لكن ما حصل هو أن هذا الأمر أحدث زلزالاً داخل اليمين الإسرائيلي، الذي حرض على “رابين” حتى اغتيل على يد أحد أنصارهم، ليتسلم “نتنياهو” رئاسة الوزراء ويتعلم الدرس القاسي الذي أودى بحياة سلفه، فنتنياهو لا يجرؤ على محاولة المساس بمبدأ سياسي أصيل قام عليه كيانهم بكل تأكيد، عدا عن كونه متشبعاً به قناعةً، لذلك أعتقد أن هذا المبدأ لن يتغير مادام “نتنياهو” في سدة الحكم، مهما بلغ مستوى الانبطاح لدى قادة بعض الدول العربية التي تعتقد بكل سذاجة أنها من الممكن أن يدفع انبطاحها قادة إسرائيل لتغيير مبدئها السياسي الذي قامت عليه.
في سورية لا ندري على وجه الدقة متى فهم “حافظ أسد” مبدأ تحالف الأقليات، فهل كان للجاسوس الإسرائيلي “إيلي كوهين” دور في ذلك؟ أم هل لفرنسا ذلك الدور وهي التي شكلت جيش المشرق إبان احتلالها لسورية دور؟ أم أن بريطانيا هي التي أوضحت له أهمية هذا المبدأ عندما غاب في لندن في حادثة “طومسون” الشهيرة؟ أم في لقائه الشهير مع “كيسنجر” إبان حرب تشرين؟ قد يكون التأكد من صحة الجواب اليوم متعذراً لكن بكل تأكيد فإن “حافظ” فهم تمام الفهم دوره في هذا التحالف ولعب لعبته السياسية بناء عليه، وخصوصاً بعد تدخله في لبنان، ويقال أنه كان له دور في تصفية الإمام “موسى الصدر” الذي قلب المزاج الشيعي ضد إسرائيل في الجنوب منذ الخمسينات، واتهم باغتيال “كمال جنبلاط” أحد أهم الزعماء الذين وقفوا ضد مبدأ تحالف الأقليات (وذلك له جذوره التاريخية تحديداً في الفتنة التي وقعت في جبل لبنان عام 1860م) وكان ذلك السبب الأقوى لقرار تصفيته، ثم اغتيال كل الزعماء الموارنة الذين حاولوا تشكيل حالة شعبية والتي كانت أصابع الاتهام توجه دائماً للنظام السوري بعد تلك العمليات، لأنه كان يعتقد أن على إسرائيل أن تدرك أنه أقوى زعيم أقلوي في المنطقة، خصوصاً بعد أن دعمت إسرائيل “بشير الجميل” وكاد يصل لسدة الحكم بعد أن شكل حالة كارزمية يستطيع من خلالها توحيد الصفوف ليس فقط داخل طائفته بل في لبنان عموماً، وهو ما يشكل تهديداً وجودياً لمشروع “حافظ” في المنطقة.
بعد تصفية الفلسطينيين و”جنبلاط” و”الجميل” أدركت إسرائيل أهمية “حافظ” فهذا الرجل مستعد لفعل أي شيء مقابل أن يبقى هو وطائفته في الحكم، وكان له ما أراد، ومع الوقت بدأ يعد مشروعه الأقلوي، فبدأ بتصفية الوجود الفلسطيني على الحدود مع إسرائيل بدعوى توحيد البندقية بعد ظهور حزب الله، ثم وبعد وقوفه إلى جانب إيران في الحرب العراقية الإيرانية زادت أهميته، فهو يشكل حاجزاً فاصلاً ضد التواصل العربي التركي، وضد توحيد صفوف العرب السنة في سورية والعراق، وبدأ الحفاظ على الوضع القائم بين الجانبين إلى اليوم الذي هلك فيه “حافظ” وتسلم من بعده ابنه.
تلمس الساسة الموارنة في لبنان التغييرات في دمشق، ففي عام 2001م عقدوا لقاء “قرنة شهوان” الذي انعقد تحت رعاية البطريرك “نصر الله بطرس صفير” (والذي لا تتوافق رؤيته مع مبدأ تحالف الأقليات) الأمر الذي أثار حفيظة “بشار” الذي يدرك أهمية الموارنة في ذلك التحالف، فالنظام السوري يريد أن يبقى الشريك الرئيسي الضامن لذلك التحالف، وأي استقلالية من أي أقلية وخصوصاً المارونية عن قراره، إنما هي تهديد مباشر لمكانته في ذلك التحالف، لذلك اتخذ موقفاً معادياً لأعضاء لقاء قرنة شهوان، وما زاد الطين بلة مباركة الرئيس “الحريري” ذلك اللقاء، فبالنسبة له إن أي تقارب سني ماروني يشكل تهديداً وجودياً لوضعه، فهو يريد السيادة منفرداً ليس فقط على الأغلبية السنية في المنطقة بل أيضاً على الأقليات، فمن غير المسموح أن يكون هناك أي تقارب ماروني إسرائيلي وتجربة بشير الجميل أكبر دليل على ذلك، ولا تقارب سني ماروني، لأن في كلا الحالتين سيكون هذا التقارب على حساب دوره الوظيفي في المنطقة.
عام 2002م كان أهم منعطف في ذلك التحالف الشيطاني، فقد انعقدت قمة بيروت والتي أقر بها العرب جميعاً أن مبدأ الأرض مقابل السلام، هو أساس العلاقة مع إسرائيل، وهو ما يشكل تهديداً وجودياً آخر للنظام فهو يعطي إسرائيل حافزاً لتغيير مبدئها السياسي الأهم، وإذا ما حصل ذلك فإن النظام السوري سيفقد أهميته في المنطقة، لأن وجوده قائم على الارتكاز على مبدأ أصبح من الماضي وهو تحالف الأقليات، إذ إن أي تغيير سيسبب بكل تأكيد زعزعةً لحكمه، لذا كان لا بد من الضرب بيد من حديد، وكان ذلك عبر البدء هو وشركائه في لبنان بسلسلة من عمليات الاغتيال السياسي، طالت كل من الرئيس “الحريري” وأعضاء في لقاء قرنة شهوان، ثم ما تبع ذلك من أحداث أثرت في بنية النظام مثل انشقاق “عبد الحليم خدام” نائب رئيس الجمهورية وتشكيل جبهة معارضة للنظام، وخروج الجيش السوري من لبنان، أثر كل ذلك في التحالف القائم، ثم مع بدء الربيع العربي وتزايد الضغوط على النظام بدأ اللعب على المكشوف، فكانت رسالة “رامي مخلوف” في لقائه الإعلامي الوحيد عند انطلاق الثورة والذي حذر فيه إسرائيل من أنه لا استقرار في المنطقة ما لم يستقر النظام الطائفي في دمشق.
في النهاية أعتقد أن مبدأ تحالف الأقليات سار عكس التيار، فهو لم يحقق الاستقرار المطلوب في المنطقة، بل هو تحالف شيطاني منحوس واكبر مثال على ذلك أن ميشيل عون (الذي علم بهذا التحالف متأخراً جداً) عندما بدأ يتكلم به ويصيغ تحالفاته بناء عليه ما لبث أن انتفض الشارع على حكمه وانقسم الموارنة انقسام عداوة إلى فريقين فريق يتبع للحكيم الكتائبي “سمير جعجع” وفريق يتبع للطائفي “ميشيل عون”، ويستطيع أي قارىء ومتتبع للأحداث استشراف مستقبل كل من الفريقين، فإسرائيل لا يمكنها أن تهرب للأمام من الفوضى القائمة في المنطقة، ومحاولة تهجير أكثر من 20 مليون إنسان سوري وعراقي من المنطقة على أسس طائفية لن تنجح، ولن تستمر طويلاً لأن الجميع بدأ يدرك أن كل ما يحصل هو نتيجة طبيعية لتلك التحالفات الإسرائيلية، فلا إيران وحدها قادرة على فعل ذلك بدون ضوء أخضر إسرائيلي ولا حتى النظام السوري، وعلى إسرائيل أن تدرك أن خياراتها منذ البداية كانت سيئة، منذ أن طعنت اليد التي كانت ممدودة لها للسلام في بداية القرن العشرين عندما حضر إلياهو ساسون المؤتمر السوري الذي اعترف بالهوية اليهودية في المنطقة كمكون أساسي، لكن تآمرها عليهم وبناءها تحالفات ضدهم شيطانية لم ولن يجلب لها الاستقرار وسيعود أبناء المنطقة للتجمع والمقاومة بعد لم شتاتهم وعدوهم الرئيسي ليس تلك الأنظمة التي تحالفت مع إسرائيل بل إسرائيل ذاتها التي غطت على جرائم تلك الأنظمة ودعمتها كلما حاول الشعب تغييرها.
الكاتب: عبد الرحمن جليلاتي