تناقل البعض رسالة من نصر الحريري رئيس هيئة التفاوض السورية يعرب خلالها عن امتعاضه من المملكة العربية السعودية التي أرسلت رسالة لبعض أعضاء الهيئة، تدعوهم فيها للاجتماع إلكترونياً لاختيار رئيس جديد للهيئة، الأمر الذي دفع الحريري إلى الإدلاء برسالة طويلة يحذر فيها من شق صف الهيئة، وذلك بعد الحديث عن أنه لن يكون له دور في التشكيلة الجديدة بهيئة التفاوض.
خلاصة رسالة الحريري الطويلة عبارات تحذيرية شديدة من الاجتماع الجديد لكونه سيجعل المعارضة تبدو مرتهنة للخارج وأن قرارها ليس بيدها، وكأن الحريري جاء إلى رئاسة الهيئة بعد أن انتخبه جمهور الثورة السورية، متجاهلاً أن رئاسته للهيئة جاءت بعد انقلاب على رئيسها السابق الدكتور رياض حجاب، من خلال مؤتمر “الرياض 2” الذي عقدته السعودية في تشرين الثاني عام 2017، وجيء بعده بنصر الحريري.
تحذيرات الحريري أشبه بمن يقول “أنا ومن بعدي الطوفان”، فهو يحاول أن يقول في حال تم إبعادي عن رئاسة الهيئة؛ فإن مصيرها التفكك والانتهاء وإعطاء صورة للعالم بأننا مرتهنون للخارج”، وكأن الحريري يوجه خطابه إلى جمهورٍ من عالم آخر، في صورة تكشف انسلاخه عن الواقع، إذ لم يعد يخفى على السوريين بمختلف ولاءاتهم أن هناك “أسهماً دولية” في الهيئة من خلال أشخاص يتبعون أجندات معينة لهذه الدولة وغيرها، وليس سراً أن يكون هناك ممثلين في الهيئة عن قطر وآخرين عن السعودية وآخرين عن تركيا وغيرها، ولعل هذا ما جعل هيئة التفاوض بعيدة كل البعد عن طموحات السوريين الذين خرجوا بثورة الكرامة ضد نظام ينفذ مثل تلك الأجندات لمصلحة دول أخرى في سبيل بقائه برأس الحكم، وهنا يطرح سؤال مهم نفسه لماذا لم يوجه الحريري هذه التحذيرات إلاّ اليوم مع العلم بأنه جاء بدعوة سعودية سابقة إلى رئاسة الهيئة. إنْ كان فعلاً حريصاً على أن يكون قرار المعارضة السورية بيدها، لِمَ استمر سكوته أكثر من 3 سنوات ولم نسمع صوته إلا بعدما بدأت خطوات إزاحته عن رئاسة الهيئة ؟ .
حقيقة لم نُفاجأ كثيراً برسالة الحريري لاسيما مع ماضيه الذي حاول فيه كسب أي مقعد في جسم المعارضة السورية، فهو عمل مع الأردن وعمل مع قطر وأخيراً مع السعودية، ولم يجد حرجاً أن يلتقط صورة تذكارية مع “ابتسامة مذلة” إلى جانب هيئة التفاوض مع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف عام 2018، وذلك في الوقت الذي كانت تنشر روسيا فيه الدمار والمجازر بحق السوريين في إدلب وحلب والغوطة وغيرها، وكأن من الصورة لا يعنيهم الأمر من قريب أو بعيد، أو أنهم مبعوثون أمميون “على الحياد” أُرسلوا إلى روسيا لمفاوضة لافروف.
يجب تذكير الحريري ومن حذا حذوه بأن جل السوريين الذين خرجوا بثورة الكرامة اليوم تناسوا منذ زمن طويل أن هناك هيئة تفاوض أو ائتلاف وطني وغيرها من الأجسام السياسية التي تدعي تمثيلهم في المحافل الدولية، بينما هي في واقع الحال رهينة التجاذبات والمصالح الإقليمية والدولية، ولعل نصر الحريري نسي حينما طرده ثوار مدينة الباب مع وفده خلال زيارتهم المدينة في تموز عام 2018 ، وذلك كان كفيلاً بأن يعطي نظرة الشارع السوري بشكل عام إلى هيئات المعارضة في الخارج، أيْ إن رسالة “الساعات الأخيرة” للحريري قبل إزاحته لا تنفع لتقول بأن الحس الثوري لديه استفاق فجأة بعدما كان في سبات عميق خلال توليه الرئاسة!.
مقال رأي للكاتب شادي العبد الله