سورياسياسة

يتمنون “كلمة هوجا”.. “sms” تنهي عقود آلاف المعلمين السوريين في تركيا

يبلغ عدد المعلمين السوريين في تركيا على اختلاف الشهادات التي يحملونها أكثر من 12 ألفاً

في الأول من يوليو تموز الحالي تلقى المدرس السوري “م.أ” رسالة “sms” من مديرية التربية في مدينة أنطاكيا التركية، تفيد بأن عقده التدريسي قد انتهى، ولم يعد هناك أي داعي للذهاب إلى المدرسة للعمل بعد الثاني من الشهر ذاته. 

 

وأوردت الرسالة التي اطلع عليها موقع “الحرة” الأمريكي، أن “م.أ” سيحصل على مستحقاته المالية لشهر يونيو حزيران الماضي، بالإضافة إلى مبلغ يقدر بـ2000 ليرة تركية، كتعويض ودعم يرتبط بالتداعيات التي فرضها انتشار فيروس “كورونا” في البلاد. 

 

جاءت الرسالة كـ”الصدمة” بحسب ما يقول المعلم السوري، مشيرا إلى أنها وصلت أيضا إلى آلاف من نظرائه المتوزعين على مختلف الولايات التركية، من هاتاي في جنوب البلاد حتى مدينة إسطنبول.

 

ويضيف في حديث لموقع “الحرة”: “قرار إنهاء العقود لا يزال مبهما حتى الآن، ولا نعرف ما الذي ينتظرنا، سواء باستمراريتنا في العمل ضمن عقود جديدة، أو التوقف عن العمل بشكل كامل، وهو التوقع الأقرب إلى ذلك، فإن لم يكن لجميع المدرسين فقد يشمل القسم الأعظم منهم”. 

 

وفق إحصاء حصلت عليه موقع “الحرة” من مختلف الولايات التركية، يبلغ عدد المعلمين السوريين على اختلاف الشهادات التي يحملونها أكثر من 12 ألف معلم. وكان هؤلاء قد مروا بمرحلتين تعليميتين، في السنوات الماضية. 

 

بين المدارس المؤقتة و”piktes”

قبل عام 2014 كان المعلمون السوريون يشرفون على تعليم الطلاب السوريين المنهاج التعليمي السوري المعدّل، في “المراكز السورية المؤقتة” التي كانت تنتشر داخل المخيمات منذ نهاية العام 2011.

 

لكن بعد تلك الفترة أطلقت وزارة التربية والتعليم التركية بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” مشروعا لـ”دمج أطفال اللاجئين السوريين”، يسمى كما هو معروف بمشروع “piktes”.

 

ويتم تغطية كامل ميزانية المشروع من قبل الاتحاد الأوروبي في إطار “برنامج الدعم المالي لأجل اللاجئين في تركيا”، ويغطي 26 ولاية تركية، يوجد فيها القسم الأكبر من اللاجئين السوريين. 

 

وكان من المقرر أن ينتهي المشروع في شهر ديسمبر 2021، قبل أن يتم تمديده حتى عام 2022، بحسب تصريحات لرئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى أنقرة، السفير نيكولاوس ماير-لاندروت، في أبريل الماضي. 

 

ما الذي حصل؟ 

هناك روايتان بشأن الرسالة التي أنهت عقود المدرسين السوريين في تركيا.

 

وبينما تشير الأولى إلى أن العقود لم تلغ بالكامل بل سيتم تجديدها في إطار مشروع جديد يتم العمل عليه، تذهب الثانية إلى أن آلاف المدرسين سيتم فصلهم بالفعل، لاسيما أن التطورات الحالية كانت قد سبقتها عمليات فصل طالت أكثر من 100 مدرس في مختلف ولايات البلاد. 

 

وإلى جانب الرسالة التي وصلت المدرس “م.أ”، وصلت رسائل أخرى إلى مدرسين آخرين، وجاء فيها أن هناك “مشروعا جديدا للهلال الأحمر التركي بشأن وضع المدرسين السوريين”، لكن دون وضوح التفاصيل وآليات العمل، وعما إذا كان ذلك سيشمل جميع المدرسين أو قسما منهم. 

 

وقال موقع “الحرة” إنه حاول التواصل مع منظمة “يونيسف” للوقوف على أسباب رسائل إنهاء العقود، لكنه لم يتلق ردا، ولم يصدر أي تعليق أيضا من جانب “وزارة التربية والتعليم التركية”.

 

في المقابل كانت سيما هوستا مسؤولة قسم التواصل لدى “اليونيسيف” في تركيا، قد قالت في وقت سابق من العام الحالي لـ”الحرة” إن برنامج “piktes” دخل في “مرحلة انتقالية”، وذلك “من أجل التأقلم مع السياقات والمتطلبات الجديدة”.

 

وبناء على قرار من وزارة التعليم الوطني التركية، تابعت المسؤولة في اليونيسيف: “منذ بداية فبراير 2021 سيتم تخفيض عدد المدرسين المتطوعين في البرنامج بناء على معيارين تحددهما وزارة التعليم التركية”.

 

المعيار الأول هو أن يكون المدرس السوري “المتطوع” حاصلا على شهادة البكالوريوس، بينما يرتبط المعيار الثاني بحصول المدرس على مستوى A2 في اللغة التركية.

 

وأوضحت هوستا، حينها، أن المعلمين الذين سيتم إخراجهم من برنامج “التعليم التطوعي” في فبراير وما بعده سيتم تزويدهم بحزمة “دعم انتقالي”، بما فيها الاستشارات المهنية والتدريب.

 

“أكثر من 11 ألف معلّم”

المعلّم والناشط التربوي، طه الغازي يقول في تصريحات لموقع “الحرة” إن رسائل إنهاء العقود وصلت إلى 11911 معلّم سوري، تم إبلاغهم بها شفهيا أو عبر رسائل “sms” وتطبيق “واتساب”.

 

ويضيف الغازي: “منذ إطلاق مشروع بيكتس كان عدد المدرسين السوريين 12500 مدرس، أما اليوم فالعدد يبلغ 19911.. القسم الأعظم منهم تبلغ برسالة إنهاء العقود”. 

 

وبحسب “بيان يونيسيف والتربية التركية فإن المشروع المذكور قد انتهى في الوقت الحالي”.

 

ويتابع الناشط التربوي: “بالتوازي مع ذلك هناك ادعاءات من التربية التركية بأن الحزم المالية المخصصة للمعلمين السوريين لم تعد مثل السابق، وبالتالي تمويل التعليم يعاني من الضعف، الأمر الذي أوصل الحال إلى عمليات الفصل”. 

 

ويتساءل الغازي: “إن كانت ادعاءات التربية التركية بأن المشروع قد انتهى لأسباب تنظيمية أو مالية لماذا لم يتم فصل المدرسين الأتراك حتى الآن؟”.

 

وتحت إطار مشروع “piktis” ينشط معلمون سوريون، وأتراك أيضا، كانوا قد دخلوا أولا من أجل تعليم اللغة التركية، ومن ثم توسع نطاق عملهم في سياقات أخرى، بحسب المتحدث. 

 

ويوضح الغازي أن “مشروع piktis بالأساس كان قائما على جهود المدرسين السوريين، ومن ثم تم إدخال المدرسين الأتراك، ليتم إزاحة المدرس السوري شيئا فشيئا”. 

 

“لا يوجد حقوق”

ويحمل المدرسون السوريون صفة “المتطوع”، فهم ليسوا موظفين، ولا يخضعون للنظام الوظيفي الذي يخضع له الموظفون الأتراك.

 

ومن شأن تطبيق قرار إنهاء العقود وعدم تجديدها أن تبقى غالبية آلاف العائلات “من دون أي معيل”، فجميع المعلمين في تركيا يعتمدون على الراتب الشهري الذي يتقاضونه، والذي يعتبر الأدنى ضمن مستويات الأجور في البلاد. 

 

ويحصل المدرّس السوري على 2020 ليرة تركية شهريا، وهو أقل من الحد الأدنى للأجور في البلاد (2800 ليرة تركية).

 

المدّرس “خالد”، فضل عدم ذكر اسمه الكامل، يقول في حديث لموقع “الحرة”: “منذ عام 2014 لم يأخذ المعلم السوري أي حقوق، من ناحية التأمين الاجتماعي أو الراتب الشهري الأقل من الحد الأدنى”.

 

ويضيف: “في المقابل المدرسون الأتراك ورغم أنهم خريجون جدد فإنهم يحصلون على ضعف الراتب الشهري المخصص للمدرس السوري. الأموال بالأصل مخصصة للسوريين فقط”. 

 

ويتابع: “تم بناء مدارس جديدة على حساب اليونيسيف، وتجهيزات مكتبية وتجهيزات مدرسية وقرطاسية للطلاب السوريين والأتراك. كلها من حساب الدعم المخصص من يونيسيف!. المدرس السوري يحصل فقط على 2020 ليرة شهريا ودون أي حقوق أخرى”. 

 

“معاملة فوقية”

ولا توجد أرقام دقيقة عن كيفية توزيع الأموال المخصصة لدعم تعليم اللاجئين السوريين في تركيا، أو آلية توزيعها، سواء من حيث البنى التحتية أو تلك المخصصة للمنفذين والقائمين عليها. 

 

وإلى جانب ما سبق تحدث المدرس السوري “خالد” عن “معاملة فوقية وغير صحية” تعرض لها المعلمون السوريون في السنوات الماضية داخل البلاد. 

 

وانتقد الطريقة التي أنهت عقود آلاف منهم، بقوله: “المدرّس السوري له بيت وعائلة وله اعتبارات. طريقة عزلهم غير مهنية، وخاصة الجملة التي تفيد بعدم حضورهم إلى المدارس في الأيام المقبلة”. 

 

وعلى الرغم من عدم وصوله رسالة إنهاء العقود، إلا إن “خالد” يتوقع قرار فصله في أي لحظة، بحسب قوله. 

 

ويشير إلى أن التطورات الحالية ترتبط بشكل أساسي بالاجتماع الذي عقد منذ شهر، بين “مكتب يونيسيف” ومكتب “التربية التركية” و”الهلال الأحمر التركي”. 

 

“غموض واعتبارات قانونية”

 

هناك قسمان للمعلمين السوريين في تركيا: الأول من حملة الشهادة الجامعية الأولى والماجستير والدكتوراه.

 

أما القسم الآخر فيضم حملة المعاهد المتوسطة، وآخرون من حملة الشهادة الثانوية السورية فقط، ممن لم يتمكنوا من إتمام سنوات الدراسة الأربع بفعل ظروف الحرب التي شهدتها سوريا، منذ عام 2011.

 

وتسري ترجيحات بأن قرار القسم الأول سيتم تجديد عقوده في المرحلة المقبلة، في حين سيتم الاستغناء عن القسم الثاني، بسبب الدرجات التعليمية التي لا يملكونها. 

 

وفي سياق حديثه يشير الناشط التربوي، طه الغازي إلى “حالة من الغموض تكتنف قضية المعلمين السوريين”.

 

ويقول: “هناك معلومات أن ملفهم سيتم نقله إلى الهلال الأحمر، دون وضوح الآليات ومعايير التوظيف الجديدة”.

 

وتحدث الغازي عن مسارات حقوقية وقانونية يتم العمل عليها بشأن قضية المعلمين السوريين، لافتا إلى “تمايز” يتم تطبيقه في طريقة التعامل معهم.

 

ويتابع: “اليوم بعد 6 سنوات وللأسف يتم التخلي عنهم. المدرس السوري يشعر بالغبن وأنه تم استغلاله، ومن غير المنطقي أن تتم عمليات الفصل بشكل شفهي. يجب أن يكون هناك قرار رسمي على الأقل يتضمن كلمات شكر”. 

 

وضمن مشروع “piktis”، يوضح الغازي أن عقود المدرسين كانت عبارة عن “عقود إذعان”، حيث تضمنت بنودها في الغالب تقديم الواجبات، دون أي الحصول على أي حقوق.  

 

ويضاف إلى ذلك “التمايز الوظيفي بين المدرس التركي والسوري”، وبحسب الناشط التربوي: “شاهدنا تعمّد التربية التركية في فرض بعض المعايير بحق المدرس السوري على مستوى الراتب والحقوق الوظيفية”. 

 

“كلمة هوجا”

ولا يقتصر الأمر على ما سبق، حيث تحدث الناشط التربوي طه الغازي عن “مواقف عنصرية وتجاوزات وظيفية” تعرض لها المعلمون السوريون في مراكز عملهم، وعند تقديم أي شكوى لم يجدوا لها أي أذان صاغية.

 

ويشير الغازي: “الطرف الآخر وبعض إدارات المدارس وبعض جهات التربية التركية لم تتعامل مع المدرس السوري، ولم تعطه قيمة المدرّس. الأخير كان يتمنى مناداته بكلمة هوجا (بالعربية أستاذ)”. 

 

ويقول إنهم يعدون مسارات قانونية وحقوقية من أجل المرحلة المقبلة، من خلال إنشاء “هيئة” من المدرسين السوريين بغض النظر عن اسمها أو الشخصيات المشاركة فيها، وذلك قبل توقيع العقود الجديدة إن تمت “كي لا نقع مرة أخرى في حالة تشبه الحالة الماضية”. 

 

وسبق وأن طالب مدرّسون سوريون في تركيا في أغسطس آب 2020 بتشكيل لجنة تمثلهم، لتكون شريكة في النقاشات والقرارات التي تُطرح بشأنهم، وطالبوا أيضا بافتتاح مراكز لتعليم اللغة العربية للطلاب السوريين، أو منحهم الجنسية التركية أو صفة لجوء رسمية.

 

وفي ذلك الوقت تسلم رئيس الائتلاف الوطني السوري، نصر الحريري، من ممثلي “منتدى المعلّمين السوريين في تركيا” رسالة موجهة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، تتضمن احتياجاتهم ومطالبهم.

 

وأشار الحريري إلى ضرورة تقديم المنظمة الدعم اللازم للمعلّمين السوريين في تركيا، ودعا إلى تشكيل لجنة من المعلّمين السوريين، لتكون شريكة لـ”يونيسيف” ووزارة التربية التركية، في مناقشة أي قرار يتعلق بالمعلّمين والطلاب السوريين في تركيا.

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى