سورياسياسة

“حركة غير بريئة”.. ماذا تريد إيران من “البنك المشترك” في سوريا؟

طهران تريد أن يكون هذا القطاع تحت جناحها لا سيما أنها تعرف جيدًا كيف تخرج عن العقوبات وتتهرب منها

على مدى الأشهر الأربعة الماضية خرج مسؤولون إيرانيون بتصريحات “لافتة” أبدوا فيها توجسا من حجم التبادل التجاري مع سوريا، واعتبروا أن الأمر يسير ببطء ودون المأمول، وهو ما أكده أيضا، قبل أيام، وزير الاقتصاد في حكومة الأسد سامر الخليل، في حديث لوكالة “تسنيم” الإيرانية. 

 

وفي أواخر أغسطس آب الماضي، قال نائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية- السورية، علي أصغر زبرداست، إن العلاقات التجارية بين إيران وسوريا منخفضة، لكن هناك قدرة على زيادة العلاقات. 

 

وأضاف في مقابلة مع وكالة “أنباء إيلنا” أن “الفوائد الاقتصادية لسوريا تذهب لروسيا، وكذلك دول أخرى، بينما علاقاتنا التجارية والاقتصادية مع سوريا بطيئة”.  

 

وبعد هذه الكلمات قال محمد أمير زاده، نائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية، إن “حصتنا من التجارة السورية 3 في المئة، بينما تركيا 30 بالمئة”. 

 

وأكد وزير الصناعة الإيراني، رضا فاطمي أمين، قبل زيارته إلى العاصمة السورية، دمشق، مطلع الأسبوع الماضي، أنه “رغم العلاقات الثقافية القوية للغاية، فإن علاقاتنا الاقتصادية مع سوريا ضعيفة للغاية وتحتاج إلى التحسين”. 

 

“ظروف قاهرة”

تعتبر طهران من أبرز حلفاء النظام إلى جانب روسيا، وخلال السنوات الماضية قدمت له دعما عسكريا وسياسيا واقتصاديا. 

 

وعلى الرغم من الكم الكبير من الاتفاقيات التي أبرمتها، “لقاء تدخلها” بحسب محللين وباحثي اقتصاد، إلا أن التصريحات المذكورة تشير إلى “حركة ما تحدث خلف الكواليس”.  

 

وعلى هامش زيارته الأخيرة لدمشق كان وزير الصناعة الإيراني قد أعلن إبرام اتفاقيات اقتصادية جديدة، وافتتح أيضا المركز التجاري الإيراني في المنطقة الحرة بدمشق، بعد أكثر من سنتين على إعلان إنشائه. 

 

وأعلن المدير العام لمنظمة تنمية التجارة في إيران، علي رضا بيمان باك، الذي كان أحد أعضاء الوفد الذي وصل لدمشق، أن بلاده بصدد تأسيس بنك مشترك مع النظام في خطوة “لتسهيل التجارة بين البلدين”. 

 

ورغم أن الحديث الإيراني عن البنك المشترك ليس جديدا، إلا أن سياق التوقيت الذي جاء فيه يطرح عدة تساؤلات، لا سيما أنه يتزامن مع التصريحات المتوجسة للمسؤولين الإيرانيين بشأن حجم التبادل التجاري مع سوريا.  

 

وتعود فكرة تأسيس البنك لأعوام عديدة، إلا أنها لم تنجح رغم الترخيص بتأسيسه في عام 2009، على شكل شركة مساهمة سورية باسم “مصرف الأمان”، ومقره الرئيسي في دمشق برأسمال قدره 1.5 مليار ليرة سورية.  

 

وشارك في المصرف السوري الإيراني (الذي كان مزمع تأسيسه) رجال أعمال من الجانبين، قبل أن تنسحب الجهات السورية من الشراكة، وتبقى الجهات الإيرانية وحدها مستحوذة على 49 في المئة من رأسماله، على أن يتم طرح النسبة المتبقية للاكتتاب العام.  

 

وكان من المقرر طرح أسهم المصرف للاكتتاب العام في سوريا، خلال يوليو عام 2011، إلا أن هذا الاكتتاب تأجل لظروف “قاهرة”، وفق ما ذكره رئيس “مجلس الأعمال السوري الإيراني”، حسن جواد، لموقع “الاقتصادي” المحلي سابقا.  

 

“الحركة ليست بريئة” 

بعد “الظروف القاهرة” التي حدثت في عام 2011، غاب الحديث كليا عن تأسيس المصرف، ليتردد لاحقا في مطلع عام 2019، على لسان رئيس البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، وفي الوقت الحالي أيضا. 

 

وقال همتي في ذلك الوقت لوكالة “فارس” إنه وقع اتفاقا مع حاكم “مصرف سوريا المركزي” السابق، حازم قرفول، بشأن إنشاء وتطوير وإقامة علاقات الوساطة المصرفية بين البلدين. 

 

وتحدث أيضا عن إصدار رخصة إنشاء بنك مشترك بين إيران وسوريا في دمشق، مشيرا إلى أن “البنوك المركزية في البلدين ستبدأ عبر افتتاح الحساب بالتبادل المصرفي على أساس العملة الوطنية للبلدين، وتوفير إمكانية استخدام البطاقات المصرفية بين طهران ودمشق”. 

 

ويرى الباحث الاقتصادي، خالد تركاوي، لموقع “الحرة” أن “القطاع المصرفي في سوريا يشهد منذ مدة محاولات لإعادة هيكلة من قبل الجانب الإيراني”.  

 

ويضيف تركاوي “طهران تريد أن يكون هذا القطاع تحت جناحها، لا سيما أنها تعرف جيدا كيف تخرج عن العقوبات وتتهرب منها. المهم لها الآن توسيع الإمكانيات في هذا المجال”.  

 

ويوضح الباحث السوري أن إيران، وفي حال توغلها في القطاع المذكور “ستضمن بذلك ثمن البضائع التي تطرحها في الأسواق، سواء المسموحة أو الممنوعة، كالمواد الأولية أو النفط والمخدرات وحتى السلاح”.  

 

ويتابع: “نقل الأموال يحتاج إلى شبكة مصرفية، ويفترض أن تكون بين أيديهم. في هذا السياق تأتي محاولة الدخول في مختلف المصارف في القطاعين العام والخاص. هذه الحركة ليست بريئة”.  

 

وتنشط إيران في مختلف القطاعات الاقتصادية بسوريا، وكانت قد ركّزت مؤخرا على ضرورة دخولها في الأسواق السورية.  

 

وفي يونيو الماضي ذكرت وسائل الإعلام التابع للنظام أن وفدا من مؤسسة “إتكا” الإيرانية أجرى سلسلة جولات للأسواق السورية، في مسعى لتوقيع اتفاقيات وشراكات تبادل تجاري. 

 

وتتبع “إتكا” لوزارة الدفاع الإيرانية، ويديرها عيسى رضائي، وهو مدير مخضرم للشركات التي يملكها “الحرس الثوري” الإيراني، بحسب تقارير لوسائل إعلام أجنبية. 

 

وقال مدير عام “المؤسسة السورية للتجارة”، أحمد نجم، لصحيفة “الوطن”، في السادس من الشهر ذاته: “المناقشات مع إتكا تدور حول إمكانية إنشاء شركة سورية إيرانية تجارية مشتركة معها، لتبادل المنتجات وإحداث مركز تجاري في دمشق لعرض المنتجات الإيرانية”. 

 

“إدارة دين”

في غضون ذلك يقرأ مدير “منصة اقتصادي”، يونس الكريم، الإعلان المرتبط بتأسيس البنك الإيراني- السوري على أنه يندرج في عدة سياقات وأهداف، أولها “إدارة الدين السوري- الإيراني”. 

 

ويقول الكريم لموقع “الحرة”: “إيران تحاول إدارة أموالها في سوريا مع وجود مشاريع استثمارية لها، وتريد إدارتها من خلال ضخ السيولة. بالتالي فإن التحويل من وإلى سيكون بشكل صامت، بعيدا عن شركات الحوالات ونوعا ما عن البنك المركزي السوري”. 

 

إضافة إلى ذلك يشير الاستشاري الاقتصادي السوري إلى أن “طهران تريد شرعنة وجودها في سوريا، وتحويل ذلك من الوجود العسكري على الأرض إلى الوجود الاقتصادي”، معتبرا أن “هذا البنك هو أولى إشارات شعور إيران بأن الحل في البلاد وإعادة تعويم الأسد وإعادة الإعمار بات قريبا”. 

 

من جهته، يرى كرم شعار، الباحث السوري في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن، حامل درجة الدكتوراة في الاقتصاد، أن إيران تحاول مؤخرا إنشاء غرف تجارية مشتركة مع حكومة النظام ومعارض ومراكز تجارة لها.  

 

ويضيف شعار لموقع “الحرة” أن طهران “تحاول قدر الإمكان إبقاء العلاقة بين التجار والصناعيين على الضفتين سلسة. هذا الأمر يحفز التعامل التجاري لكن المشكلة أعمق ذلك بكثير”.  

 

وعند النظر بالصورة الأوسع، تشعر إيران في الوقت الحالي بأنها استثمرت على نحو أكبر من روسيا ببشار الأسد ونظامه، لكن الاستثمارات السيادية ذهبت بعيدا عنها وخاصة المتعلقة بالغاز والنفط.  

 

ويوضح شعار: “سوريا لا يوجد لديها أي شيء لتصديره إلى طهران. المنتجات الزراعية وإرسالها لبلد بعيد أمر غير مجد اقتصاديا، ولهذا السبب فإن العلاقات التجارية محدودة للغاية باستثناء النفط”.  

 

وبحسب الباحث الاقتصادي، يرى الإيرانيون “أنهم يستحقون أكثر من ذلك. النظام عوّض الروس بشكل أكبر، لكن هناك فارق أن الروس لديهم مقدرات تقنية إلى جانب المقدرات العسكرية والسياسية، بينما المقدرات الإيرانية في المجالات الكبيرة محدودة جدا”.

 

“لخرق العقوبات”

ويتراوح حجم التجارة السنوية بين إيران وسوريا بين 170 و180 مليون دولار، بحسب تقديرات إيرانية رسمية. 

 

في المقابل وبينما تخضع المصارف الإيرانية لعقوبات أميركية، طبّق الأمر ذاته قبل عامين على “مصرف سوريا المركزي”، والذي خضع أيضا لعقوبات من وزارة الخزانة الأميركية.  

 

ويقول الباحث في الشؤون الإيرانية، سامي حمدي، إن فكرة تأسيس المصرف المشترك (الإيراني- السوري) قديمة، لكن طهران تسعى من خلالها الآن لـ”فتح منفذ لخرق العقوبات”.  

 

وترى طهران في دمشق “حليفا استراتيجيا مهما، وفي ذات الوقت معزولا عن الدول الغربية ودول الخليج”. 

 

ويضيف حمدي لموقع “الحرة” أن إيران “تريد أن تستغل هذه العزلة لتوسع دائرة العلاقات مع دمشق. سواء السياسية أو العسكرية والاقتصادية”. 

 

ويربط الباحث بالشؤون الإيرانية موقف طهران في الوقت الحالي، سواء بتصريحات مسؤوليها أو الاتفاقيات المعلن عنها حديثا بـ”الجو العام” الذي تشهده سوريا، ومحاولات إعادتها إلى الحاضنة العربية.  

 

ويوضح ذلك بالقول إن “مساعي الدول العربية لإعادة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري قد تجعل بشار الأسد يتردد لتعزيز العلاقات مع طهران. هذا الأمر من المنظور الإيراني”.  

 

ويعتقد حمدي أن يكون إعلان تأسيس البنك المشترك نوعاً من “إبداء حسن النية. إيران تريد أن تأخذ جزاءها وفرصها في الاقتصاد السوري، وأن تستغل هذه الفترة من العزلة قبل أن يفكر الأسد ربما في تقليص أو وضع حد لعلاقاته معها”.  

 

وكان وزير الصناعة الإيراني، رضا فاطمي أمين، قال في أثناء زيارته لدمشق إن “سوريا تشهد الآن عملية إعادة إعمار، وإنه بالإمكان توظيف استثمارات جيدة بهذا المجال”. 

 

وأضاف “سوريا أيضا على أعتاب العودة للجامعة العربية، ولو تمكنا من تدشين صناعات تجميع فيها يمكن الاستفادة من التجارة الحرة بين الدول العربية لتوسيع صادراتنا، لتشمل مصر والأردن”. 

 

الحرة 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى