عقب الإعلان عن تحرير مدينة خيرسون الأوكرانية من الاحتلال الروسي قبل نحو أسبوعين، سادت مشاعر الفرح والابتهاج بين سكانها، ولكن الكثير منهم مضطر الآن إلى مغادرتها بعد أن أضحت أحياؤهم وشوارعهم جبهة قتال أمامية.
وفي تقرير نشرته صحيفة “التايمز” البريطانية، يقول المراسل إن المفارقة تكمن الآن في أن المدينة بعد تحريرها وجدت نفسها في خط مواجهة جديد عبر حرب مدفعية مكثفة.
فطوال النهار والليل، يتبادل الجانبان القذائف في مبارزة عبر ضفتي نهر دنيبرو، وإذا كانت القوات الغازية تزعم أنها تستهدف المواقع العسكرية، فإن الكثير من القذائف باتت تسقط على الأحياء المدنية، حيث أبلغت الحكومة المحلية عن وقوع 62 هجوما بالمدفعية منذ يوم الاثنين الماضي.
“عبء على الموارد”
وتتوقع القوات المسلحة الأوكرانية أن الأمور ستزداد سوءًا مع قادم الأيام، مناشدة نحو 100 ألف مواطن ممن بقوا في المدنية مغادرتها على وجه السرعة.
وقال المتحدث العسكري باسم القوات المدافعة عن المدينة، النقيب دميترو بليتينشوك: “تصر قوات دفاع خيرسون على أن يغادر الناس المدينة لأن الروس سوف يكثفون القصف”، مضيفا: “لقد أصبحت هذه البقعة خط مواجهة، والمدنيون لا يستطيعون مساعدة القوات المسلحة.. هم مجرد عبء على الموارد الطبية واللوجستية.”.
وتابع: “نحن مصرون على ضرورة مغادرتهم”.
ويعد خروج قوات الكرملين من خيرسون الانسحاب الثالث الكبير من حيث الحجم منذ بدء الغزو في 24 فبراير، إذ اضطرت روسيا للتراجع في الربيع خلال محاولتها السيطرة على كييف في مواجهة مقاومة أوكرانية شرسة، قبل طردها من منطقة خاركيف (شمال شرق) بشكل شبه كامل في سبتمبر، وفقا لـ”فرانس برس”.
“دفء الجيش الأوكراني”
وحاليا تعج محطة سكة حديد خيرسون بأشخاص يرتدون ملابس شتوية ثقيلة على أمل الحصول على مقعد لمغادرة المدينة، ومن بين هؤلاء سيدة عجوز تبلغ من العمر 71 عاما، تدعى تاتيانا، وتقول إنها استطاعت الصمود في مدينتها على مدى 8 شهور من الاحتلال، ولكنها مضطرة الآن لمغادرتها.
من جانبها تصر فيكتوريا، وهى أحد موظفي البلدية الذي يعدون قوائم الإجلاء، على أنه لا يوجد سبب للرحيل عن خيرسون.
وتردف شارحة وجهة نظرها: “ليست لدينا بنية تحتية على أي حال، لذا لا يمكن أن تزداد الأمور سوءًا.. ولدينا الكثير من مولدات الكهرباء وأنابيب المياه والكثير من المساعدات الإنسانية”.
وزادت: “كما أن وجود الجيش الأوكراني يجعلنا نشعر بالدفء”.
وخلال حديثها سمعت أصوات انفجارات، لتقول: “إذا كانت الأمور ستصبح على شاكلة ما حدث في مدينة ماريوبول فلاشك أننا سنغادر، ولكنني لن أفعل ذلك حتى يغمر الماء رأسي”.
وكانت خيرسون قد وقعت تحت الاحتلال الروسي في مارس الماضي بعد معركة قصيرة نسبيًا، متجنبة مصير شقيقتها، ماريوبول، حيث صمدت القوات الأوكرانية في مجمع الصلب في آزوفستال، وحيث أدى قصف الغزاة إلى تحويل جزء كبير من وسط المدينة إلى أنقاض.
تجارب قاسية
ومع ذلك، كان الاحتلال الذي دام ثمانية أشهر في خيرسون تجربة مؤلمة للعديد من الذين بقوا، بما في ذلك تاتيانا، فهي تتذكر الصعوبات التي واجهتها في شراء الطعام والحصول على الأدوية، بما في ذلك القطرات التي تحتاجها لعينيها، قائلة: “أنا شبه عمياء بدون تلك القطرات”.
وكان جيرانها قد عرضوا عليها خلال فترة الاحتلال الخروج من المدينة على متن حافلة إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا، بيد أنها لم تكن تملك القدرة المادية لتحمل عبء الرشاوى المطلوبة منها في كل نقطة من نقاط التفتيش الروسية والبالغ عددها 36 نقطة، وذلك قبل أن تصل إلى بر الأمان.
واليوم، فإن خروجها لا يزال صعبا، ولكن بسبب جهلها كيفية التعامل مع تطبيقات الهاتف، قائلة: “”طلبوا مني شراء تذاكر عبر التطبيق، بيد أنني لا أستطيع فعل ذلك.. وأنا أعيش وحيدة في الطابق السادس ولا يوجد عندي كهرباء ولا ماء ولا غاز”.
وقد تبنت روسيا السلاح الذي قد يكون أحد أكثر الأسلحة فعالية في الأشهر المقبلة، والمتمثل بـ”برد الشتاء”، إذ أفاد أهالي خيرسون، أن جنودًا من القوات الغازية قد دمروا خطوط الكهرباء وأبراج الهواتف المحمولة قبل انسحابهم من المدينة.
وقد فرضت قوات الكرملين، الأربعاء، عقابا مماثلا على باقي أنحاء البلاد، حيث نفذت 70 هجوما بصواريخ كروز على البنى التحتية في مختلف أنحاء البلاد، ونجم عنها مقتل نحو عشرة أشخاص، ستة منهم كانوا يتواجدون بمبنى سكني في ضواحي كييف، ويعد هذا خامس اعتداء من نوعه تنفذه موسكو في الآونة الأخيرة.
وجراء تلك الهجمات تضرر عشرات الملايين من الأوكرانيين بسبب انقطاع التيار الكهربائي على مستوى البلاد عقب الأضرار التي لحقت بمحطات الطاقة والبنية التحتية.
من جانبها، تقول السلطات الأوكرانية أنها أنشأت “مراكز لا تقهر” حيث يمكن للمواطنين إيجاد شبكات الكهرباء والتدفئة والماء والاتصالات، وإنها سوف تكافح من أجل تلبية احتياجات البلد بأكمله.
الحرة