بعد استهدافهم على مدار أسابيع سفنا تجارية في البحر الأحمر تضامنا مع قطاع غزة الذي يشهد حربا مع إسرائيل، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا فجر الجمعة ضربات على أهداف في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن.
وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الولايات المتحدة وبريطانيا وجهتا “بنجاح” ضربات للجماعة المدعومة من إيران، ردا على هجماتهم على سفن في البحر الأحمر، فيما أكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن الضربات كانت “ضروريّة” و”متناسبة”.
فيما أكد الحوثيون بدورهم أن “لا مبرر” للضربات متعهدين مواصلة الهجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل. وقالت قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين عبر موقعها الإلكتروني إن “عدوانا أمريكيا بمشاركة بريطانية” يستهدف مواقع في العاصمة صنعاء ومدن أخرى.
وأشارت القناة إلى أن الضربات طالت “قاعدة الديلمي الجوية” الواقعة في جوار مطار العاصمة صنعاء، و”محيط مطار الحديدة، مناطق في مديرية زبيد، معسكر كهلان شرقي مدينة صعدة، مطار تعز، معسكر اللواء 22 بمديرية التعزية، والمطار في مديرية عبس”.
وأفاد مراسلون لوكالة الأنباء الفرنسية في صنعاء والحديدة بسماع دوي ضربات متتالية وتحليق للطيران، تبعته أصوات سيارات إسعاف. وأظهرت مقاطع مصورة تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انفجارات تضيء السماء وأصوات دوي قوي وهدير طائرات.
وكُتب على أحدها أنها ضربات تستهدف قاعدة الديلمي الجوية، فيما كان مصوّر المقطع يقول إنه يُظهر “الضربة الصاروخية التي شُنّت قبل قليل”. ولم يتسن لوكالة الأنباء الفرنسية التحقق من صحة المشاهد بشكل فوري.
“ضربات ناجحة”
وقال بايدن في بيان “بتوجيه مني، نفذت القوات العسكرية الأمريكية – بالتعاون مع المملكة المتحدة وبدعم من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا – ضربات ناجحة ضد عدد من الأهداف في اليمن التي يستخدمها الحوثيون لتعريض حرية الملاحة للخطر في أحد الممرات المائية الأكثر حيوية في العالم”.
ووصف الضربات بأنها “رد مباشر” على ما مجموعه “27 هجوما” شنها الحوثيون على سفن وشملت “استخدام صواريخ بالستية مضادة للسفن للمرة الأولى في التاريخ”.
وتابع بايدن “هذه الضربات المُحدّدة الأهداف هي رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة وشركاءنا لن يتسامحوا مع الهجمات”.
في بيان مشترك، أعلنت الولايات المتحدة وأستراليا والبحرين وكندا والدانمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، أن “هدفنا يبقى متمثلا في تهدئة التوتر واستعادة الاستقرار في البحر الأحمر”.
وأوضح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أن الضربات استهدفت أجهزة رادار وبنى تحتية لمسيرات وصواريخ، مشيرا إلى أن الهدف يتمثل في “تعطيل وإضعاف قدرة الحوثيين على تعريض البحارة للخطر وتهديد التجارة الدولية”.
من جهته، قال سوناك في بيان “رغم التحذيرات المتكررة للمجتمع الدولي، واصل الحوثيون تنفيذ هجمات في البحر الأحمر، مرة أخرى هذا الأسبوع ضد سفن حربية بريطانية وأمريكية”، مضيفا “هذا لا يمكن أن يستمر (…) لذا اتخذنا إجراءات محدودة وضرورية ومتناسبة دفاعا عن النفس”.
“ضبط النفس”
وفي أول رد فعل عربي على الضربات الغربية، أعربت السعودية عن “قلق بالغ” في أعقاب الضربات التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على مواقع عدة في اليمن، داعية إلى “ضبط النفس” ومشددة في الوقت نفسه على “أهمية الاستقرار” في منطقة البحر الأحمر.
وإثر الضربات، توعّد نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين حسين العزي بالرد، قائلا “تعرضت بلادنا لهجوم عدواني واسع من سفن وغواصات وطائرات حربية أمريكية وبريطانية (…) يتعين على أمريكا وبريطانيا الاستعداد لدفع الثمن باهظا”.
وقبل ساعات من هذه الضربات، أكد زعيم المجموعة عبد الملك الحوثي أن أي هجوم أمريكي “لن يكون أبدا من دون ردّ”.
وقال المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام في منشور على منصة “إكس” لاحقا “نؤكد أنه لا مبرر أبدا لهذا العدوان على اليمن، فلم يكن من خطر على الملاحة الدولية في البحر الأحمر والعربي، والاستهداف كان وسيبقى يطال السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة”.
ويأتي ذلك بعد أسبوع على تحذير وجهته 12 دولة بقيادة الولايات المتحدة للحوثيين من أنهم سيواجهون عواقب في حال مواصلة استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر، أحد أهم الممرات المائية للتجارة العالمية.
أكثر من 25 عملية استهداف للسفن
وخلال الأسابيع الماضية، شن الحوثيون أكثر من 25 عملية استهداف لسفن تجارية يشتبهون في أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئ إسرائيلية، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، تضامنا مع الفلسطينيين.
وكان آخرها استهداف الحوثيين “سفينة أمريكية كانت تقدم الدعم لإسرائيل”، مستخدمين أكثر من 20 طائرة مسيرة وصاروخا فوق البحر الأحمر، أسقطتها القوات الأمريكية والبريطانية، في ما وصفته لندن بأنه “أكبر هجوم” ينفذه الحوثيون منذ بدء حرب غزة.
وشكلت واشنطن تحالفا دوليا في كانون الأول/ديسمبر – أطلِق عليه اسم “عملية حارس الازدهار” – لحماية الملاحة البحريّة في المنطقة التي يتدفق من خلالها 12% من التجارة العالمية.
ثم حذرت 12 دولة بقيادة الولايات المتحدة الحوثيين في الثالث من كانون الثاني/يناير من “عواقب” ما لم يوقفوا فورا الهجمات على السفن التجارية.
ودعا مجلس الأمن الدولي في قرار الأربعاء إلى وقف “فوري” لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، مطالبا كذلك كل الدول باحترام حظر الأسلحة المفروض عليهم.
ويبدو أن النقطة التي أفاضت الكأس بالنسبة إلى الحلفاء الغربيين جاءت في وقت مبكر الخميس، عندما قال الجيش الأمريكي إن الحوثيين أطلقوا صاروخا بالستيا مضادا للسفن على ممر شحن في خليج عدن.
وتسببت الهجمات المكثفة في تحويل شركات الشحن مسار سفنها للالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، ما أثار مخاوف من تضرر الاقتصاد العالمي.
لكن الضربات الغربية تهدد بتحويل الوضع المتوتر أصلا في الشرق الأوسط إلى نزاع أوسع نطاقا يضع الولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهة إيران وحلفائها الإقليميين.
ويسيطر الحوثيون على أجزاء شاسعة من شمال اليمن أبرزها العاصمة صنعاء وهم جزء من “محور المقاومة” الذي تقوده إيران ويضم أيضا أطرافا آخرين مناهضين لإسرائيل تدعمهم طهران في المنطقة، هم حزب الله اللبناني وفصائل عراقية وحركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان.
فرانس24/ أ ف ب