أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، تقريرها السنوي التاسع عن أبرز انتهاكات القوات الروسية منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015، مشيرةً فيه إلى مقتل 6969 مدنياً 44% منهم أطفال ونساء و1251 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد القوات الروسية.
وأشار التقرير إلى أن موقف روسيا كان واضحاً من الحراك الشعبي في سوريا في آذار/ 2011، والذي طالب بتغيير سياسي ينهي السيطرة المطلقة لعائلة الأسد على حكم سوريا منذ عام 1970، فقد وقفت بكامل قوتها السياسية إلى جانب النظام، وقدمت استشارات عسكرية، وصولاً إلى مرحلة التدخل العسكري المباشر.
يقول فضل عبد الغني مدير الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان: “على الرغم من آلاف الانتهاكات التي قامت بها روسيا في سوريا، فإنَّها لم تفتح تحقيقاً واحداً بانتهاك قواتها، ومحاسبة أي قائد عن قصف المشافي والأسواق والمدارس، بل إنَّها تنكر كافة التقارير الموثَّقة، وتتهمها بالتزوير والتضليل، وتنحدر بذلك إلى مستوى يماثل النظام السوري. يجب على روسيا تحمل مسؤولياتها القانونية، وفتح تحقيقات جدية، والبدء بتعويض الضحايا”
وتحدَّث التقرير عن مساهمة التدخل العسكري الروسي باستعادة النظام السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية بعد أن كانت قد خرجت عن سيطرته في الفترة بين 2011 – 2015، إضافة إلى أنَّ الدعم الروسي للنظام لم يتوقف بل امتدَّ هذا الدعم ليشملَ مختلف المجالات، بما في ذلك تبرير استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية، والتشكيك في تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، واستغلال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، وتسخير وسائل الإعلام في البروبوغندا لصالح النظام وتحسين صورة انتهاكاتها.
كما تجسّد دعم روسيا السياسي في الوقوف ضد أي إدانة دولية للنظام في مجلس الأمن، حيث عملت روسيا على شلل مجلس الأمن تجاه مساءلة النظام عن الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها، وذلك مِن خلال استخدام الفيتو 18 مرة، منها 4 مرات استُخدمت قبل التدخل العسكري، و14 مرة استُخدمت بعد تدخلها العسكري المباشر في سوريا عام 2015، مما يشير إلى تورطها في ارتكاب انتهاكات واسعة إلى جانب النظام ورغبتها في حماية نفسها من أية إحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى تصويتها في جميع دورات مجلس حقوق الإنسان أي 21 مرة، ضد كافة القرارات التي من شأنها أن تدين العنف والوحشية التي يتعامل بها النظام مع مخالفيه، بل وحشدت الدول الحليفة لها مثل: الجزائر وفنزويلا وكوبا وغيرها للتصويت لصالح النظام.
استعرض التقرير تحديثاً لحصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015 حتى 30/ أيلول/ 2024، واعتمد التقرير في إسناد مسؤولية هجمات بعينها إلى القوات الروسية على تقاطع عدد كبير من المعلومات وتصريحات لمسؤولين روس، إضافة إلى عدد كبير من الروايات.
أورد التقرير أنَّه بالاستناد إلى قاعدة بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد تسببت القوات الروسية بمقتل 6969 مدنياً بينهم 2055 طفلاً و983 سيدة (أنثى بالغة)، وما لا يقل عن 362 مجزرة، وأظهر تحليل البيانات أنَّ العام الأول للتدخل الروسي (2015-2016) شهد أعلى معدل للضحايا، حيث بلغ العدد الإجمالي 3564 مدنياً، وهو ما يمثل حوالي 51% من إجمالي الضحايا خلال السنوات التسع. فيما سجلت محافظة حلب الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 41%) بين المحافظات السورية، تلتها إدلب (قرابة 38%).
كما وثَّق التقرير قتل القوات الروسية 70 من الكوادر الطبية، بينهم 12 سيدة، جلهم في محافظة إدلب (31 ضحية)، وكانت الحصيلة الأعلى لهؤلاء الضحايا في العام الأول، وسجل مقتل 24 من الكوادر الإعلامية جميعهم قتلوا في محافظتي حلب وإدلب.
وطبقاً للتقرير فقد ارتكبت القوات الروسية منذ تدخلها العسكري حتى 30/ أيلول/ 2024 ما لا يقل عن 1251 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة، بينها 224 مدرسة، و209 منشأة طبية، و61 سوقاً، وبحسب الرسوم البيانية التي أوردها التقرير فقد شهد العام الأول للتدخل الروسي 452 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية. كما شهدت محافظة إدلب الحصيلة الأعلى من حوادث الاعتداء بـ 633 حادثة، أي ما نسبته 51% من الحصيلة الإجمالية لحوادث الاعتداء.
كما سجل التقرير ما لا يقل عن 237 هجوماً بذخائر عنقودية، إضافةً إلى ما لا يقل عن 125 هجوماً بأسلحة حارقة، شنَّتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015.
وجاء في التقرير أنَّ حجم العنف المتصاعد، الذي مارسته القوات الروسية كان له الأثر الأكبر في حركة النُّزوح والتَّشريد القسري، وساهمت هجماتها بالتوازي مع الهجمات التي شنَّها الحلف السوري الإيراني في تشريد قرابة 4.9 مليون نسمة، معظم هؤلاء المدنيين تعرضوا للنزوح غيرَ مرة.
استنتج التقرير أنَّ النظام الروسي تورَّط في دعم النظام الذي ارتكب جرائم ضدَّ الإنسانية بحقِّ الشعب السوري، عبر تزويده بالسلاح والخبرات العسكرية، وعبر التدخل العسكري المباشر إلى جانبه، وأوضح التقرير أنَّ روسيا استخدمت الفيتو مرات عدة على الرغم من أنَّها طرف في النزاع السوري، وهذا مخالف لميثاق الأمم المتحدة، كما أنَّ هذه الاستخدامات قد وظَّفها النظام للإفلات من العقاب.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، وأوصى المجتمع الدولي بزيادة جرعات الدعم المقدَّمة على الصَّعيد الإغاثي. والسَّعي إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية بشأن هذه الجرائم أمام المحاكم الوطنية، في محاكمات عادلة لجميع الأشخاص المتورطين. ودعم عملية الانتقال السياسي والضغط لإلزام الأطراف بتطبيق الانتقال السياسي ضمن مدة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر.