قالت “هيومن رايتس ووتش”، إن السوريين الفارين من العنف في لبنان يواجهون مخاطر القمع والاضطهاد على يد حكومة الأسد عند عودتهم، بما يشمل الإخفاء القسري، والتعذيب، والوفاة أثناء الاحتجاز.
وفي تقرير لها، قالت المنظمة إنها وثقت أربع اعتقالات بحق أشخاص عائدين خلال هذه الفترة، بينما أفادت مجموعات أخرى، منها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، عن عشرات حالات الاعتقال الإضافية.
في العام 2024، توفي في ظروف مريبة رجلان سوريّان على الأقل كان قد تم ترحيلهما من لبنان وتركيا إلى سوريا في العام 2023 واحتجزتهما حكومة الأسد منذ حينها، بينما ما يزال اثنان آخران اعتُقلا في لبنان مخفيَّيْن قسرا منذ تسليمهما إلى سلطات الأسد في يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز، بحسب مصادر مطلعة للمنظمة.
وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “يُجبر السوريون الفارون من العنف في لبنان على العودة إلى سوريا، حتى مع بقاء سوريا غير صالحة للعودة الآمنة أو الكريمة وفي غياب أي إصلاحات ذات مغزى لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح. الوفيات المريبة للعائدين أثناء احتجازهم تسلّط الضوء على الخطر الصارخ المتمثل في الاحتجاز التعسفي والانتهاكات والاضطهاد بحق الفارين والحاجة الملحة إلى مراقبة فعالة للانتهاكات الحقوقية في سوريا”.
وتستمر حكومة الأسد والجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء من سوريا في منع المنظمات الإنسانية والمنظمات الحقوقية من الوصول الكامل وغير المقيد إلى جميع المناطق، بما يشمل مواقع الاحتجاز، ما يعيق جهود التوثيق ويحجب الحجم الحقيقي للانتهاكات، بحسب المنظمة.
وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ثلاثة سوريين في لبنان وثمانية سوريين عادوا إلى سوريا، وكذلك أقارب خمسة رجال اعتقلتهم سلطات الأسد بعد عودتهم من لبنان في أكتوبر/تشرين الأول. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات بشأن مصير المرحّلين مع باحثَيْن حقوقيَّيْن سوريَّيْن، بالإضافة إلى مقابلات مع أشخاص آخرين عدة، منهم أقارب المرحّلين.
من الاعتقالات الخمسة الأخيرة التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول، وقع اعتقالان عند معبر الدبوسية الحدودي بين شمال لبنان وحمص، وفي إحدى الحوادث، اعتُقل شخصان عند حاجز بين حلب وإدلب. قال الأقارب إن جهاز “المخابرات العسكرية” التابع للأسد هو من نفذ جميع الاعتقالات، من دون تقديم أي معلومات إلى العائلات حول أسباب الاعتقالات أو مكان احتجاز المعتقلين.
في لبنان، تشيرالتقارير إلى أن ملاجئ عديدة تمنح الأولوية للنازحين اللبنانيين والفلسطينيين مع منع دخول السوريين إليها، وأن بعض أصحاب المساكن طردوا مستأجريهم السوريين لإفساح المجال للنازحين اللبنانيين. حتى قبل الهجوم الإسرائيلي، عاش السوريون في لبنان في بيئة قسرية، مصممة لإجبارهم على التفكير في العودة إلى سوريا. واجهوا ظروفا قاسية، وتصاعد العداء للأجانب، والترحيل.
يزعم بعض القادة الأوروبيين بشكل متزايد أن سوريا آمنة للعودة، ما يحفّز سياسات قد تلغي الحماية الممنوحة للاجئين رغم استمرار المخاوف الأمنية والحقوقية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه في ظل شبكات المعلومات غير الموثوقة والمراقبة غير الكافية من قبل الوكالات الإنسانية، ينبغي للبلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين إدراك أن سوريا ما تزال غير آمنة للعودة وأن توقف فورا أي عمليات عودة قسرية أو بدون احترام الإجراءات الواجبة، أو أي خطة لتسهيل مثل هذه العودة.
وتابعت المنظمة: “ينبغي لمفوضية اللاجئين البقاء على موقفها المنشور في مارس/آذار 2021 والمتمثل في أن سوريا غير آمنة للعودة وأنها لن تشجع العودة أو تسهّلها حتى يتم ضمان الظروف الآمنة والكريمة. وبالإضافة إلى ذلك، انطلاقا من إطارها التشغيلي الإقليمي لعام 2019 لعودة اللاجئين إلى سوريا، ينبغي لها الدفع بشكل عاجل من أجل إنشاء آلية مستقلة وفعالة للحماية والرصد في سوريا تتمكن من خلالها المنظمات الإنسانية من رصد الانتهاكات الحقوقية بحق العائدين والإبلاغ عنها”.
قال كوغل: “سوريا ليست أكثر أمنا للعودة مقارنة بما كانت عليه من قبل، لكن المخاطر المتصاعدة في لبنان تجعل العديد من السوريين بلا مكان آخر يذهبون إليه. عودتهم ليست علامة على تحسن الظروف في سوريا، بل هي حقيقة صارخة مفادها أنهم محرومون من البدائل الأكثر أمنا ويجبرون على العودة إلى بلد لا يزالون يواجهون فيه مخاطر الاعتقال والانتهاكات والموت”.
وبعيدا عن الأعمال العدائية النشطة، يشكل اضطهاد حكومة الأسد لمن يُشتبه بتأييدهم لآراء المعارضة تهديدا للاجئين العائدين، الذين يُنظر إليهم عادة بريبة بغضّ النظر عن آرائهم السياسية. وثّقت هيومن رايتس ووتش اعتقالات تعسفية وتعذيب وقتل للاجئين العائدين منذ 2017.