كشف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، الثلاثاء، تفاصيل زيارته لمدينة بوتشا، التي تواجه روسيا فيها اتهامات بارتكاب جرائم حرب ضد مدنيين.
وقال زيلنسكي في مداخلة بالفيديو باجتماع لمجلس الأمن الدولي لبحث مستجدات الأوضاع في أوكرانيا بسبب الاجتياح الروسي: “مؤخرا عدتُ من زيارة أجريتها لمدينة بوتشا التي تم تحريرها من سيطرة القوات الروسية، والتي لم تبعد كثيرا عن كييف، لذا لم تكن هناك جريمة لم يكونوا مستعدين لعدم ارتكابها”.
وأضاف أن الجيش الروسي “بحث قصدا، وقتل أي شخص قام بخدمة دولتنا، أطلقوا النار وقتلوا نساء أمام منازلهن فقط لأنهن حاولن مناداة من ظل على قيد الحياة، قتلوا عائلات بأكملها، بالغين وأطفالا، وحاولوا حرق الجثث”.
وأكد “أنا أخاطبكم اليوم نيابة عن الأشخاص الذين يحيون ذكرى المتوفين كل يوم، ذكرى المدنيين الذين قتلوا بالرصاص في مؤخرات رؤوسهم بعد تعرضهم للتعذيب، بعضهم أطلقت عليه النيران في الشارع، آخرون تم رميه في الآبار، ماتوا بمعاناة، قتلوا في المباني السكنية برمي القنابل اليدوية، مدنيون سحقوا بالدبابات خلال جلوسهم في سيارتهم في الشارع، فقط للتسلية”.
وأشار إلى أن القوات الروسية “قطعت أطرافهم ونحروهم، النساء اغتصبن وقتلن أمام أطفالهن، قطعت ألسنتهم لأنه لم يعجبهم ما نطقوا به”.
وقال: “هذا لا يختلف كثيرا عن منظمات إرهابية مثل داعش، الذي احتل أجزاء من الأراضي (..) مدمرا الوحدة الداخلية والحدود بين الدول .. يحرص على تنفيذ سياسة دائمة بتدمير الاختلافات الدينية والعرقية ويشعل الحروب ويمهد قواته بشكل يقتل فيه أكبر عدد من المدنيين لتتحول المدن التي يتركها جنوده إلى خراب، مليئة بالمقابر الجماعية، وينادي بخطاب الكراهية على مستوى الدولة والسعي لتصديره إلى دول أخرى باستغلال أنظمة البروباغندا والفساد السياسي”.
وشدد على أن الروس “يقودون أزمة غذائية قد تفضي إلى مجاعات عبر أفريقيا وآسيا ودول أخرى ليحدث الفوضى في تلك الدول ويدمر أمنها القومي”.
وتساءل الرئيس الأوكراني في خطابه: “ما هو الأمان الذي يجدر على مجلس الأمن ضمان توفيره؟.. هناك مجلس للأمن، لكن أين السلام؟ أين الضمانات التي يتوجب على الأمم المتحدة توفيرها؟”، ليستدرك قائلا: “من الواضح أن الهيئة الأساسية في العالم التي تقع على عاتقها مهمة كبح أي عملية قد تهدد السلام لا تعمل بفعالية وبكل بساطة، الآن العالم يمكنه أن يرى ما ارتكبته القوات الروسية خلال احتلالها بوتشا، العالم لم ير بعد ما حصل في مناطق أخرى خضعت للاحتلال في دولتنا”.
وأكد زيلنسكي أن “الجغرافيا قد تختلف، إلا أن القسوة والجرائم هي ذاتها والمحاسبة يجب أن تكون أمرا محتما، سيداتي وسادتي أود أن أذكركم بالمادة الأولى والفقرة الأولى في ميثاق مجلس الأمن، ما هو الغرض من منظمتنا؟ هو الحرص على إبقاء السلام وضمان الالتزام بالسلم”.
وقال إن ميثاق الأمم المتحدة بات هو أيضا في مرمى النيران والانتهاكات الروسية، مشيرا إلى أن روسيا “ارتكبت أسوأ جرائم حرب شهدها العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، القوات الروسية تحول المدن الأوكرانية إلى رماد من خلال الغارات الجوية والقصف بالمدفعيات هم يحظرون حركة المساعدات الإنسانية ويخلقون مجاعات جماعية ويطلقون النيران على صفوف المدنيين في الشوارع خلال محاولتهم الهروب من الاعتداءات، بل تعمدوا تفجير الملاجئ حيث يختبئ المدنيون من الغارات الجوية، يتعمدون خلق بيئات في المدن التي تقع تحت سيطرتهم ليضمنوا مقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين فيها”.
وأضاف “مجزرة مدينة بوتشا تعد للأسف مثالا واحدا على ما فعله المحتلون على أراضينا خلال الـ 41 يوما الماضية، وهناك العديد من المواقع المماثلة التي لم ير العالم بعد حقيقة ما لحق بها”.
وقال: “أعلم، وكلكم تعلمون، جيدا ما سيقوله الممثلون عن روسيا استجابة لهذه الجرائم، قالوها مرارا، من أبرز ما قالوه كان عند إسقاط الطائرة الماليزية في دونباس بأسلحة روسية، أو ما فعلوه في سوريا، سيلقون باللوم على الجميع لتبرير تصرفاتهم”.
وأكد أن الروس “سيقدمون روايات مختلفة للموقف الواحد وسيصعب تحديد أي نسخة منها هي الحقيقية، سيدعون أن جثث القتلى تم رميها في الشارع وأن كل الفيديوهات تم تدبيرها لمحاكاة الحقيقة”.
واستدرك قائلا: “لكننا في 2020 اليوم، هناك صور بالأقمار الصناعية يمكننا إجراء تحقيق مستقل وشفاف، وهذا ما يهمنا، أن نسمح بوصول مفتوح للصحفيين والتعاون الكلي مع المنظمات الدولية وانخراط محكمة الجنايات الدولية، الحقيقة بأكملها ومحاسبة تامة”.
وشدد زيلنسكي أن هذا يجب أن يكون من أبرز الأولويات لدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن “لمحاسبة أولئك من يرون نفسهم بأنهم مميزون، ويعتقدون بأنه يمكنهم التملص من أي فعلة، لذا يجب أن نريهم والمجرمين حول العالم كيف يمكن معاقبتهم، فإن حاسبنا المجرم الأكبر سنحاسب الجميع”.
ونوه الرئيس الأوكراني إلى أن “القيادة الروسية تشعر بأنها مستعمِرة في القرون القديمة، فهي تحاول الحصول على ثرواتنا وسكاننا، روسيا قامت بترحيل مئات الآلاف من مواطنينا إليها، واختطفت أكثر من ألفي طفل.. روسيا ترغب في تحويل الأوكرانيين إلى عبيد صامتين”.
وأضاف أن “الجيش الروسي ينهب علنا المدن والقرى التي يسيطر عليها، يسرقون كل شيء بدءا من الطعام وصولا إلى أقراط الذهب التي سحبت مضرجة بالدماء”.
وأكد “نحن نتعامل مع دولة تحول الفيتو (حق النقض) في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إلى حق الموت، هذا يصغر من شأن الأمن العالمي، ويجب ألا يمر دون محاسبة”.
وقال: “إن تواصل هذا فإن الدول ستقتصر على الأسلحة فقط من أجل ضمان أمنها وليس إلى القانون الدولي ولا الاعتماد على المنظمات الدولية وستغلق الأمم المتحدة أبوابها، أيها السيدات والسادة، هل أنتم مستعدون لإغلاق الأمم المتحدة؟ هل توافقون أن وقت تنفيذ القانون الدولي قد مضي؟ إن كانت إجابتكم بـ ‘كلا’، يجب عليكم إذا التصرف فورا، عليكم أن تعيدوا إقرار ميثاق الأمم المتحدة على الفور، وإعادة تأسيس الهيكلة كي لا يصبح الفيتو حقا للموت، وأن يكون هناك تمثيل عادل لكافة دول العالم في مجلس الأمن الدولي”.
وأضاف “المجازر التي وقعت من سوريا إلى الصومال، ومن أفغانستان إلى اليمن وليبيا كان يجب أن يتم إيقاف ذلك كله منذ وقت طويل، وسأقول الحقيقة: إن تمكن الطغيان من الحصول على رد فعل واحد على تصرفاته الحربية كان سيندثر.. وكان العالم سيتغير حتما، ولم تكن هناك معركة تشتعل في بلادي ضد الشعب الأوكراني والمدنيين”.
وأضاف أن “العالم شاهد ما حصل عند احتلال إقليم القرم، والحرب في جورجيا وسلب ترانسنيستريا من مولدوفا وكيف حضرت روسيا قواتها قرب الحدود مع دول أخرى”.
واقترح الرئيس الأوكراني أن يتم نزع حق النقض من روسيا خلال محاسبتها على جرائم الحرب التي تتهم بارتكابها، وأن يتم تعديل نظام الأمن الدولي وضمان الأمن الحدودي والسلام العالمي.
وفي السابع والعشرين من فبراير، احتلّ الجيش الروسي بوتشا التي تبعد حوالي 30 كلم عن شمال غربي مدينة كييف، مغلقا كلّ المنافذ المؤدّية إليها لأكثر من شهر.
وتوقّفت العمليات الروسية في الحادي والثلاثين من مارس ولم يتسنّ للقوّات الأوكرانية دخول المدينة بالكامل إلا بعد ذلك التاريخ.
وأعلنت المدعية العامة في أوكرانيا، إيرينا فينيدكتوفا، العثور على جثث 410 مدنيين في بوتشا وأنحاء أخرى من منطقة كييف التي استعادتها مؤخرا أوكرانيا من القوات الروسية.
وأكد المسؤولون الأوكرانيون وشهود عيان وجود عشرات الجثث ملقاة على جانبي الطرق في المدينة، كما أن بعضها مقيد من الخلف.
ونفت روسيا، من جانبها كلّ الاتهامات الموجّهة إليها متهمة الغرب بتدبير عملية “تزييف” كبيرة.
الحرة