يجمع غلاء المعيشة بين دول عربية عدة في الشرق الأوسط، مع بداية شهر رمضان، الخميس، ويعاني الكثيرون من التضخم وارتفاع أسعار السلع والمحروقات وغيرها من السلع الأساسية.
ويأتي رمضان هذا العام في ظل أزمات مستمرة، تفاقمت حدتها بسبب الحرب في أوكرانيا، والزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا وأودى بحياة أكثر من 52 ألف شخص، في فبراير الماضي.
العراق
وفي العراق يشتكي كثيرون من الأوضاع السيئة ومن غلاء المعيشة، وتقول مواطنة تدعى، أم بلال، لرويترز بعد شراء بعض التوابل اللازمة لإعداد الطعام لعائلتها من سوق الشورجة في بغداد “لا لا ما نقدر (…) بالنسبة للأسعار تفاجأنا من الأسعار أما جينا (السوق)، ما متوقعين هذا الشيء (…) لما جينا للسوق وشفنا لا ما عندي إمكانية”.
وخلف منضدته التي يعرض عليها مكسرات وتوابل، وقف أحد البائعين في السوق وقال إن متجره عادة ما يكون أكثر ازدحاما قبل رمضان، وقال “السوق فارغ، كان هناك حركة كثيرة في مثل هذه الأيام العام الماضي (…) والوضع تعبان بسبب الدولار والأسعار العالية”.
وبحسب المستشار الاقتصادي، علي جبار، يرجع أحد أسباب زيادة أسعار المواد الغذائية إلى ارتفاع قيمة الدينار العراقي والتفاوت بين السعر الرسمي لصرفه وسعره في السوق الحرة مقابل الدولار.
الأردن
وفي الأردن يخيم ارتفاع الأسعار على مظاهر شهر الصيام، مثل “مونة رمضان” وولائم الإفطار.
وعادة ما يستعد الأردنيون لشهر رمضان قبل أسبوع من حلوله بالإقبال على الأسواق وشراء مستلزماتهم من الطعام والشراب أو ما يطلق عليه “مونة رمضان”، وفقا لرويترز.
وبحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية فإن معدل التضخم في فبراير الماضي ارتفع إلى 4.25 في المئة على أساس سنوي.
ويستورد الأردن نحو 80 في المئة من غذائه وفقا للأرقام الرسمية، وبكلفة تتجاوز سنويا أربعة مليارات دولار.
ويقول محمد عبيدات رئيس جمعية حماية المستهلك لرويترز “تلقينا خلال الفترة الماضية شكاوى تتعلق بارتفاع أسعار الدواجن”، وطالب وزارة الصناعة والتجارة والتموين تكثيف الرقابة على كافة الأسواق.
اليمن
وفي اليمن تطغى أزمة غاز الطهي على المشهد، وتخنق اليمنيين مع حلول شهر رمضان.
ولا يستطيع رمزي سالم بن ثابت، الموظف الحكومي من محافظة حضرموت بجنوب شرق اليمن، وصف حجم المعاناة من أجل توفير اسطوانة الغاز المنزلي.
ويحصل بن ثابت على اسطوانة غاز الطهي بمشقة تضاعف من أوجاع اليمنيين ومعاناتهم في ظل أزمات معيشية متتالية يتعرض لها بلد يعاني بالفعل من تدهور الأوضاع الاقتصادية جراء انهيار العملة وارتفاع الأسعار وانعدام الخدمات، خلال حرب دفعت بواحدة من أفقر الدول العربية إلى حافة المجاعة.
وألقت الأزمة بظلالها على حياة المواطنين مع شح المعروض من غاز الطهي، واختلال في حصص التوزيع، وارتفاع قياسي في الأسعار في محطات تعبئة الغاز الخاصة بنسبة 100 في المئة.
وأعرب سكان في المكلا وعدن وتعز عن غضبهم من استمرار أزمة الغاز المنزلي الخانقة، وسط عجز حكومي عن توفيره.
وتفاقمت الأوضاع الاجتماعية والمعيشية مع هبوط قيمة الريال اليمني مما تسبب في ارتفاع أسعار معظم السلع والمواد الغذائية والخدمات. كما تشهد أسعار الخضراوات والفواكه والسلع الضرورية ارتفاعا كبيرا.
واليمن غارق في صراع دام حصد أرواح عشرات الآلاف منذ أن أطاحت جماعة الحوثي، المتحالفة مع إيران، بالحكومة من صنعاء في أواخر عام 2014.
ودمر الصراع اقتصاد اليمن وشرد الملايين، وجعل أسعار المواد الغذائية بعيدة عن متناول كثيرين.
مصر
وفي مصر يحل رمضان في وقت يعاني فيه السكان أيضا من انهيار قيمة الجنيه مقابل الدولار، وارتفاع كبير في الأسعار، وتقول رويترز إن الكثير من المصريين يعتمدون على الدفع بالتقسيط لمواجهة التضخم.
وقال مستهلكون ورواد في مجال الصناعة لرويترز إن المصريين يعتمدون بشكل متزايد على الدفع بالتقسيط ليس فقط لشراء سلع باهظة الثمن ولكن لشراء سلع عادية رخيصة نسبيا مثل الملابس والبقالة، في وقت تواجه فيه الدولة ارتفاعا قياسيا في التضخم.
وتسارع التضخم في مصر إلى أعلى مستوياته في خمس سنوات، بعد أن عصفت الحرب في أوكرانيا بالأوضاع المالية، وهوت قيمة العملة بنحو 50 في المئة منذ مارس 2022.
لبنان
وفي لبنان الذي يعاني سكانه من أزمة معيشية منذ عام 2019، يسجل تدهور متواصل في قيمة الليرة اللبنانية في ظل أزمة اقتصادية وسياسية خانقة.
وتم تسجيل تدهور جديد للعملة اللبنانية منتصف مارس، إذ تجاوز سعر صرف الدولار في السوق الموازية عتبة مئة ألف ليرة، وهو رقم قياسي.
وللمقارنة، كان سعر الصرف في الوقت نفسه من العام الماضي قرابة 15 ألف ليرة، علما أن السعر الذي كان سائدا على مدى العقود السابقة هو 1500 ليرة.
ويتزامن ذلك مع أزمة سيولة حادة وتوقف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار.
ومنذ صيف عام 2019، يشهد لبنان أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي بين الأسوأ منذ العام 1850، وتعتبر الأسوأ في تاريخ لبنان.
وارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل هائل منذ عام 2019. ويفيد البنك الدولي أن نسبة التضخم بلغت 332% من يناير 2021 إلى يوليو 2022، وهي الأعلى في العالم.
ويزيد الشلل السياسي الوضع سوءا، في ظل فراغ رئاسي منذ أشهر تدير خلاله البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزيف الحاصل.
سوريا
ويحل شهر رمضان على السوريين هذا العام مع مؤشرات اقتصادية خطيرة، تعكس حالة الفقر والتشرد والجوع التي يعاني منها أبناء هذا البلد الذي مزقته الصراعات السياسية والتدخلات الخارجية، هذا فضلا عن أكثر من نصف مليون قتيل سقطوا خلال الحرب.
وحسب منظمات عالمية فإن أكثر من نصف عدد السكان في سوريا، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويغطي متوسط الأجر الشهري حاليا نحو ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط، هذا فضلا عن التخفيضات المستمرة بقيمة الليرة السورية، التي تتخطى في السوق الموازية الـ10 آلاف ليرة.
وأشار برنامج الأغذية العالمي، في مارس الحالي، إلى أن نحو 12.1 مليون شخص في سوريا أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مما يجعلها من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.
ويعزى هذا التدهور في الأمن الغذائي إلى أسباب عدة، من بينها اعتماد البلاد الشديد على الواردات الغذائية، بعدما كانت تتمتع باكتفاء ذاتي في إنتاج الغذاء في الحقبة الماضية، فضلا عن آثار الصراع. بالإضافة إلى الدمار الذي خلفته الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا مؤخرا، والتي فاقمت الاحتياجات الإنسانية الكبيرة بالفعل، وفق المنظمة الدولية.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإن متوسط الأجر الشهري في سوريا يغطي حاليا نحو ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط. وتظهر أحدث البيانات أن سوء التغذية آخذ في الارتفاع، مع وصول معدلات التقزم بين الأطفال وسوء التغذية لدى الأمهات إلى مستويات غير مسبوقة.
السودان
وفي السودان، يحل شهر رمضان هذا العام في ظل وعد بعصر سياسي جديد، وتشهد البلاد فوضى سياسية منذ الانقلاب الذي أطاح بالحكومة في أكتوبر عام 2021، وقد تشكل حكومة انتقالية جديدة قبل نهاية رمضان كما وعد الجيش الحاكم وقوى سياسية أخرى هذا الأسبوع.
ووسط حالة عدم اليقين تلك، يشترك الكثير من السودانيين في الشكوى من ارتفاع تكاليف المعيشة. وتقول فاطمة حامد إن أسعار جميع الأطعمة ومكوناتها وصلت إلى الضعف مقارنة بالعام الماضي.
ولا تزال الكثير من الدول العربية تعاني من التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، حيث تعتمد معظمها على واردات الحبوب من أوروبا الشرقية.
تونس
وفي سوق باب الفلة الذي كان مكتظا يوما ما بتونس العاصمة، جعل ارتفاع الأسعار المتسوقين غير قادرين على شراء الطعام في رمضان كما كان الأمر في السنوات الماضية.
”بالكاد أنفقت الأربعين دينارا (حوالي 13 دولار) التي أعطاني إياها زوجي في شراء خضروات ودجاجة وبعض البهارات فقط”، حسبما قالت سيدة تونسية ذكرت اسمها الأول فقط، فاطمة، لوكالة أسوشيتد برس.
أعباء كبيرة
ويواجه المواطنون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعباء كبيرة بقدوم شهر رمضان، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث ارتفعت معدلات التضخم في غالبية دول المنطقة.
ويؤكد خبراء تحدثوا لموقع “الحرة” أن الأصل في شهر رمضان عدم “التبذير”، ولكن العادات الاستهلاكية المتضخمة تطغى على الولائم الرمضانية.
وأوضحوا أن جائحة كورونا وارتفاع الأسعار أثرا كثيرا خلال الفترة الماضية، ولكن مع ذلك تبقى العادات الاستهلاكية التي تصل لحد “التبذير” قائمة في رمضان لأسباب عديدة.
ويعزى التضخم إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا، وإلى الأضرار التي تسببت بها جائحة كورونا للاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية والمشاكل المناخية المتزايدة.
الحرة