ابتكر فريق من الباحثين والمهندسين التونسيين نظاما ذكيا لمساعدة المكفوفين على التنقل، عبر نظارة مجهزة بكاميرات تستخدم الذكاء الصناعي لمعالجة صور الفيديو وتحويلها إلى إشارات صوتية، وتوفر لمستخدمها بيانات مفصلة عن طبيعة الأشياء التي من حوله.
ويتوقع الباحثون أن يوفر هذا الابتكار في صيغته النهائية معلومات دقيقة وكافية، تمكّن فئة المكفوفين من ممارسة حياتهم بصفة شبه طبيعية.
الإبصار من خلال السمع
وفي حوار خاص مع الجزيرة نت، قال الأستاذ عبد الرزاق الحشاني المحاضر التكنولوجي في المدرسة العليا الخاصة للتكنولوجيا والهندسة بتونس “إن النظام المبتكر أنجز في إطار أحد المشاريع التطبيقية المدمجة التي ينجزها طلاب الهندسة في السنوات النهائية، لابتكار حلول تقنية تكون ذات جدوى ولها طابع تجديد تكنولوجي”.
ويضيف رئيس فريق البحث حول إنترنت الأشياء و”تكنولوجيات تحديد الهوية بموجات الراديو” (RFID) بالمدرسة “إن أغلب الابتكارات التي تهم فاقدي حاسة البصر تتركز على تطوير العصا البيضاء التي تمكنهم من التعرف على محيطهم الضيق فقط، ولا يتجاوز مداها المتر الواحد. لذلك، كانت غايتنا هي العمل على إيجاد حل تقني يساعد المكفوفين في التنقل بأكبر قدر ممكن من الاستقلالية، من خلال توفير معطيات حول الأجسام المادية المحيطة به”.
وكانت الفكرة الأساسية للمشروع -بحسب المتحدث- هي تصميم نظام يجعل هذه الفئة “تبصر من خلال السمع”. ويتركب هذا النظام من نظارة ذكية مجهزة بكاميرات لالتقاط صور فيديو للمكان المحيط بالمستخدم، ثم معالجتها لتحويلها إلى إشارة صوتية تنقل إليه عبر سماعات وتساعده على التحرك وسط هذا الفضاء دون مخاطر.
خوارزميات تحول الصورة إلى صوت
وتمثل التحدي الرئيسي الذي واجهه الفريق في كيفية تحويل محتوى الصور إلى معلومات صوتية، وهي تقنية متوفرة حاليا، دون اللجوء لاستخدام أجهزة ثقيلة ومكلفة تقوم بالمعالجة، “فهذه العملية تتطلب موارد حسابية كبيرة وسرعة المعالجة حتى تكون ذات جدوى”، كما يقول الحشاني.
استخدم الفريق الهاتف الذكي لمعالجة الصور، ونجح في تطوير خوارزميات جديدة قادرة على تصنيف الأجسام التي يمكن أن تتواجد في المحيط بحسب طبيعتها (إنسان، حيوان، سيارة، شجرة..)، ثم تحويل مجموعة من البيانات حولها إلى إشارات صوتية يتلقاها المستخدم خلال ثانيتين فقط.
كما تضمن النظام الذكي سوارا يوضع في معصم المستخدم الكفيف، يعمل بالموجات فوق الصوتية، للتعرف على الأجسام القريبة جدا منه، وهو مجهز بجهاز لقياس تسارع حركة اليد يمكّن من إرسال إنذار -عند السقوط أو التعرض للخطر- إلى مركز طوارئ على سبيل المثال، مع تحديد موقع الشخص.
وأظهرت نتائج اختبار النموذج الأولي للنظام الجديد نتائج مشجعة من حيث أداؤه في التعرف على الأجسام المحيطة بالمستخدم، من خلال معالجة الصور التي تلتقطها النظارة ثم تحويلها إلى إشارات صوتية عبر سماعات يضعها في الأذن.
وفي مرحلة ثانية، “سيعمل فريق الباحثين والمهندسين -قبل تسويق هذا الابتكار- على تطوير الخوارزميات المستخدمة للتمكن من تغطية أكبر قدر ممكن من التصنيفات، ومد الكفيف بمعطيات أكثر دقة حول الأجسام المحيطة به، وجعله كأنه يبصر”، بحسب ما يقول الباحث التونسي عبد الرزاق الحشاني.
يذكر أن فريق البحث الذي أنجز هذا الابتكار ضمّ إلى جانب الحشاني، الأستاذ رضوان مسعودي، إضافة إلى 6 طلبة مهندسين بالمدرسة العليا الخاصة للتكنولوجيا والهندسة بتونس، وسبق أن أنجز عددا من الابتكارات التي لاقت اهتماما كبيرا، من بينها تصميم روبوت يوزع الطعام في المطاعم ومنظومة ذكية تساعد مرضى ألزهايمر في تناول الأدوية.
المصدر: الجزيرة نت