كتبت سميرة المسالمة (إحدى ثلاثة نواب لرئيس الائتلاف السوري المعارض) مؤخراً مقالات عدة في الحياة»، تمحورت كلها حول فكرة «نقد المعارضة السياسية»، وآخرها (30 أيلول – سبتمبر الماضي) كان بعنوان «إصلاح الائتلاف الوطني وخياراته».
فهل فعلاً تحاول السيدة المسالمة أن توصل أفكارها للائتلاف عبر المقالات، أم انها تساؤلاتها التي شاركت فيها الائتلاف وكانت الصحافة الخيار لإظهارها للعلن، أم أنها تتوجه إلى الشعب السوري الغائب عن سياسات وإستراتيجيات ونشاطات وأفكار الائتلاف لخمس سنين هي عمر هذا الكيان «المعارض»؟
من الجيد أن تعترف المسالمة بأنه «علينا الاعتراف بأن هذا الكيان لم ينجح في المهمات التي قام من أجلها… إذ لم يستطع ترسيخ مكانته في أوساط السوريين في الداخل أو الخارج»، فهل لنا أن نسألها: كيف ومتى توصلت إلى نتيجة خطيرة كهذه، وإن كانت اقتنعت كنائب لرئيس الائتلاف بأن هذا الكيان لم يرسخ مكانته لدى السوريين، فهل يأتي التصرف الطبيعي أو المنطقي على شكل مقال صحافي (على رغم أهميته)؟ ألم يستحق السوريون «بعد كل ذلك الموت» وقفة كهذه في وقت أبكر، أم أن الوقت اليوم مناسب لكل الاعترافات لأن الدول العظمى والصديقة سحبت اعترافها بهذا الائتلاف الذي تشغل فيه المسالمة منصب نائب رئيسه، وأصبح اسماً لبناء سقطت أعمدته منذ وقت طويل وبقي الهيكل الخارجي فقط؟
كصحافية سورية علي أن أحترم قول المسالمة إنها تعلم بتأخر الدعوات إلى الإصلاح، وأن تنبيهها إلى أن «تشكيلة الائتلاف الحالية أكبر عائق أمام تطوّره أو إصلاحه، لأن الأشخاص المنوط بهم الإصلاح بعضهم مسؤول عن تردّي واقعه وتآكل مكانته وضعف فاعليته، خصوصاً أن بعضهم يستغل هذه الدعوات لطرح صيغ جديدة للائتلاف تتناسب مع مقاساته الشخصية»، وإن كنت آخذ الكلام السابق بكثير من الجدية كصحافية، فإنني كمواطنة سورية لا أنتظر من الائتلاف بأعضائه وتشكيلاته أفضل مما تكلمت عنه المسالمة، وإن كان الائتلاف عائقاً أمام الائتلاف فهل من مبرر لوجوده؟.
لا نية لدي بأن أنتقص من أهمية كلام المسالمة حول مشاكل الائتلاف والمعارضة، لكنني في الوقت ذاته أتساءل عن نتيجة المقالات الثلاثة السابقة للمقال الأخير، والذي تحدثت في أوله (الحياة 27 حزيران – يونيو)، وكان بعنوان «عن أخطاء المعارضة السورية»، عن «علاقات التبعية أو الارتهان لهذا النظام او ذاك».
وسؤالي: ألا يجدر بالمسالمة أو بالائتلاف أن يخرجا علينا بعد مقال كذاك ببعض النتائج، هل من المعقول أن لا يتم أي نقاش حول ما جاء فيه. وإن كنا كصحافيين سوريين اعتدنا على تجاهل الائتلاف لكل ما نكتبه من انتقاد أو تساؤلات حول أخطائه، فإنني توقعت أو ربما «أملت» بأن يؤخذ كلام نائب الائتلاف على محمل الجد، وأن نعرف كسوريين، ما رأي أعضاء الائتلاف بالمقال. أما مع حالة تجاهله، فإنني أستغرب أن لا تتجاوز رد فعلها كتابة مقال تلو المقال.
في مادتها الثانية (الحياة، 22 تموز – يوليو) بعنوان «المعارضة السورية في حاجة إلى علاج نقاط ضعفها»، وصلت المسالمة إلى الخلاصة التي «بُح» صوت السوريين وهم يصرخون بها في الصحافة وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، فكتبت: «يأتي هذا الحديث بعد أكثر من خمسة أعوام على نشوء هيئات المعارضة … كان يفترض أنها أتاحت للمعارضة مراجعة طريقها ومفاهيمها، وليس البقاء عليها، وإعادة إنتاج أخطائها وقصورها…».
وثمة أمر آخر في غاية الأهمية تكلمت عنه المسالمة يومها وهو تصريحها بأن الائتلاف لم يكن منفتحاً على مجمل القوى والشخصيات الوطنية الفاعلة في المجتمع السوري في الداخل والخارج، وأشارت إلى «مئات من الناشطين الذين يمتلكون خبرات حزبية معارضة سابقة، ومعارف سياسية، ولديهم تاريخ نضالي مشرف، ما زالوا لا يجدون طريقاً، أو إطاراً، تفرزه المعارضة كي يعبروا من خلاله عن أنفسهم». ولعله كان من الأجدر أن تتكلم عن سبب غياب أولئك، وعن الوساطات في الائتلاف والتحزبات، وأن تذكرهم بالاسم، إذ جميعنا يعرف أن الائتلاف تحول، بعد تكوينه بفترة بسيطة، ليصبح كانتوناً يضم مافيات تتعاون مع بعضها، وتتآمر على بعضها بعضاً.
كصحافية سورية ربما يحق لي أن أسأل نائب رئيس الائتلاف، وليس الصحافية سميرة المسالمة: لماذا بقيتِ في الائتلاف كل ذلك الوقت، ولماذا لم نسمع منها كسوريين مكاشفة حقيقية عما حدث ويحدث في الائتلاف، وماذا عن «مظاهر الانفلاش والمزاجية والفردية وغياب روح الفريق وتفشي العلاقات الكيدية» التي ذكرتها، أم أن الموضوع انتهى مع وضع النقطة الأخيرة في الجملة الأخيرة من كل مقال صحافي؟
إن الثورة تفترض اتفاق الملايين على المطالبة بالحرية والكرامة والديموقراطية، والاختلاف في كل التفاصيل الأخرى، وهنا تبرز الحاجة لمن ينظم هذه التحركات ويركز جهودها، ولكن ما حدث في سورية لم يسر بهذا الشكل، إذ تشكلت هيئات معارضة تحت اسماء بدأت بالمجلس الوطني ثم الائتلاف بالإضافة إلى هيئة التفاوض، وكلها تعاملت مع السوريين على طريقة النظام: تجاهل الناس، الإصرار على الخطأ، غياب الاعتراف والنقد، التعامي عما يحدث على الأرض…، ما جعل الشارع يسبق المعارضة السياسية، وبالتالي يقود المعارضة وليس العكس.
لا أوافق سميرة المسالمة الرأي بأن الأخطاء التي حدثت وتحدث باسم السوريين ضمن الائتلاف عبارة عن أخطاء فردية، ولكن بالتأكيد سأشكرها لأنها خرقـت قـاعدة «اعميل حالك ميت» التي ينتهجها الائتلاف وبقية كيانات المعارضة في ما يخص النقد الذاتي، وما أتمناه فعلاً أن تكون مقالات المسالمة بداية للمكاشفة السورية السورية، ولنقاش جدي على أمل بإحداث تغييرات في سلوك المعارضة وطريقة تفكيرها، والذي يبدو أنه حتى اليوم لا يزال قيد التمني.
المصدر : الحياة