أعلن “نصر الحريري” نهاية خدمته بمنصب رئيس هيئة التفاوض السورية، وذلك نظراً إلى أنّ نظام الهيئة الداخلي لا يسمح بترشّحه للمرّة الثالثة على التوالي، معرِباً عن تقصيره الكبير في خدمة قضية الشعب السوري، وشاكراً المملكة العربية السعودية على دعمها للقضية السورية.
وتراجع “الحريري” عبْرَ تسجيل مصوَّرٍ على صفحته الشخصية في موقع تويتر عن مدحِه للّجنة الدستورية السورية، والتي كان من أشدِّ المدافعين عنها خلال فترة ولايته السابقة لهيئة التفاوض، حيث قلّل من شأنها ونتائجها في تصريحٍ هو الأول من نوعه من سياسي سوري معارض لنظام الأسد.
وسبق أنّ اعتبر “الحريري” اللجنة الدستورية أنّها نصرٌ سياسيٌّ للشعب السوري، وقال في مقابلة مع جريدة “المدن” اللبنانية بتاريخ 24 أيلول 2019: إنّ “إعلان تشكيل اللجنة الدستورية انتصار للشعب السوري، وهو إنجاز حقيقي، وجزءٌ من القرار 2254، ولا أحد يستطيع أنْ يُنكرَ ذلك”.
كما اعتبرها في مقابلة مع وكالة “الاناضول” التركية بتاريخ 30 أيلول 2019، بأنّها “فرصة لبناء سياسي جديد بسوريا”، وقال خلال المقابلة: إنّ “اللجنة الدستورية ليست بدعةً، وهي جزءٌ من القرار الأممي 2254، والذي ينصُّ في فقرته الرابعة على أنّ العملية التي يقودها السوريون هي بقيادة سورية، وصياغة دستور جديد، وتتلوها انتخابات حرّة ونزيهة، تحت إشراف الأمم المتحدة”.
وكان تشكيل اللجنة الدستورية قد لاقى ردودَ فعلٍ مختلفة عما عبّر عنه “نصر الحريري” في السابق، إذ اعتبر البعض أنّ الذهاب إلى خيار اللجنة الدستورية يعني التخلّي عن بيان جنيف 2254، والذي يُعدُّ المرجعية الأساسية للحلِّ السياسي، والذي يتضمّن تشكيل هيئة حكم انتقالي ثم وضع دستور.
ويُشار إلى أنّ “نصر الحريري” الذي كان شغل مؤخّراً منصب رئيس هيئة التفاوض عقبَ توسّعها الأخير وإدخال منصة موسكو ومنصة القاهرة إليها، كما وتعرّضت هيئة التفاوض في عهده للعديد من التعثّرات السياسية، والتي أدّت إلى خلافات بين رئيسها والقيادة السعودية، ما أجبر الأخيرة على إجراء تعديلات على بنيتها عبْرَ إضافة بعض الشخصيات المستقلة، والدعوة إلى انتخابات مبكّرة أدّت إلى فوز رئيس الائتلاف الوطني السوري “أنس العبدة” برئاسة هيئة التفاوض.
وكان قد اتهم “نصر الحريري” خلال ترأسه هيئة التفاوض بالرضوخ لضغوط عربية وإقليمية من خلال إعطاء المسألة الدستورية الأولوية على حساب الانتقال السياسي وفْقَ قرارات الشرعية الدولية، الأمر الذي استبعدته قيادة الهيئة بنسختها الأولى، وذلك بسبب رفضها أيِّ تنازلٍ تحت ذريعة الواقعية السياسية، على عكس ما فعله “الحريري”، والذي كان دوره كرجع صدى للدولة التي تحتضن هيئة التفاوض التي ترأّسها.
وبدورها تحدّثت صحيفة “العربي الجديد” عن أزمة خلافات داخلية غيرِ مسبوقة داخل هيئة التفاوض، فيما يتعلق بكتلة المستقلين، التي تمّ فرضُها على الهيئة برعاية سعودية، حيث اعتبرت الهيئة أنّ هذه الخطوة دفْعٌ سعودي لتفكيك تكتل “الائتلاف، الجناح العسكري، المستقلين”، الذي تراه الرياض يداً تركية في قلب هيئة التفاوض السورية التي ترعاها وتحتضنها.
حيث كانت قد ألقت العلاقات المضطربة بين دول المنطقة بظلّها على الأداء السياسي للمعارضة السورية، ويرجّح أنْ يكونَ الموقف السعودي الأخير قد أتى في سياق العلاقات المتأزمة مع الجانب التركي، الذي يُعدّ الحليف الأبرز للمعارضة السورية سياسياً وعسكرياً.
وكان “نصر الحريري” قد رفض التخلّي عن منصبه في رئاسة الهيئة، منتقداً موقفَ السعودية الساعي إلى إجراء انتخابات لرئيس جديد بعد التمديد الأخير له لمدّة ثلاثة أشهر، ووصف ذلك بأنّه تدخّلٌ في الشأن السوري من قِبل السعودية، وقال في رسالة وجّهها لأعضاء الهيئة: “وافقت على مضض بالتمديد المؤقت، بناءً على رغبتكم وقراركم، ولمدة ثلاثة أشهر، على أنْ يجري الاستحقاق الانتخابي خلاله”.
الجدير بالذكر أنّ هيئة التفاوض السورية كانت قد تشكّلت عن مؤتمر الرياض الذي عُقد في العاصمة السعودية عام 2015، وكانت تشكيلتها من 32 عضواً، وقد اختير “نصر الحريري” رئيساً للهيئة في عام 2017 في مؤتمر الرياض الثاني، وذلك خلفاً لـ “رياض حجاب”، وفي العام التالي أُعيد انتخاب “نصر الحريري” لدورة ثانية.
وتكمن مهمةُ هيئة التفاوض السورية بالإشراف على عملية التفاوض مع نظام الأسد، وذلك ضمن المسارات التي ترعاها وتحدّدها الأمم المتحدة.
شادي العبد الله