تأسست جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير على أرضية سنية فقط، وتأسس حزب الدعوة على أرضية شيعية، وقامت الثورة الإيرانية على أسس شيعية أيضاً.
لم يكن من الممكن، بدايةً، أن يسمي “الإخوان” أنفسهم حزب الإخوان السنة، ولم يكن ممكناً أن يسمي حزب الدعوة والثورة الإيرانية نفسيهما، صراحة، مع صفة الشيعية. كانت الظروف أميل إلى التجميع في البدايات، أو ادعائه على الأقل، أما الآن فالظروف ونشاط كل هذه التشكيلات السياسية ومثيلاتها، وما وُلد بعدها، يجعلها سنية خالصة أو شيعية خالصة، وجميعها صارت عامل انقسام، وأبعد ما تكون عن إجماع ما.
ولدت الشيعية السياسية واضحة في إيران ولبنان، وترعرعت بوضوح في العراق. كما ولدت السنية السياسية الجهادية من رحم الوهابية السنية والإخوانية القطبية. ليس من اعتراض كبير على أن يقول المرء بـ”يهودية سياسية”، ولا “سنية سياسية”، ولا “شيعية سياسية”. وقبل الجميع كانت الصهيونية حركة سياسية يهودية. ويصح أن تدعى اليهودية السياسية. لم، إذن، هذا الاستنفار والإنكار لمصطلح “العلوية السياسية”؟ هل من ملامح للعلوية السياسية أم أنها وهم؟
لا يُراد، هنا، سوى محاولة “مطابقة” الكلام مع الواقع، أو أن يعبر الكلام عن الواقع العياني الملموس، وليس شطحاً.
يلاحظ كل السوريين، ويرون أن شيئاً غامضاً جرى ويجري منذ استلام حافظ الأسد السلطة. شيء يلظم ظواهر متفرقة ومتعددة بسلك واحد، ولا تفسير لها سوى أن هناك تخطيطاً سريّاً لأصحاب نفوذ علويين. بدءاً من حركات الانقسام في حزب البعث، إلى اللجنة العسكرية التي أدى عملها إلى انقلاب آذار 1963، والتي لم تكن تضم في البداية سوى ضباط علويين، إلى ظروف انقلاب حافظ الأسد، إلى التجارة الخارجية والداخلية وضبطها، وإلى الجمارك، وإلى البعثات والإيفادات، وإلى مخططات المدن، وإلى استثمار البترول والحبوب وتصديرهما، وإلى تهريب البترول من العراق المحاصر عبر أشخاص معروفين، إلى الاتجار بالحبوب والبترول مع داعش، وإلى تركيبة الجيش والمخابرات، وإلى تسعير المحاصيل، إلى توريث البلاد من الأب إلى الإبن… ألف أمر وأمر كلها توضح أن مركزاً ما يفعل فعله، بهدف الحفاظ على السلطة وكرسي الحكم والقرار، وبهدف إبعاد أي جهة أخرى مهما كانت قوتها. هذا ما يمكن تسميته العلوية السياسية. ولكن، لماذا يُنكر وجودُها؟ ولمَ تَحْمى عباءات الكثيرين لمجرد ذكرها؟
الأمر بسيط. ولكن، قبل كل شيء، لا يمكن، وبعد كل ثورات العلوم المتعددة، وتطور علم الاجتماع، أن تبقى مصطلحات علم الاجتماع التقليدية صحيحة، ومن هذه ما تراه الماركسية.
تاريخ سورية الحديث هو تاريخ إنكار ووسواس قسري. فمن ناحية الوحدة الوطنية “المقدسة”، ساد رأي أن أي كلام ينال منها، أو يشكك فيها، خيانة. يعلم الجميع أن كلمة “علوي” كانت حراماً. من ينكر؟ بينما كانت مفردة مسيحي أو درزي أو سني أو إسماعيلي مألوفة ومستخدمة. وأعمق من هذا كله، كان هناك إنكار لكل ما يشير، ولو من بعيد، إلى مركز ما يدير اللعبة. هذا الإنكار هو الأيديولوجية الحقيقية لسورية الابن والأب. والأنكى أن أي إشارةٍ قد تودي بحياة الشخص الذي فكّر بأنّ ثمة شيئاً ما هنا. وعلى الرغم من كل ما حصل، مازال السوريون يشفقون على أنفسهم، ويرأفون ببلدهم من إطلاق مصطلح كهذا(!).
يمكننا أن نقيّم مدى أذى هذا الإنكار المرضي والوسواس القسري بانفلات الأمور على مصراعيها بعد الثورة، عند أكثرية مؤيدي الثورة، الحال التي أدت إلى جروحٍ يصعب اندمالها. وهي الحال التي استغلتها أيضاً الجهادية السنية تماماً. وهي أيضاً الحال التي جعلت من لحمة مؤيدي النظام قوية. إنها دائماً كانت العلوية السياسية.
تتميز العلوية بسرية شبه تامة، ولا يظلمها أحد إن أطلق عليها أنها تنظيم سري قديم لا يتغيّر كثيراً بتغير الدول والسيطرة والسياسة، وهو ما يناسب حقاً الإنكار التام والتثبت على فكرة واحدة. ويكاد الأمر، في عمومه، أن يكون تقليداً لتحريم إنكار الهولوكست اليهودي في أوروبا، ووضعه تحت قوانين عقوبات.
وإذا صح ما تناقلته وسائط إعلام من أن عدداً من ذوي النفوذ في الطائفة قد زاروا إسرائيل بوساطة روسية، لبحث مستقبل الطائفة العلوية في المستقبل، فإن خروج العلوية السياسية إلى العلن مسألة وقت.
المصدر : العربي الجديد