مقالات

أنس الكردي: سورية الثورة في خطر ..عام “داعش” السوري والعالمي

شهد عام 2014 تحولات كبرى في سورية، كان أبرزها إعلان تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) نهاية شهر يونيو/ حزيران قيام الخلافة الإسلامية، ومبايعة أبو بكر البغدادي كخليفة للمسلمين. ومع سيطرة التنظيم على المنطقة الشرقية، عززت “جبهة النصرة” سيطرتها على معظم ريف إدلب. جاء ذلك فيما كان خروج مقاتلي المعارضة من حمص القديمة بمثابة انتكاسة الثورة، رغم تشكيل مجلس قيادة لها، في مقابل تقدّم النظام في حمص وحماه ومشارف العاصمة دمشق، في حين ظل الغموض يكتنف أكبر عملية اغتيال في تاريخ الثورة السورية، والذي أودى بحياة أكثر من أربعين قيادياً في حركة “أحرار الشام الإسلامية”، بينهم قائدها حسان عبود.

 

“خلافة إسلامية”
بدا إعلان “الخلافة الإسلامية” في 29 يونيو/ حزيران، وكأنه مرسوم له؛ فمنذ مطلع 2014 كان هناك حدثان متضادان يسيران على قدم وساق، تمثل الأول في سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” على معظم محافظة الرقة، بعد مقاومة عنيفة من “الجبهة الإسلامية”، و”جبهة النصرة”، فيما تكفل الآخران مع فصائل المعارضة بطرد “داعش” من ريفي إدلب واللاذقية ومدينة حلب، دون مقاومة تذكر من قبل التنظيم، وكأنه فضل الانسحاب ليتمركز في ريف حلب الشمالي الشرقي، حيث سيطر على مدينتي الباب وجرابلس، ومدينة الرقة شرقي البلاد، والتي أضحت المعقل الرئيسي له.

ومع سيطرة “داعش” على مزيد من الأراضي في دير الزور، حدثت موجة استقالة جماعية لقادة جبهات ورؤساء المجالس العسكرية من هيئة أركان الجيش السوري الحر، بسبب “تقاعس الدول التي تدعم الشعب السوري لنيل حريته وكرامته، والتخلص من الاستبداد والعبودية”. فيما تمدد التنظيم في دير الزور أكثر، وسيطر على مدينة الموحسن ومعظم حقول النفط. وما أن بايع 27 عنصراً من “جبهة النصرة”، معظمهم قياديون ومهاجرون، تنظيم “الدولة” في البوكمال، حتى مهّد ذلك لتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إلى إعلان قيام “الخلافة الإسلامية”، ومبايعة أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين، بموازاة إعلان إسقاط الحدود بين الدول التي له تواجد فيها، وتقرر إلغاء اسم العراق والشام من مسمى الولايات، واقتصر على اسم “الدولة الإسلامية”.

وبعد أيام فقط من إعلان الخلافة، أصبح من الملاحظ مطامع التنظيم التوسعية، في محافظة دير الزور والرقة والحسكة وريف حلب الشمالي، بل أضحى “داعش” ينتهج أسلوب التفاوض في بعض القرى بدل القوة، وهذا ما مكنه من السيطرة على ريف دير الزور الغربي عبر إعلان الفصائل هناك البيعة. وحتى ذلك الوقت، لم تكن هناك أي اشتباكات مع القوات النظامية السورية. غير أنها بدأت بعد شهر ونصف الشهر من إعلان الخلافة، في الفرقة 17 بريف الرقة.

وسيطر التنظيم بعد معارك طاحنة على الفرقة كاملة، واستولى على الكثير من الأسلحة والذخائر، ليتبعها اللواء 93، ومن ثم مطار الطبقة، في الرابع والعشرين من أغسطس/ آب؛ لتكون الرقة، أول محافظة سورية تخرج بالكامل عن سيطرة النظام. وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه توجه التنظيم للسيطرة على محافظة دير الزور، بدل “داعش” استراتيجيته، واتجه للسيطرة على مدينة عين العرب (كوباني)، أقصى الشمال الشرقي لحلب.

تحالف دولي لضرب “داعش” والنصرة”
ما أن غير التنظيم من استراتيجيته، واتجه للسيطرة على عين العرب، حتى بدأت ملامح التدخل الدولي في سورية تلوح في الأفق. وبدأ هذا التدخل بقرار ينص على “نزع سلاح وتفكيك” مقاتلي تنظيم “الدولة الاسلامية” في سورية والعراق ومقاتلي “جبهة النصرة” وتنظيمات أخرى على صلة بتنظيم “القاعدة”. ثم شن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في الثالث والعشرين من سبتمبر/ أيلول، 52 غارة، استهدفت “داعش” والنصرة” في دير الزور وريفي حلب وإدلب. ومنذ ذلك الحين، بقي الوضع الميداني في عين العرب متوازناً بين مقاتلي وحدات “حماية الشعب الكردية” وبعض فصائل “الجيش الحر”، وعناصر التنظيم.
في غضون ذلك، ومع طرد التنظيم لـ”جبهة النصرة” من المنطقة الشرقية بالكامل، اتجه معظم مقاتليها إلى محافظة درعا جنوب سورية. ولكن كان التوجه إلى هناك لجوءاً فقط، في وقت كانت تعدّ فيه “النصرة” لتوطيد نفوذها في ريف إدلب؛ فخلال ثلاثة أرباع العام 2014، ظلت “النصرة” على حالها منذ إعلان وجودها في سورية مطلع العام 2011، إلا أنها اتجهت في الربع الأخير من العام إلى إطلاق يدها في ريف إدلب، حيث شنت حرباً ضروساً ضد مقاتلي “جبهة ثوار سورية” بقيادة جمال معروف. ونجحت في طردهم من كل جبل الزاوية ومعظم الريف الجنوبي، لتشن بعد نحو شهر من ذلك، هجوماً واسعاً على معسكري وادي الضيف والحامدية، أكبر معاقل النظام في إدلب، وتتمكن في السادس عشر من ديسمبر/ كانون الأول، من السيطرة عليهما، رفقة “حركة أحرار الشام” الإسلامية”، وبعض فصائل “الجيش الحر”.

وبالنسبة لحركة “أحرار الشام”، فإنها بدت الخاسر الأكبر بين الفصائل الإسلامية، بعد أكبر عملية اغتيال حدثت في تاريخ الثورة السورية، إثر تعرض مقر الحركة إلى تفجير ضخم مجهول المصدر، خلال اجتماع قادته في المقر صفر، في قرية رام حمدان، بريف إدلب الشمالي، وأسفر عن مقتل 40 قيادياً، بينهم، قائد الحركة حسان عبود. وزاد الطين بلة، وفاة علام عبود، شقيق قائد الحركة. وكان عبود الناجي الوحيد من التفجير، لتبقى عملية الاغتيال، لغزا لم يستطع أحد حله حتى الآن.

خفوت للثورة وتقدّم للنظام
في مقابل تقدّم “داعش” والنصرة” في السيطرة على مساحات واسعة من سورية، ومن خلفهم النظام السوري، شكل خروج آخر مقاتلي المعارضة من حمص القديمة، إعلاناً حزيناً لأبناء الثورة السورية، لما تتمتع به حمص من أهمية رمزية كعاصمة للثورة. وجاءت عملية الانسحاب ضمن إطار الاتفاق غير المسبوق بين النظام والمعارضة، برعاية الامم المتحدة، و الذي نص على انسحاب المقاتلين من حمص، مقابل دخول قواعد المساعدة لريف حلب الشمالي في بلدتي نبل والزهراء.

ولم يُهدئ خاطر المعارضين إعلان قوى المعارضة السورية عن خطوة جديدة بهدف مساعيها للعمل ضمن مظلة واحدة. وتمثلت هذه الخطوة بالاتفاق على تشكيل مجلس لقيادة الثورة السورية، مكوّن من نحو 100 من كبرى التشكيلات العسكرية المعارضة التي أطلقت مبادرة “واعتصموا”. وهدفت المبادرة إلى “توحيد الفصائل العسكرية المعارضة العاملة على أرض سورية، في مجلس لقيادة الثورة، يتمّكن من فرض قراراته بقوة، وتنظيم الشؤون العسكرية والقضائية”. وهكذا، أُصيبت الثورة بانتكاسة كبرى بعد إطلاق رصاصة الرحمة على حمص القديمة.

في هذه الأثناء، كان النظام السوري المستفيد الأكبر من بروز الجماعات الإسلامية خلال العام 2014. واستعاد السيطرة على معظم مدينة حمص، وريف حماه الشمالي، وقرى وبلدات عدة في ريف دمشق أهمها بلدة المليحة. كما عمد إلى تأمين مشارف العاصمة عبر الهدن التي بدأ العمل عليها منذ منتصف العام 2013، واتسعت في ظل العام الحالي لتشمل معظم الأحياء الجنوبية لدمشق، كحي اليرموك والقدم والعسالي، بينما بقيت سياسة المجازر أبرز ما يميز النظام، عبر ارتكابه عشرات المجازر، كان أبشعها في مدينة الرقة، والتي راح ضحيتها نحو160 مدنياً عبر قصف جوي.

العربي الجديد – وطن اف ام 

زر الذهاب إلى الأعلى