أخيرا بدأت مجموعات المعارضة السورية، بالتقاطر إلى القاهرة، وهو ما يشي باحتمالات شبه مؤكدة، أن جميع الأطراف ستكون على موعد حول مائدتين ترعاهما كل من الحكومتين المصرية والروسية، بدعم إقليمي ودولي غير معلن، في رحلة البحث عن إطلاق جولة جديدة من التفاوض في جنيف قبلة المختلفين والمتقاتلين في أوطانهم، السوريين والليبيين، الذين طحنتهم الحرب، والتدخلات الخارجية على حدّ سواء.
لم تعد ذات أهمية مسألة الإشارة إلى ضعف المعارضة التي لم تستطع بناء الثقة بدءا بمن يفترض أنها تمثلهم. الواقع أن جميع الأطراف السورية منهكة ومنخورة بالفساد والفوضى، وكل الأطراف تكاد تكون إقصائية بالقدر الذي يمكنها من التشبع بالوهم، بأنها القوة السياسية الأقدر على حمل مسؤوليات العمل الوطني دون مشاركة أطراف أخرى. ينسحب هذا على موقف قوى المعارضة فيما بينها، وموقف النظام من أطراف المعارضة من جهة ثانية. وقد سجلت جميعها عجزا في الدفع باتجاه القيام بعمل وطني، من شأنه أن يقود إلى العمل الجماعي المنظم، وفقا لاستراتيجة تفضي إلى تسوية سياسية يكون فيها دور المعارضة فاعلا.
لقاء القاهرة أنضجته مسائل أساسية، دعوة موسكو لشخصيات معارضة، والجمود السياسي في المجهودات الدبلوماسية وتراجع الاهتمام بالثورة السورية، وبالتالي استمرار نظام الأسد وحلفائه الايرانيين في ارتكاب المجازر بحق المدنيين، وفرض الحصار على مناطق عديدة مثل الوعر ومخيم اليرموك، دون أن تكون ملامح حل في الأفق المنظور أو إيقاف للقتل في الحدّ الأدنى.
إزاء أي تسوية، يتوجب على المعارضة السورية، أن توقف مناكفاتها المَرَضية، وأن تجلس إلى طاولة تفاوض حول قضية أساسية هي اتخاذ موقف منسجم فيما بينها، للتعاون بصورة جماعية على صياغة رؤية موضوعية، تنطلق من معطيات الواقع، أساسها العمل المشترك. ودون أن تكون هناك مجموعة مشتركة ومنسجمة معنية بالتفاوض مع النظام وتتعامل مع المبادرات المطروحة من هنا وهناك، فإن الفجوة ستبقى تتسع، ليتمكن منها النظام الاستمرار في عدم اعتبار أي قيمة سياسية للتعامل مع المعارضة، وهذا الأمر يجعل من القوى الدولية غير مهتمة بتحريك الملف السياسي السوري، في ظل أولويات مجابهة الإرهاب. ونظام الأسد أول المستفيدين من هذا الوضع، ويلعب حلفاؤه الروس والإيرانيون دورا في إبقاء الأوضاع على ما هي عليه. من هنا يمكن فهم شكل الدعوة التي وجهتها موسكو لشخصيات في المعارضة وليس تيارات، ودعت النظام، بالمقابل كطرف رئيس مقابل أفراد.
يتوجب على المعارضة، أن تخلق مبادراتها وفقا لمبادئ الثورة واعتبارات الوضع القائم، وفي الواقع أمام التطورات الصعبة لم تعد ثمة أسس ثابتة ومقدسة، الثابت الأساسي هو الذهاب نحو مرحلة انتقالية وفقا لجنيف 1، تضع حدا للقتل والتهجير والإبادة، وتقود إلى رحيل النظام وفقا لآليات يتم التوافق عليها على طاولة المفاوضات. يجب أن تكون هناك استراتيجيات للعمل وخطط بديلة. والمعارضة لن تكون قادرة على القيام بهذه المهام في ظل الانقسام المخجل.
مهمة لقاء القاهرة هي الحوار بين أطراف المعارضة، لخلق ظروف ملائمة للعمل الجماعي، والخروج من نفق الاختلافات التي أفقدتهم ليس ثقة الداخل، ولكن القدرة على القيام بأي جهد إيجابي. وكذلك وضع رؤية موحدة للعمل السياسي الخارجي، بعيداً، أو بملاحظة، موقف كل طرف بشأن التعامل مع النظام، ورؤيته للمشاركة في المرحلة الانتقالية وبناء المستقبل، وهو ما يجب أن يتم التشاور فيه، بصورة جادة، دون إبهام في المواقف أو غموض، بين كل التيارات والقوى والأشخاص داخل المعارضة، باتت معروفة مواقفهم واتجاهاتهم وولاءاتهم السياسية والاجتماعية، وكذلك مصادر دعمهم وتمويلهم.
تناول مسألة بناء الثقة بين مختلف الأطراف السورية، يجب أن يتم على مستويين، بين مكونات المعارضة نفسها، بأن تتخلص من عملية الإقصاء والتخوين التي تمارسها في صفوفها، والقصور في فهم الآخر إلا عبر مصالح ضيقة. هذا يمنح المعارضة القوة التي تجبر فيها النظام على اتخاذ خطوة باتجاه بناء الثقة مع المعارضة، وهذا هو المستوى الثاني، والذي يجب أن يشتمل إجراءات متفق عليها بموجب تفاهمات.
القضية المحورية الأكثر إلحاحا يجب أن تتركز حول ثلاث نقاط حيوية تتعلق بالحياة اليومية للسوريين ومعاناتهم الإنسانية التي وصلت حدا صعبا، وهي إيقاف العمليات العسكرية، وفقا لمبدأين هما تحييد المناطق المدنية، وسحب القوى العسكرية خارجها.
النقطة الثانية، رسل الحرية، نشطاء العمل المدني والسياسي، المعتقلون لدى نظام الأسد، يجب أن تكون حريتهم على طاولة التفاوض، وعلى كل المستويات، بحيث يشكل الإفراج عنهم أحد أهم إجراءات بناء الثقة. وينسحب الأمر على التنظيمات المسلحة المعارضة التي تعتقل الحقوقيين والصحفيين ونشطاء العمل الإنساني والمدني.
النقطة الثالثة، العمل على تخفيف معاناة السوريين اللاجئين والنازحين، وحلّ مشكلاتهم في إطار القانون الدولي، خاصة الذين يتعرضون لإجراءات عنصرية وتمييز كونهم سوريين. فهل تدرك المعارضة السورية، ولو متأخرة، أنه يجب الاعتناء بالمسألة الوطنية كما يجب؟ نتمنى أن يكون لديها ما تقدمه في القاهرة من أجل التنسيق المشترك.
العرب – وطن اف ام