مع انهيار حكم عائلة الأسد الدموي لسوريا والذي امتد لأكثر من خمسة عقود، برزت دعوات لاستبدال العملات السورية التي تحمل صور رئيس النظام السابق، حافظ الأسد، وابنه الذي خلفه من بعده، بشار الأسد.
وتبرز تساؤلات عن إمكانية استبدال العملات التي تحمل صور حافظ وبشار الأسد بعملات جديدة، وعن الشروط المتعلقة بذلك.
وتشمل عملية إصدار عملة جديدة بشكل عام عدة مراحل، مثل التصميم واختيار رموز معينة ونوعية المواد المستخدمة ومصادقة وزارة المالية أو الحكومة وصولا للطباعة.
وتتبع الجهات الحكومية عادة إجراءات لدمج العملات القديمة مع الجديدة في السوق، وتعتمد على آليات معينة لمنع التزوير.
خطوة معقدة
ويرى الخبير الاقتصادي، بيير خوري، أن “مسألة استبدال العملات التي تحمل صور حافظ وبشار الأسد في سوريا تُعتبر خطوة معقدة تتطلب ظروفا سياسية واقتصادية ملائمة”.
وأوضح في حديثه لموقع “الحرة” أن “عدة دول أقدمت على خطوات مشابهة بعد تغييرات سياسية أو أزمات اقتصادية، كما حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وفي ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وزيمبابوي خلال أزماتها الاقتصادية”.
وقال خوري “لكي يتم تنفيذ عملية الاستبدال بفاعلية، يجب توفر استقرار سياسي بوجود حكومة قادرة على اتخاذ قرارات إصلاحية وتنفيذها دون معوقات، بالإضافة إلى الاستقرار الاقتصادي الذي يُمكّن من توفير الموارد المالية الكافية لتغطية تكاليف طباعة العملة الجديدة مع ضبط معدلات التضخم”.
وأضاف “يتطلب الأمر أيضا إصدار تشريعات قانونية تُلزم التعامل بالعملة الجديدة وتنظم آليات الاستبدال، مع تنفيذ حملات توعية مجتمعية واسعة لشرح أهمية التغيير وكيفية تطبيقه”.
عملية دقيقة
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن “إصدار عملة جديدة هي عملية دقيقة تمر بمراحل متعددة، تبدأ بمرحلة التصميم التي تتضمن اختيار الرموز والشعارات الوطنية التي تعكس الهوية السورية مثل المعالم التاريخية والرموز الثقافية، ثم إعداد تصاميم آمنة فنيا بالتعاون بين مختصين في البنك المركزي ومصممين محترفين”.
وتابع “بعد ذلك تأتي مرحلة الاعتماد والمصادقة، حيث تُقدم التصاميم إلى وزارة المالية أو الحكومة للموافقة عليها، ويُصدر تشريع قانوني يُحدد الفئات النقدية ومواصفاتها. تُستخدم مواد ذات جودة عالية مع ميزات أمنية حديثة مثل العلامات المائية، الأحبار المتغيرة، الشرائط الأمنية، والأرقام التسلسلية لضمان الحماية من التزوير، بينما تُطبع العملات المعدنية باستخدام معادن مثل النحاس أو النيكل. تتم طباعة العملة في مطابع حكومية أو عبر التعاقد مع شركات عالمية متخصصة”.
ويذكر أن هناك الكثير من المعالم التاريخية المطبوعة والتي يمكن أن تطبع على أوراق العملات المستقبلية في سوريا، ومنها المسجد الأموي ونواعير حماة ومسرح تدمر وبصرى الشام وقلعة حلب وغيرها.
وأكد خوري أن “عملية استبدال العملة القديمة تتطلب تخطيطا مدروسا يتضمن استبدال العملات تدريجيا خلال فترة زمنية محددة، مع إطلاق حملات توعية وإعلانات رسمية لتوضيح كيفية التعامل مع العملة الجديدة. يتم سحب العملات القديمة من السوق بالتوازي مع طرح الجديدة، مع ضمان حماية العملات الجديدة من التزوير عبر اعتماد تقنيات أمان متطورة، وتشديد العقوبات على عمليات التزوير، وتنظيم عمليات التداول النقدي بالتعاون مع البنوك”.
الفئات الحالية
والليرة هي العملة الرسمية في سوريا، ويُصدرها المصرف المركزي، وتتوفر بفئات مختلفة تشمل الورقية والمعدنية.
والفئات الورقية الرئيسية هي: “50، و100، و200، و500، و1000، و2000، و5000 ليرة سورية”.
وتوجد صورة حافظ الأسد على فئة 1000، فيما توجد صورة بشار الأسد على فئة 2000.
وتتوفر العملات المعدنية بفئات أصغر، ولكن تداولها أصبح نادرا بسبب التضخم وانخفاض القيمة الشرائية. وتشمل: “1، و2، و5، و10، و25، و50 ليرة سورية”.
سعر الصرف الرسمي
وحدد مصرف سوريا المركزي سعر صرف العملة، الثلاثاء، عند 15075 ليرة مقابل الدولار في التعاملات الرسمية وفي أي عمليات بالبنوك أو شركات الصرافة، ليخفض بذلك قيمة العملة في ثاني نشرة أسعار يصدرها رسميا منذ الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من ديسمبر.
وأرجع متعاملون السبب إلى تحسن سعر الصرف مقابل الدولار الأميركي وانخفاضه للنصف من نحو 25 ألف ليرة قبل سقوط النظام، إلى عودة الآلاف من السوريين الذين لجأوا إلى دول في الخارج خلال الحرب وإلى الاستخدام المفتوح للدولار والعملة التركية في الأسواق.
واستُخدمت عدة أسعار صرف رسمية خلال حكم الأسد في شركات الصرافة وبالنسبة للتحويلات المالية من الخارج ولوكالات الأمم المتحدة. وكانت هناك أسعار أخرى في السوق السوداء، لكن استخدام عملات أجنبية في التعاملات التجارية اليومية كان من الممكن أن يقود في السابق إلى السجن، وكان كثير من السوريين يخشون حتى من مجرد نطق كلمة “الدولار” علنا، وفقا لرويترز.
وأفادت رويترز، الاثنين، بأن احتياطي البلاد من الذهب لم يُمس خلال الحرب، التي استمرت 13 عاما، والفوضى التي أعقبت فرار الأسد إلى روسيا، لكن سوريا لا تملك إلا كمية قليلة من احتياطيات العملة الأجنبية نقدا.
ونتجت الأزمة الاقتصادية في سوريا عن الصراع، الذي استمر سنوات، والعقوبات الغربية وشح العملة لأسباب من بينها الانهيار المالي في لبنان المجاور وخسارة النظام للأراضي المنتجة للنفط في شمال شرق البلاد.
ودفع الانخفاض الحاد في قيمة الليرة معظم السوريين تحت خط الفقر.
وتعرضت صناعة النفط والصناعات التحويلية والسياحة وغيرها من القطاعات الرئيسية في سوريا إلى ضغوط كبيرة، وتعمل شرائح كثيرة من السكان في القطاع العام المتهالك ويبلغ متوسط الأجور الشهرية حوالي 300 ألف ليرة.
وتقول الحكومة السورية الجديدة، التي اختارتها المعارضة بعد السيطرة على دمشق في الثامن من ديسمبر إنها سترفع الأجور وتعطي أولوية لتحسين الخدمات.
وذكرت رويترز الأسبوع الماضي أن الحكومة أبلغت قادة أعمال أيضا بأنها ستتبنى نموذج السوق الحرة وستدمج سوريا في الاقتصاد العالمي في تحول كبير عن عقود من سيطرة الدولة الفاسدة.
حذف الأصفار
ولدى سؤاله عن إمكانية حذف الأصفار من أي عملة جديدة مستقبلية في سوريا لمحاربة التضخم وضبط ارتفاع الأسعار وتحسين مستوى المعيشة، قال خوري إن “إعادة تقييم العملة عن طريق حذف الأصفار هو إجراء تتبعه الدول التي تعاني من تضخم مفرط بهدف تسهيل المعاملات المالية اليومية، تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، وإعادة ضبط الأسعار وتبسيط العمليات المحاسبية”.
وأوضح أن “تجارب مثل تركيا عام 2005 والبرازيل في مراحل معينة أثبتت نجاح هذه الخطوة عند تحقيق الاستقرار الاقتصادي وضمان عدم عودة التضخم. ومع ذلك، فإن حذف الأصفار يظل مجرد حل مؤقت إذا لم يُعالج السبب الجذري للتضخم”.
وأكد أن “تنفيذ هذا النوع من الإصلاحات يواجه تحديات كبيرة، من بينها التكلفة الباهظة لطباعة العملة الجديدة وتوزيعها، وحساسية الوضع الاقتصادي الذي قد يؤدي أي خلل في العملية إلى تفاقمه، بالإضافة إلى الحاجة لاعتماد تقنيات حديثة للحماية من التزوير، وتوعية المواطنين حول كيفية استخدام العملة الجديدة”.
وختم حديثه قائلا إن “استبدال العملات في سوريا بعملات جديدة يُعد خيارا مطروحا، لكنه يتطلب خطة شاملة تجمع بين الاستقرار السياسي والاقتصادي، مع اعتماد عملة تحمل رموزا وطنية جامعة بدلا من صور الشخصيات المثيرة للجدل. دمج العملة الجديدة مع القديمة يتطلب تنظيما دقيقا، بينما يُعد حذف الأصفار حلا محتملا لمحاربة التضخم بشرط أن يتم في سياق إصلاح اقتصادي متكامل لضمان نجاحه على المدى الطويل”.
المصدر: الحرة