اتهمت “هيومن رايتس ووتش” ما يُعرف بتنظيم الشبيبة الثورية الذي ينشط في مناطق سيطرة قسد اتهمته بإجبار الأطفال على التجنيد الإجباري في صفوف قسد ما يحرمهم من طفولتهم ويُعرضهم للعنف الشديد وقد يؤدي إلى صدمات جسدية ونفسية طويلة الأمد.
وقالت المنظمة إن الشبيبة الثورية في سوريا جندت فتيات وفتيانا في سن الثانية عشر، مقتلعة إياهم من مدارسهم وعائلاتهم، ومنعت ذويهم من الاتصال بهم، وصدّت جميع محاولات عائلاتهم الحثيثة لإيجادهم، رغم التزام قسد بإنهاء هذه الممارسة.
بدوره، قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هيومن رايتس ووتش إنه مع أن ’قوات سوريا الديمقراطية‘ (قسد) التزمت بإنهاء جميع أشكال تجنيد الأطفال، فإن الانخراط الصارخ لمجموعات مثل حركة الشبيبة الثورية والعدد المستمر لحالات تجنيد الأطفال كل سنة يُبيّنان تقاعسا خطيرا، داعياً قسد إلى أن تتخذ إجراءات فورية وحازمة لضمان التزام جميع المجموعات العاملة في مناطق سيطرتها بسياسات صارمة لعدم تجنيد الأطفال، وحماية جميع الأطفال من الاستغلال.
وتابعت المنظمة أنه رغم أن “حركة الشبيبة الثورية ليست مجموعة مسلحة، إلا أنها حسب الافتراض منخرطة بشدة في الهياكل السياسية والعسكرية لـ”الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، وجناحها العسكري أي قسد التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة. يُفترض أن دورها الأساسي هو التلقين الأيديولوجي للأطفال، وقد وثّقت منظمات حقوقية سورية مستقلة حالات قامت فيها الحركة بنقل الأطفال، لا سيما الفتيات، إلى مجموعات مسلحة تابعة لـ قسد، رغم تعهد هذه الأخيرة بإنهاء تجنيد الأطفال”.
وشددت المنظمة على أن “تجنيد الأطفال في المجموعات أو القوات المسلحة ينتهك القانون الدولي الإنساني، الذي يحظر تجنيد الأطفال دون سن الـ 15 واستخدامهم في النزاعات. تجنيد أو استخدام الأطفال على هذا النحو، يُعتبر جريمة حرب بموجب “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.
وعلاوة على ذلك، فإن “البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة” يمنع المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة من تجنيد الأطفال دون الـ 18، مهما كانت الظروف.
في تقريره السنوي الأخير بشأن الأطفال والنزاعات المسلحة، اتهم الأمين العام لـ”الأمم المتحدة” جميع أطراف النزاع في سوريا بتجنيد الأطفال، مع 231 حالة تحققت منها الأمم المتحدة في 2023 نُسِبت إلى قسد والمجموعات التابعة لها. في تقرير نشرته في يوليو/تموز 2023، وثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” 43 حالة تجنيد على يد حركة الشبيبة الثورية في النصف الأول من 2023 فقط.
بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2024، قابلت هيومن رايتس ووتش سبع عائلات في مناطق خاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية قالت إن حركة الشبيبة الثورية أخذت أطفالها، ست فتيات وفتيان تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاما، بين مارس/آذار 2023 ويوليو/تموز 2024. بين هؤلاء الأطفال أربعة دون سن الـ 15، وسبعة، بينهم شقيقان، يأتون من عائلات نزحت جراء التوغل التركي العسكري في المنطقة.
ولم تتمكن أي من العائلات من الاتصال بأطفالها منذ اختفائهم. في حالتين، رأت العائلات صورا للأطفال في الزي العسكري، ما يشير إلى احتمال نقلهم إلى مجموعات مسلحة. أما في حالات أخرى، لا يزال مكان الأطفال وظروفهم مجهولة.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنها أرسلت كتابا إلى قسد وإلى الإدارة الذاتية في 26 أغسطس/آب، تطلب معلومات حول دور حركة الشبيبة الثورية في تجنيد الأطفال، بالإضافة إلى الخطط والخطوات التي اتخذتها السلطات لمعالجة الأمر، لكنهما لم يردّا. كتبت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين في 9 سبتمبر/أيلول.
وتابعت المنظمة أنه “إذا أرادت قسد والمجموعات التابعة لها أن تُعالج فعليا تجنيد الأطفال المستمر، يتعين عليها أن تُوقف فورا أنشطة تجنيد الأطفال التي تنفذها المجموعات المسلحة المنضوية في تحالفها، وأن تضمن ألا تقوم جهات تابعة لها أو جهات خارجية بعمليات تجنيد في المناطق الخاضعة لسيطرتها”.
كما طالبتها بأن “تجري تحقيقات حقيقية في أنشطة تجنيد الأطفال غير القانونية في مناطق سيطرتها، وتُحاسب المسؤولين عنها. عليها تعزيز المراقبة والمحاسبة لجميع المجموعات العاملة في مناطق سيطرتها، بما في ذلك عبر إنشاء أنظمة مراقبة أكثر فعالية، وعليها في الوقت نفسه ضمان قنوات اتصال واضحة بين الأطفال المجنَّدين وذويهم”.
وتابع التقرير: “يتعين على قسد أن تعيد جميع الأطفال دون سن الـ 18، بسلامة إلى عائلاتهم، وأن تؤمن الدعم الطبي والنفسي لهم. ينبغي لها أن توسّع مكاتب حماية الأطفال التي أنشأتها للمساعدة في إنهاء تجنيد الأطفال، وضمان تمتعها بالموارد والموظفين والسلطة لإجراء تحقيقات، وأن تتعامل بجدية مع جميع التقارير حول الأطفال المفقودين”.
وأردف التقرير حول الدعم الأمريكي لقسد: “بصفتها حليف أساسي لـ قسد، ينبغي للولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها لضمان تنفيذ هذه التدابير، وأن تنظر في فرض عقوبات على حركة الشبيبة الثورية لدورها في تجنيد الأطفال. يحظر “قانون منع الجنود الأطفال” الأمريكي على الولايات المتحدة تقديم المساعدة العسكرية إلى الحكومات التي تجند الأطفال وتستخدمهم”.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الولايات المتحدة أن تطبق المبادئ نفسها على المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة التي تدعمها.
وقال كوغل: “اتخذت قسد والإدارة الذاتية خطوات مهمة لإنهاء ممارس تجنيد الأطفال المؤذية، إلا أن عدم معالجتها مشكلة التجنيد القسري والسري الذي تقوم به حركة الشبيبة الثورية يُهدد بإهدار التقدم المُحرَز”.
في 2019، وقّعت قسد خطة عمل مشتركة مع الأمم المتحدة، تلتزم فيها بتدابير ملموسة ومحددة زمنيا لإنهاء تجنيد الأطفال ومنع استخدامهم لأغراض عسكرية.
في إطار خطة العمل التي وضعتها، أصدرت قسد، وهي تحالف مجموعات مسلحة متعدد الإثنيات، أوامر عسكرية تحظر تجنيد أو استخدام الأطفال، ودرّبت القادة، وأنشأت مكاتب حماية الأطفال التي تستقبل دعاوى تجنيد الأطفال وتحقق فيها في جميع المناطق تحت سيطرتها، وسرّحت عشرات الأطفال المجندين.
إلا أن تقارير الأمم المتحدة المتعاقبة تُظهر تقدما متأرجحا، إذ سُجِّل ما بين 130 و285 حالة تجنيد قسد لأطفال سنويا بين 2019 و2023 تم التحقق منها. في 2020، سرّحت قسد 150 طفلا من صفوفها، مُظهرة جهدا كبيرا في تطبيق خطة عمل 2019. ارتفع عدد المسرَّحين قليلا إلى 182 في 2021، ما يشير إلى تقدُّم مستمر، وفق المنظمة.
وفي 2022، ارتفع عدد الأطفال الذين جندتهم قسد إلى حده الأقصى، فبلغ 637 حالة تم التحقق منها. بحسب الأمم المتحدة، في العام نفسه وصل تسريح الأطفال إلى حده الأدنى، إذ بلغ 33 طفلا فقط، ما يعكس تراجعا مقلقا في عمل الإجراءات التصحيحية، بينما ارتفعت أعداد الأطفال المجندين. في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أغلقت قسد بحسب تقارير أحد مكاتبها الثمانية لحماية الأطفال. نسبت تقارير الأمم المتحدة المتتالية 60 حالة تجنيد أطفال تم التحقق منها إلى حركة الشبيبة الثورية بين 2019 و2023، حسب تقرير رايتس ووتش.