من المرجح أن يؤدي تدمير سد كاخوفكا الذي أطلق مياه الفيضانات عبر جنوب أوكرانيا إلى الحد من خيارات كييف في هجومها المضاد الأولي، وفقا لما ذكره مسؤولون عسكريون ومحللون لصحيفة “فايننشال تايمز”.
ويقع السد في منطقة خيرسون التي احتلها الروس بعد غزو أوكرانيا، وتسبب تدميره “جزئيا” بفيضانات غمرت عددا من البلدات الصغيرة على طول نهر دنيبرو.
وغمرت الفيضانات مدينة صغيرة وقرابة عشرين قرية، وأدت إلى إجلاء 17 ألف شخص، ما أثار مخاوف من حدوث كارثة إنسانية.
سر التوقيت
الثلاثاء، تبادلت موسكو وكييف اللوم بشأن “تفجير السد”، وخلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، تبادل الممثلون الروس والأوكران الاتهامات، وفقا لوكالة “فرانس برس”.
وقال السفير الروسي، فاسيلي نيبينزيا، إن “التخريب المتعمد الذي قامت به كييف لبنية تحتية حيوية خطير جدا ويمكن أن يعتبر أساسا جريمة حرب أو عملا إرهابيا”، محملا كييف و”رعاتها الغربيين (…) المسؤولية الكاملة عن المأساة المستمرة”.
ورد السفير الأوكراني، سيرغي كيسليتسيا، بالقول “لاحظنا من قبل أسلوب إلقاء اللوم على الضحية للجرائم التي ترتكبونها”، مدينا عمل “الإرهاب البيئي والتكنولوجي” ضد هذا السد.
وقال “من خلال اللجوء إلى تكتيك الأرض المحروقة أو في هذه الحالة الأرض المغمورة، يعترف المحتلون الروس في الواقع بأن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها ليست لهم وأنهم ليسوا في وضع يسمح لهم بالحفاظ عليها”.
ويرى المحللون العسكريون والمسؤولون الأوكران أن توقيت تدمير السد “مريب”، ويفيد روسيا إلى حد كبير، من خلال إفشال خطط كييف للهجوم على الجنوب وزيادة احتمالية شن هجوم شرقي يمكن لموسكو التركيز عليه، حسبما ذكرت “فايننشال تايمز”.
وأكد الباحث الزائر في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، بافل لوزين، أن التورط الروسي المحتمل يشير إلى مخاوف موسكو من الهجوم المضاد الأوكراني القادم.
وحسب حديثه فإن “السد تم تفجيره من الداخل، ولا يمكن أن يتضرر من القصف المدفعي”.
وتابع” لقد أمضوا (الروس) شهر مايو كله في محاولة وقف الهجوم بمزيد من الهجمات الصاروخية، ولم ينجح الأمر، لذلك قرروا تفجيره”.
تعطيل الهجوم الأوكراني المضاد؟
جاء تدمير السد في الوقت الذي كثفت فيه القوات الأوكرانية في الأيام الأخيرة هجماتها في مواقع متعددة على طول خط الجبهة البالغ 1000 كيلومتر في جنوب وشرق البلاد، مما يشير إلى أن الهجوم المضاد الذي طال انتظاره كان على وشك الحدوث، حسب “فايننشال تايمز”.
وقال الزميل الأول في معهد أبحاث السياسة الخارجية، روب لي، إن روسيا تستفيد من كون الجبهة “أصغر حجما” لأنه من الأسهل تركيز القوات لمنع “حدوث اختراق”.
وأوضح أن شن عملية أوكرانية في خيرسون أصبح “أقل احتمالا الآن”، لكنه أكد أن أوكرانيا قادرة على تحريك المزيد من القوات شرقا.
وقال مسؤول عسكري أوكراني تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لـ”فايننشال تايمز”، إن المسؤولين يقومون بتقييم الأضرار الناجمة عن الفيضانات وسيقومون بتعديل خططهم الهجومية المضادة وفقا لذلك.
من جانبه، أشار المستشار العسكري ووزير الدفاع الأوكراني السابق، أندري زاغورودنيوك، إلى أن جنرالات كييف لديهم من المحتمل “خطط بديلة”.
وقال إن “الفيضانات قد تكون انتكاسة، لكنها لن توقف هجوم أوكرانيا المضاد”، مرجحا قيام روسيا بتفجير السد لـ”تعطيل تقدم القوات الأوكرانية”.
وقال مركز الاتصالات الاستراتيجية وأمن المعلومات في أوكرانيا (حكومي)، إنه من المحتمل أن تكون القوات الروسية قد فجرت السد لإغراق الجزر الواقعة في اتجاه مجرى النهر، والتي استعادت القوات الأوكرانية السيطرة عليها، الإثنين.
والسبب المحتمل الآخر لتفجير السد هو “الرغبة في إلحاق أكبر قدر من الضرر بأوكرانيا في الظروف التي فقد فيها المحتلون الأمل في الحفاظ على سيطرتهم على جنوب البلاد”، حسب المركز.
من المتضرر؟
أكد مسؤول غربي أن الفيضانات “ستؤثر على قطاعات كبيرة من البنية التحتية المدنية الأوكرانية التي يصعب تجديدها في خضم الحرب”.
وقال” إذا كنت تعلن على نطاق واسع أنك على وشك شن هجوم مضاد، فلا ينبغي أن تتفاجأ إذا اتخذ الخصوم إجراءات تعويضية”.
على جانب آخر، أكد مايكل كوفمان، المحلل العسكري في “مركز التحليلات البحرية”، وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن، أن الفيضانات تؤثر أيضًا على القوات الروسية.
وأوضح أن تدمير السد غمر خط الدفاع الروسي الأول شرق نهر دنيبرو في خيرسون، على الرغم من أن خطر عبور النهر الأوكراني كان “دائما منخفضا”.
وقال “هذه الكارثة لا تفيد أحدا، وسوف تؤثر على الأراضي التي تحتلها روسيا أكثر من غيرها”.
ومن جانبه، رجح بافل لوزين، أن تتأثر روسيا بشكل أسوأ من أوكرانيا على المدى الطويل.
وقال “ستتدفق المياه بعيدا في غضون أيام قليلة، والمواقع الروسية على الضفة اليسرى للنهر هي التي غمرتها المياه”.
وجهات نظر روسية متباينة
الثلاثاء، قال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للصحفيين “هذا عمل تخريبي متعمد بشكل لا لبس فيه من الجانب الأوكراني جرى التخطيط له وتنفيذه بأمر من كييف” مضيفا أنه يرفض “بشدة” اتهامات السلطات الأوكرانية التي تنسب المسؤولية إلى موسكو.
وداخل روسيا، تباينت وجهات نظر المدونين العسكريين المؤيدين للحرب، حول المتسبب في تفجير السد وتداعيات ذلك.
وقال ألكسندر كوتس، وهو مراسل حرب روسي في صحيفة “كومسومولسكايا برافدا”، المؤيدة للكرملين، إن ضفتنا اليسرى من النهر هي التي تعاني أكثر من الفيضانات، مضيفا “ليس من المنطقي قيامنا بذلك”.
من جهته، قال إيجور جوزينكو، وهو مقاتل متطوع ومدون روسي: “لن أقول من فجر السد، ولكن من وجهة نظر تكتيكية، يمكن لأوكرانيا أن تنسى هجوم خيرسون”.
الحرة