برز اسم بريغوجن، 61 عاما، في وسائل الإعلام الغربية قبل سنوات، بعد أن فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية، لدور إحدى شركاته في التأثير بالانتخابات الأمريكية، التي أدت إلى وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكن صيته ذاع عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، ومشاركة قواته العسكرية المسماة “فاغنر” في القتال شرق أوكرانيا.
يعتبر بريغوجن إحدى الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وصار على لسان وسائل الإعلام داخل روسيا وخارجها، وكسب مكانة خاصة في مربع القرار، حتى إنه يصنف ضمن الشخصيات التي تشكل الدائرة الضيقة جدا للرئيس الروسي، قبل أن تتوتر العلاقات أخيرا لتصل حد تحريض بريغوجن للتمرد على الجيش الروسي.
وقال بريغوجن إن رجاله عبروا الحدود من أوكرانيا إلى روسيا، مضيفا أنهم مستعدون للمواصلة حتى النهاية في مواجهة الجيش الروسي.
قوات فاغنر
ينتشر عناصر شركة “فاغنر” الروسية في أكثر من بلد حول العالم، في إطار سياسة جديدة تتخذها موسكو لتوسيع نفوذها الدولي في مناطق النزاع والتوتر، لا سيما أوكرانيا ومناطق متفرقة من أفريقيا.
وظل الكثير من الأسئلة تحيط بمليشيا مجموعة فاغنر الروسية، أبرزها؛ من يقف وراء هذه المجموعة التي ساندت نظام بشار الأسد في سوريا، ووفرت دعما عسكريا في مرحلة من مراحل النزاع الليبي لقوات حفتر في شرق البلاد في حربها على حكومة الوفاق في طرابلس؟ إلا أن الكرملين كان دائما يتمسك ببراءته منها، وينفي على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا علاقته بها.
لكن بعد سنوات من الغموض، تبين أن من يقود “فاغنر” هو أحد المقربين جدا من بوتين، وهو يفغيني بريغوجن، الذي يوصف من طرف وسائل الإعلام الغربية بـ”طباخ” الرئيس الروسي، إذ أقر بنفسه قبل أشهر أنه أسس “فاغنر” في 2014 للقتال في أوكرانيا، واعترف بانتشار عناصر منها في أفريقيا وأمريكا اللاتينية خصوصا.
ففي بيان نشر على حسابات شركته “كونكورد” للمطاعم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكد بريغوجن أنه أسس هذه المجموعة لإرسال مقاتلين مؤهلين إلى منطقة دونباس الأوكرانية في 2014. وأضاف: “منذ تلك اللحظة في الأول من أيار/مايو 2014، ولدت مجموعة وطنيين اتخذت اسم مجموعة كتيبة فاغنر التكتيكية”.
كيف برز اسم بريغوجن؟
ينحدر بريغوجن من مدينة سان بطرسبورغ الروسية، التي عرف بها في مرحلة من سنوات شبابه كمنحرف، حكم عليه خلالها بالسجن 12 عاما، قضى منها عشر سنوات بتهم تتعلق بالسرقة والانتماء إلى عصابة. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، وظهور نظام جديد في روسيا، حاول استغلال الفرص المتاحة للعمل في التجارة.
ارتبطت مسيرته التجارية بتسويق الطعام والمواد الغذائية، فبدأها ببيع سندويشات النقانق قبل أن يخلق سلسلة متاجر للبقالة، ثم انتقل بعد ذلك إلى إحداث مطاعم، أشهرها موجود على المياه في مدينته الأصلية سان بطرسبورغ، حيث سبق أن استضاف الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى جانب نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي فتح له بوابة الكرملين، ليصبح “طباخه” عبر شركته.
وعلاقته بالكرملين، ستساعد شركته “كونكورد” للطعام أيضا على الحصول على مئات الملايين من العقود الحكومية، لتوفير وجبات الأكل لأطفال المدارس والموظفين الحكوميين. كما حصد عقودا لتوريد وجبات إلى الجيش الروسي بقيمة تعادل مليار دولار أمريكي على الأقل في عام واحد.
مشاركة قوات بريغوجن في حرب أوكرانيا
دخلت قوات فاغنر على خط المواجهة مع القوات الأوكرانية في عدد من محاور القتال شرق أوكرانيا، وذلك دعما للجيش الروسي الذي تحدثت تقارير عن إخفاق قواته في حسم السيطرة على مناطق شرق أوكرانيا، لا سيما سوليدار وباخموت.
قبل أشهر مضت، تولت فاغنر العمليات في مناطق شرق أوكرانيا، وتمكنت من السيطرة فعليا على مدينة سوليدار، ثم واصلت الزحف نحو باخموت المجاورة، لكن هذه الأخيرة استنزفت قواته، وتسببت في تفجير الصراع بينه وبين وزارة الدفاع الروسية، إذ اتهم بريغوجن غير مرة وزير الدفاع سيرجي شويغو بترك قواته على جبهات القتال دون ذخيرة وعتاد، كما اتهمه (شويغو) مع فاليري غيراسيموف رئيس هيئة الأركان العامة بعدم الكفاءة في منصبيهما.
الصدام مع الكرملين
وفجر السبت، اتهمت روسيا بريغوجن بالدعوة إلى تمرد مسلح بعد زعمه، “دون تقديم أدلة”، أن القيادة العسكرية قتلت ألفين من رجاله، وتعهد بوقف ما وصفه بأنه “شر”.
ومع وصول المواجهة طويلة الأمد بينه وبين وزارة الدفاع إلى ذروتها، أصدرت الوزارة بيانا قالت فيه؛ إن اتهامات بريغوجن غير صحيحة وتمثل استفزازا إعلاميا”.
وقال بريغوجن؛ إن أفعاله لا ترقى لدرجة انقلاب عسكري. لكن وكالة تاس للأنباء ذكرت اليوم الجمعة، أن جهاز الأمن الاتحادي الروسي فتح دعوى جنائية ضده لاتهامه بالدعوة إلى تمرد مسلح.
وذكر الكرملين أنه تم إبلاغ الرئيس فلاديمير بوتين بالتطورات، وأن هناك “إجراءات ضرورية تتخذ”.
والمواجهة التي ظلت الكثير من تفاصيلها غير واضحة، هي أكبر أزمة داخلية يواجهها بوتين على ما يبدو منذ أن أرسل آلاف الجنود إلى أوكرانيا في شباط/ فبراير من العام الماضي.
لكنه تجاوز خطا جديدا الجمعة على ما يبدو في صراعه المتصاعد مع وزارة الدفاع، قائلا؛ إن منطق الكرملين في غزو أوكرانيا، يستند إلى أكاذيب اختلقها كبار ضباط الجيش.
وفي سلسلة من الرسائل الصوتية على قناته الرسمية على تيليجرام، قال بريغوجن: “وزارة الدفاع أمرت بإخفاء 2000 جثة مخزنة؛ حتى لا تظهر الخسائر”.
وأضاف: “الذين دمروا شبابنا، الذين دمروا حياة عشرات الآلاف من الجنود الروس، سيعاقبون”.
وتابع: “هناك 25 ألفا منا، وسنكتشف سبب حدوث الفوضى في بلادنا”.
وقال؛ إن أفعاله ليست “انقلابا عسكريا”، مضيفا أن “معظم الجيش يدعمنا بقوة”.
وذكرت وكالة ريا نوفوستي للأنباء، أن اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب قالت، في أعقاب تصريحات بريغوجن؛ إن جهاز الأمن الاتحادي “فتح دعوى جنائية استنادا إلى دعوات بشن تمرد مسلح”.
ما تأثير تحريض بريغوجن؟
وفي تعليقه على دعوات بريغوجن للتمرد، قال المحلل السياسي الروسي، ألكسندر نازاروف؛ إن ظهور مثل هذه التصريحات من قبل بريغوجن، هو نتيجة لإلغاء الدور الذي أداه.
وقال نازاروف في تعليق على حسابه في “تلغرام”؛ إنه يعتقد أن بريغوجن “لا يسيطر على مجموعة فاغنر ، فهو لا يمثل أي شخص سوى نفسه”، مضيفا: “أعتقد أن مقاتلي مجموعة فاغنر أنفسهم لن يخضعوا لمحاولاته لإثارة التمرد، لذلك لا أتوقع أي اشتباكات”.
ورجح نازاروف أن يتم اعتقال بريغوجن ومعاقبته قريبا، أو سيتم تصفيته إذا قاوم. من الممكن أن يكون هذا الأداء برمته قد قام به بريغوجن للهروب إلى الغرب، أي يرفع من قيمته لإطلاق الدعاية من أجل زيادة فرصة قبوله هناك. وفق قوله.
عربي 21