نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا لكل من رجاء عبد الرحيم في بيروت وإيزابيل كولز في بغداد، تناقشان فيه توجهات تنظيم الدولة في المرحلة القادمة.
وتقول الكاتبتان إنه بالرغم من الادعاءات التي يقولها نظام الأسد والنظام العراقي بالانتصار على تنظيم الدولة، إلا أن آلافا من مقاتلي التنظيم لا يزالون يتحصنون في كلا البلدين، وقاموا بهجمات مؤخرا على أهداف مدنية وعسكرية، بحسب تحالف تقوده أمريكا ويحارب المجموعات المتطرفة.
ويشير التقرير، إلى أن المقاتلين المختبئين في المناطق الصحراوية أو الجبلية أو بين المدنيين في البلدان المجاورة يقومون بتصعيد هجمات الكر والفر الآن، وبعد أن خسروا مساحات واسعة من الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها, التي استولوا عليها قبل عدة سنوات، بحسب المسؤولين في التحالف والناشطين المحليين والخبراء الآخرين.
وتنقل الصحيفة عن الخبير العراقي في تنظيم الدولة هشام الهاشمي، قوله: “طريقتهم في القتال هي مثل الذئب الجريح.. الذئب هو الحيوان الوحيد الذي لا يهرب عندما يجرح.. بل يهاجم”.
وتلفت الكاتبتان إلى أن التحالف الذي تقوده أمريكا يفسر هذا التطور بحذر على أنه دليل على تراجع التنظيم، “فبينما يستمر (التنظيم) في خسارة الأرض والنفوذ والتمويل والقدرات التقليدية، نتوقع أن يعودوا لجذورهم الإرهابية، بالقيام بهجمات بارزة على مدنيين عزل.. وهناك أقل من 3000 إرهابي يتم تصيدهم في المناطق الصحراوية في سوريا”، بحسب ما قاله التحالف الأسبوع الماضي.
ويورد التقرير نقلا عن التحالف, قوله إن الحلفاء السوريين قتلوا أكثر من 20 من مقاتلي التنظيم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما اقتربت إحدى القوافل من قاعدة التنف العسكرية في جنوب شرق سوريا، حيث توجد قوات أمريكية وقوات سورية حليفة لأمريكا، مشيرا إلى أن هجمات مقاتلي تنظيم الدولة تستهدف المقاتلين الذين تدعمهم أمريكا وقوات الأسد ، إلا أن التنظيم وجه أيضا هجمات ضد مخيمات النازحين السوريين، الذين فروا من المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم.
وتذكر الصحيفة أن متمردين في العراق يرتدون ملابس المليشيات التي تدعمها الحكومة، قاموا بإقامة حواجز عسكرية في منطقة الحويجة جنوب كركوك، وقاموا باغتيال قائد شرطة محلي وابنه، وقتلوا في هجوم منفصل زعيما قبليا وزوجته بحسب الشرطة العراقية، لافتة إلى أن المتطرفين قاموا بعد ذلك بأيام بمهاجمة دورية عسكرية بالقرب من المكان ذاته، وقتلوا جنديين عراقيين.
وتفيد الكاتبتان بأنه سمح للعديد من المتطرفين الذين لا يزالون في سوريا والعراق بتجنب حرب مدن، وهو ما حصل في الرقة، بموجب صفقة انسحاب مثيرة للجدل؛ للتسريع في إنهاء القتال في معقل التنظيم السابق في سوريا.
وينوه التقرير إلى أن الجيش العراقي أعلن بعد اقتلاع تنظيم الدولة من الموصل في حزيران/ يونيو، عن عدة انتصارات ضد المتطرفين في معاقل التنظيم القوية في تلعفر والحويجة ووادي الفرات، لافتا إلى أن تلك المعارك توجها خطاب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في كانون الأول/ ديسمبر، بأن هزيمة التنظيم في العراق قد تحققت.
وبحسب الصحيفة، فإن تقدير التحالف الذي تقوده أمريكا بأن تلك المعارك بعد سقوط الموصل ستستغرق أشهرا، بناء على تقارير استخبارية، بأن آلاف المقاتلين يستعدون للوقوف بقوة أمام الهجمات، لكن في النهاية لم يستمر القتال سوى أيام، ولم تواجه القوات العراقية أي مقاومة تذكر.
وتنقل الكاتبتان عن العقيد سيث فولسوم، الذي يقود القوة العسكرية الأمريكية، التي ساعدت القوات العراقية الشهر الماضي على تطهير المنطقة بالقرب من الحدود السورية من تنظيم الدولة، قوله: “(إن ما حصل) يثير التساؤل: أين ذهب جميعهم؟”، وأضاف: “أظن أن هناك احتمالا جيدا بأن الكثير منهم هرب عبر الحدود.. فكانت لديهم فرصة في الهروب من الباب الخلفي حينها، وأظن أن ذلك هو ما حصل”.
ويبين التقرير أن الدول الغربية خشيت بأن نهاية لـ”الخلافة” التي أعلنها تنظيم الدولة في سوريا والعراق، ستؤدي إلى تدفق المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم للقيام بهجمات هناك، إلا أن معظم الهجمات التي قام بها التنظيم مؤخرا كانت في سوريا والعراق، منوها إلى أن مجموعة منتسبة للتنظيم في أفغانستان أعلنت يوم الخميس مسؤوليتها عن الهجوم في كابل، الذي قتل 41 شخصا.
وتورد الصحيفة نقلا عن المحللة لدى معهد دراسات الحرب في واشنطن جنيفر كفاريلا، قولها بأن الحفاظ على خلايا نائمة ضروري لاستراتيجية تنظيم الدولة بعيدة المدى التي تهدف لعودته، ولذلك كان قراره للانسحاب مبكرا من عدة ساحات في سوريا في العراق يهدف إلى الحفاظ على إمكانياته للاستخدام المستقبلي.
وتنقل الكاتبتان عن سكان محليين، قولهم إن العديد من مقاتلي تنظيم الدولة قاموا بحلق لحاهم، وغيروا مظهرهم الخارجي؛ للفرار مع النازحين المدنيين، فيما دفع البعض مبالغ للمهربين ورشاوى المقاتلين الذين يحرسون الحواجز، للوصول إلى أجزاء من سوريا تحت سيطرة القوات التي تدعمها أمريكا أو الثوار الذين تدعمهم تركيا، بحسب المدنيين الذين فروا من تلك المناطق.
ويفيد التقرير بأن الهاشمي يقدر بأنه تبقى في العراق ما بين 800 إلى 850 مقاتلا من مقاتلي التنظيم، سيقومون بإزعاج القوات الأمنية على مدى العامين القادمين، مشيرا إلى أن كثيرا من المقاتلين الباقين وجدوا ملاذا آمنا في مناطق لطالما كانت خارجة عن سيطرة الحكومة، مثل جبال حمرين في الشمال والصحراء الغربية الواسعة ذات الأودية العميقة، التي تجعل الاختباء فيها سهلا، كما يعتقد بوجود آلاف أخرى من المتطرفين مختبئين في منطقة صحراوية أخرى في شرق سوريا.
وتشير الصحيفة إلى أن المتطرفين، كما فعلوا في الماضي، يستغلون الثغرات بين مراكز القيادة الأمنية في المحافظات المختلفة، حيث أدى الهجوم، الذي قامت به القوات العراقية للسيطرة على مناطق سيطر عليها الأكراد في شمال العراق في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، إلى خلق فراغ أمني أعطى المتطرفين فرصة للتسلل إلى أجزاء في المنطقة، بحسب المسؤولين الأمنيين والمحللين والمدنيين.
وتورد الكاتبتان نقلا عن عقيد في الشرطة العراقية في منطقة الحويجة جنوب كركوك، قوله إن بقايا تنظيم الدولة هددوا المدنيين بعدم التعاون مع القوات الأمنية أو المنظمات الدولية التي تعمل في إعادة الإعمار، مشيرتين إلى أن القوات الأمنية تجهز نفسها للقيام بعملية في المنطقة لتطهيرها من مقاتلي التنظيم الفارين، بحسب مصادر في قيادة العمليات في كركوك.
ويقول العقيد فولسوم: “نحن في الواقع لسنا متأكدين ماذا سيأتي لاحقا.. وإن كان هناك تنظيم الدولة رقم 2.. وقد أثبت التاريخ أن المناطق غير المسيطر عليها تشكل أرضية خصبة للتطرف”.
ويلفت التقرير إلى أن لتنظيم الدولة تاريخا حافلا بإعادة اختراع نفسه، فبعد أصوله المرتبطة بتنظيم القاعدة في العراق، تحالف مع الثوار المعادين للحكومة في سوريا، ثم أصبح شبه دولة تسيطر على مساحات شاسعة، وعاد الآن إلى كونه تمردا من جديد.
وتختم “وول ستريت جورنال” تقريرها بالإشارة إلى قول كفاريلا: “لا يمكن القضاء على تمرد بالقوة العسكرية فقط، فما دامت المدن العراقية مدمرة، وما دام الوكلاء الإيرانيون يزدادون قوة، وما دام نظام الأسد يقوى سيبقى تنظيم الدولة يمثل عباءة المقاومة السنية، مهما كان بشعا”.
وطن اف ام / عربي 21