منوعات

قلعة الحصن.. فن معماري وهندسي وعراقة من العصور الوسطى

تُعدّ قلعة الحصن، الواقعة خارج مدينة حمص، واحدة من أكثر المواقع ذكراً في كتب التاريخ التي تتحدث عن صراعات العصور الوسطى، وهي قلعةٌ تُوصف بأنها من أجمل القلاع العسكرية في الشرق، وبأنها أكبر قلعة عسكرية في العالم قائمة على وضعها الأثري حتى الآن. تقدر مساحة القلعة الإجمالية بحوالي 30 ألف متر مربع (3 هكتارات)، وتتسِع لعدة آلاف من المقاتلين. وهي بيضاوية الشكل تمتد مع خندقها على مسافة 240 م. من جهة الشمال إلى الجنوب و170 م. من جهة الشرق إلى الغرب. وترتفع عن سطح البحر بحوالي 750 متراً.

يُقالُ إن نصر بن مرداس شيّد حصناً صغيراً في موقع هذه القلعة سنة 1031 لحماية طريق القوافل التجارية القادمة من سواحل بلاد الشام، وإن الأكراد هم أول من تمركز في الحصن حتى سمي “حصن الأكراد”. وهناك آراء تذهب إلى أن الحصن المذكور بني في موقع قلعة قديمة.

الأهمية الاستراتيجية للقلعة، الواقعة في منتصف المسافة بين ساحل البحر المتوسط وحمص، كانت سبباً في نشوب العديد من الصراعات، وقد سيطر عليها الصليبيون خلال حملتهم الأولى على الشرق سنة 1099 م. حتى 1102 بواسطة ريمون دو تولوز، ثم أعادوا السيطرة عليها مرة أخرى سنة 1110 بواسطة تانكرد، صاحب أنطاكية، ثم امتلكها فرسان الاسبتارية من عام 1142 وحتى عام 1271، بعد أن منحها لهم ريموند الثاني، صاحب طرابلس.

وفرسان الاسبتارية، ويسمون أيضاً فرسان المشفى، هم فرقة عسكرية ساهمت بشكل بارز في الحملات الصليبية، نشأت بجزيرة رودوس، ثم قامت بأعمال عسكرية في الشام، بعدها احتلت طرابلس عاصمة ليبيا، ولا يزال لهذه المنظمة وجود رسمي في الأمم المتحدة تحت اسم دولة “فرسان مالطا”.

أما وصفها بأنها قلعة صليبية، فيعود إلى أنّ الصليبيين أعادوا تجديدها وترميمها وزيادة تحصيناتها بعدما تعرضت لزلزالين شديدين سنة 1175 ثم 1169. وهي تحصينات أعجزت عماد الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي عن السيطرة عليها في عدة محاولات. بعدها تعرضت القلعة لزلزال شديد سنة 1201 أصابها بأضرار كبيرة أعقبته القوات الصليبية المتمركزة داخلها بإعمار جديد.
لم يقدر أحد على تخليص القلعة من يد فرسان الاسبتارية إلا الظاهر بيبرس سنة 1271، إذ دخلت ضمن منشآت السلاطين المماليك الذين بدأوا بترميمها وإعادة بناء ما تهدم منها، كما أضافوا أبراجاً جديدة ضخمة وحمامات.

وتتكوّن القلعة من حصنين؛ أولهما داخلي، وهو بمثابة قلعة مستقلة مكونة من طابقين، ولها أبراج عالية، يحيط بها خندق مائي يبلغ طوله حوالي 70 متراً، وللحصن ثلاثة أبوب مفتوحة على الخندق، وبوابة رئيسية تتصل بباب القلعة الخارجي بواسطة دهليز طويل منحدر نحو الباب ويضم العديد من الأقبية والحجرات والقاعات متعددة الاستخدامات، من أهمها “قاعة الفرسان” ذات النقوش القوطية، والكنيسة التي تحوّلت لاحقاً إلى مسجد، والمسرح الدائري، ومجموعة الأبراج العلوية، وقاعة المؤن التي تضمُّ مخبزاً. أما الحصن الخارجي، فيتكوَّن من عدة طوابق تضم القاعات والاسطبلات والمستودعات وغرف للجلوس، و13 برجاً دفاعياً، إضافة إلى الخندق الذي يحيط به.

حظيت القلعةُ في عهد الانتداب الفرنسي بعناية كبيرة من جانب الفرنسيين، فكانت مركزاً للجذب السياحي. ومنذ عام 2013، تُعتبَر منظمة اليونيسكو القلعة الفريدة من الآثار المهددة، بعد حدوث اشتباكات قتالية في محيط القلعة، وهو ما نتج عنه العديد من الأضرار في عمارتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى