الحضارة هي ما ينتجه عقل الإنسان من فنون وعلوم وآداب وفلسفة وتشريع، والقدرة على الاستفادة من هذه الحصيلة وقد تميزت الحضارة المصرية القديمة في حقبها التاريخية المتعاقبة منذ أقدم العصور بالاهتمام البالغ بالهندسة والتكنولوجيا والحِرف الدقيقة في مختلف مناحي الحياة، حيث اتضح ذلك مما تركه المصريون القدماء من آثار تدل على عظمتهم وما لديهم من نظم متقدمة في القياسات الهندسية للأطوال والأحجام والأوزان.
فأهرامات الجيزة من العجائب المعمارية وأضخم الأبنية في العالم، وكذلك صنع المصريون القدماء أقدم عربة بعجلات، كما اخترعوا المنضدة الدائرية أو العجلة الفخارية لتشكيل الطمي بعملية الدوران. كما استطاع المصريون القدماء نقل ملايين الكتل الحجرية، التي تزن الواحدة منها أطنانا، لبناء هرم يزن 6.5 ملايين طن ويمكن رؤيته من الفضاء، في فترة استغرقت 20 عاما.
نظرية بناء الأهرامات
ترجع الفكرة في بناء الأهرامات إلى اعتقاد المصريين القدماء في خلود الروح، واعتقادهم في البعث مرة أخرى وبوجود حياة أبدية. ولمعرفة السر في بناء الأهرامات علينا التعمق في قراءة الفكر اللاهوتي للمصريين القدماء.
فالهرم مرتبط بالنظرية القديمة للوجود التي تفسرها أسطورة أجدواد (Ogdoad) المبنية على أربعة عناصر، وهي الماء والشروق والهواء والروح، لذا فالأهرامات ليست قبورا، بل كانت بوابة تمكن الروح من العبور إلى عالم الخلود، ثم العودة الى عالم الوجود. جاء في كتاب رسالة أبي الهول لمؤلفه جراهام هانكوك وروبرت بوفال: أن أبا الهول بني تزامنا مع أهرامات الجيزة الثلاثة قبل 12500 سنة على حسابات فلكية.
معجزة الحجارة
استخدام حجارة كبيرة يدل على أن تاريخ الأهرامات يعود إلى زمن ما بين عاد وثمود حسب الأسماء المنقوشة على جدران المعابد. قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ، وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ، وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (سورة الفجر، 6-10).
فمن استطاع تحريك حجارة بحجم ضخم يزيد وزنها عن مئة طن، وتقطعيها أو تحريكها مسافة تسعمئة كيلومتر كانوا أشد منا قوة وباسا. قال تعالى (أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (سورة الروم، 9)
وقال أيضا (أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُواْ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) (سورة غافر، 21).
الحجم العملاق
فيصبح مؤكدا أن من قام بهذه المهمة هم أناس بحجم عملاق تمكنوا من حمل الحجارة الكبيرة وتحريكها بسهولة، فأحجام أولئك لم تكن طبيعية قياسا علينا، ولم تكن بحجم آدم عليه السلام، بل كانوا وسطا بين هذه الأحجام.
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (خلق الله عز وجل آدم على صورته، طوله ستون ذراعا. فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. قال فذهب فقال السلام عليكم. فقالوا السلام عليك ورحمة الله. قال فزادوه ورحمة الله. قال فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا. فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن) (صحيح مسلم، رقم 2841).
نقل الحجارة
في بناء الأهرامات الثلاثة استخدمت سبعة ملايين صخرة تقريبا مختلفة الأحجام، يصل وزن الواحدة منها سبعين طنا، وقطعت هذه الصخور ونحتت ونقلت من أماكن بعيدة ورتبت بشكل هندسي مضبوط استقر على مدى آلاف السنين. مثل هذا العمل نعجز عنه اليوم رغم التكنولوجيا المتوفرة لدينا. فلا نجد غير تفسير وحيد هو أن من صنع هذه الآثار لم يكونوا بأحجامنا اليوم، بل إنهم عمالقة تراوحت أحجامهم بين 6 و15 مترا. يمكننا القول إن الإنسان الأول الذي عاش مئات السنين، مثل نوح عليه السلام (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً) (سورة العنكبوت، 14)، لا يكون بدنه مماثلا للبدن الحالي. لذلك نتوصل إلى ضرورة أن يواكب عمر الإنسان بدنا يتحمل حياة خاصة، فالعلاقة قائمة بين طول العمر وطول القامة.
دلالات البناء
كان المصريون القدماء عباقرة في إنجازاتهم، استعملوا مواد موجودة في الطبيعة، ولشرح السبل اللازمة لعمل القطع الأثرية والمنحوتات يجب أن يملك الخبراء التجريبيون الحاليون الدراية الكاملة للتشخيص السليم للقطع الأثرية، وأن يقدموا وصفا حقيقيا نظريا للطرق التي اتخذها المصريون القدماء ويقارنوا النتائج التجريبية بالقطع الأثرية الأصلية من كل جوانب التشخيص الدقيق.
إذن كيف تمكن المصريون القدماء من قطع الأحجار الصلبة بكل كفاءة ومهارة؟ كيف يحل هذا اللغز الذي بقي خافيا آلاف السنين؟ إن الجواب يتطابق مع ما طرحناه، وهو حجم الأجسام البشرية الضخمة التي يتراوح طولها بين 6 و15 مترا، هذه هي التكنولوجيا الغائبة للقيام بهذا العمل، فهذا هو ما يسهل عمليات تقطيع الصخر الصلب ذي الوزن الكبير الذي يزيد عن مئة طن، وبقياسات هندسية فائقة، وحمله مسافات بعيدة جدا تصل إلى تسعمئة كيلومتر، ورفعه عاليا بمسافات تصل إلى 147م كما في قمة هرم خوفو.
المصدر : الجزيرة نت