منوعات

من تخون أولا: نجوى القاسم أم فيروز زياني؟… وفي الكواليس جنود بملابس داخلية في غرف العار!

في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1942 في الذكرى السنوية للثورة الروسية نشر ستالين بيانا إعلاميا بالنصر على هتلر في معركة ستالينغراد، التي ادعى الإعلام النازي سقوطها في يد جيشه، حتى ليبدو الرهان في أخطر اللحظات الحاسمة من عمر الرصاصة الأخيرة على الإعلام أولا، وهو يمرجح المشهد بين تناقضين، وينقل الحرب من الجبهة العسكرية إلى الجبهة الإعلامية محددا مسار التار يخ ليطيح بجيش، ويرفع آخرا حتى لو خرج من ساحة الحرب بملابسه الداخلية وحدها!

بين سياسة التعتيم والتشهير تمسك بخيوط اللعبة الإعلامية في ظل الأزمات والنزاعات الدولية، يثبتها إستصدار الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت خلال معركة ستالينغراد أمرا رئاسيا بوقف حملات التشهير الإعلامي بالشيوعية، ليتحول جوزيف ستالين بلمح البصر إلى «العم جو» في نظر الأمريكيين، الذين سار حلفاؤهم البريطانيون على نهجهم، بقلب الدعاية السوداء إلى رياضة تدليل إعلامية يتحول بها الحليف الأحمر ضد عدوهم النازي ذي الذراع الواحدة، إلى ستالين الطيب العجوز، فهل تجد رابطا إعلاميا بين وكر الذئب الألماني ودولة الخلافة الداعشية؟
فتوحات روسية لمعلبات البشر
لن نستغرب لو تعاطى جيش الدببة القطبيين معلبات لحم البقر الأمريكي على طريقة أجداده الحمر، الذين تهافتوا على التهامها في ثكناتهم العسكرية مازحين: «ها نحن نفتح الجبهة الثانية في هذه الحرب»، وهو الفتح الذي مكن هتلر من خداع شعبه حين مارس تعتيما إعلاميا على أنباء السقوط، ولكن إلى أجل مسمى، فالموجات الصوتية لإذاعات التحالف كانت مطاطية، إلى الحد الذي مكنها من اختراق صفوف المحور ما حدا بالكثير من جنوده إلى الإستسلام لقوات التحالف التي شحنتهم إلى كندا للعمل باستصلاح الأراضي هناك، فلم يكن أمام الذئب الرمادي سوى الإستعانة بعدسة عشيقته إيفا براون لتصويره وقد شاب شنبه الأكثر شهرة في تاريخ الشوارب الإعلامية، أما ذراعه الواحدة التي لطالما أشهرها في وجه العالم انخفضت إلى مستوى ذراعه اليسرى لتحد من اهتزازاتها بعد إصابتها بمرض البارنكسون الارتعاشي، ليختل ويضطرب نظامه الحركي على الأرض وفي عين الكاميرا، فماذا تبقى للحلفاء من مجد أعدائهم؟ لم يتبق سوى صورة الذراع الخفية التي تسببت بخلل في الضغط على الزناد سيحرف عدسة التصوير عن بؤرة الالتقاط لتستقر الرصاصة في جبهة الصور الصديقة!
اللعب بين الإعلامين الأمريكي والروسي لم يزل على حاله، فبوتين وإن كان لم يصل بعد إلى السن الستالينية التي تؤهله لنيل رتبة «العم العجوز» من الإعلام الغربي، لم يزل مرشحا بقوة للقب وراثي من الفصيلة نفسها، يشجع شعوب التحالف للهتاف له «السح ادح امبو فلاديمير طالع لـ «جو»!
«ستربتيز» إعلامي
لو شاهدت تقريرا على «الجزيرة» لزيارة السيسي لبريطانيا ستلتقط مولدا لدراويش يتجمهرون احتجاجا على استضافة مجرم حرب قادم من الغرف الجنائزية لمتحف الفراعنة بكرسي كهربائي جاهز لتلقي صدمات الموت بكبسة زر، بينما إن تابعت تغطية «أبله لميس الحديدي» للزيارة سترى حفلة تهييج مشاعر تصل لحالة الاكتمال الذهني عند عبدة الشيطان الذين يشوحون للكاميرات الصديقة كي تؤرخ للزيارة على اعتبارها فتحا هيروغليفيا يرى في الفرعون الجديد صلصالا تذكاريا من وادي الملوك، فإلى من ستنحاز أيها المشاهد في هذا «الستربتيز» الإعلامي؟
لا تصدق سوى التسريبات الإسرائيلية، التي تقع في مطبات إعلامية تبرهن مع الوقت صدق مقولة الرئيس الأمريكي روزفلت: «الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف نفسه»، فنجوى القاسم التي تحدت الشجاعة حين نعتت الانتهاكات الاسرائيلية – قبل أسابيع قليلة – بالوقحة، تعدل عن التحدي فتخذل الشجاعة، وهي تصف الإنتفاضة الموؤودة بأحداث العنف الأخيرة في حوارها مع مراسل «العربية» في القدس بعد تسريب الشاباك الإسرائيلي لفيديو التحقيق مع الطفل أحمد المناصرة، بينما تستعرض فيروز زياني في برنامج «الواقع العربي» عذابات الطفولة الفلسطينية في مدافن الأحياء «السجون الإسرائيلية»، وتسأل الحكام العرب في زنقة التسريبات: أين أنتم؟ فما أدراك من فيروز زياني؟
حرب التسريبات ضد أمهات فلسطين
حين تلجأ المخابرات العسكرية الإسرائيلية إلى تسريب شريط يدينها إذ ينتهك المادة السابعة والثلاثين من حقوق الطفل والمادة الواحدة والثلاثين من اتفاقية جنيف، واللتين تنصان على احترام كرامة الطفل ونفسيته وعدم اللجوء للضغط والتعذيب للحصول على المعلومات خلال التحقيق، فإن هذا يعني كما ورد في برنامج زياني أن اسرائيل تثق بعدم اكتراث العالم أو سعيه لمحاكمتها مهما توافرت الأدلة ضدها، وأنها تسعى لتغيير استيراتيجية التربية الوطنية التي تتبعها كل أم فلسطينية مع أبنائها، حيث ثبت بعد انتفاضة السكاكين أن حرب اسرائيل مع الفلسطينيين هي حرب أجيال، فكل جيل يحمل الشعلة من الجيل الذي يسبقه، لأن مبادئ التربية النضالية راسخة وليست متغيرة، وهو ما يضع اسرائيل في «خانة اليك» التاريخية، ويوصلها لهذا الدرك الدوني من اللامبالاة بصورتها الديمقراطية ومهمتها الدفاعية عن أمنها أمام الرأي العام العالمي، كرمى لاتخاذ احتياطات ردعية وإجراءات استباقية تحطم فيها معنويات الجيل القادم قبل أن تضطر لمواجهته في معركة جديدة، وبذلك تمارس اضطهادا إعلاميا على أمهات فلسطين بحرمانهن من حضور جلسات المحاكم، بينما تعرض على الملأ وقائع التحقيق التي تصل بالأطفال إلى الإنهيار وقد تنجح بإسقاطهم وتحويلهم إلى جواسيس في غرف العصافير، وبمجرد رؤية الأم لهذه التسريبات تتعرض لقهر نفسي عميق، وقد تهتز صورة الطفل أمام رفاقه ومجتمعه إن رضخ واستسلم أوأُسقِط..
هذه حرب اضطهاد هي الأقسى في تاريخ الحركة النضالية الفلسطينية، لأن ما كان خبيئا في أدراج الشاباك يُعرض ليخدم سياسة التثبيط الاسرائيلية إن لم يتم التصدي له بمضاعفة الجرعات التربوية بتكتيك أكثر وعيا وإدراكا للثغرات الإعلامية التي يمكن توظيفها لقلب السحر على الساحر!
اللعب مع الذاكرة
بعد انتشار هاشتاج «مش متزكر»، يثبت الزمن أن اللعبة الحقيقية بيننا وبين عدونا تقوم على الذاكرة، فأحمد مناصرة قانونيا – كما قال ضيف زياني في برنامج «الواقع العربي»- في حل من أي اعتراف تبطله طريقة التحقيق غير القانونية، ولكن هناك حيلة ذكية اتبعها مناصرة بعد أن توتر المحقق أمامه وبدأ يفقد توازنه وأعصابه ويشتمه، محاولا إخافته ليقع في نهاية المطاف في مصيدته ويفقد تماما انضباطه فيبدو مضطربا منفعلا وهستيريا، أمام طفل تذرع بالنسيان لينقذ الذاكرة، لأن عبارة «مش متذكر» بطريقته التي رأينانها، هي دليل ثبوتي على التعذيب بالتشويش على الذاكرة، من أجل تشويهها، وقد انتصر أحمد على التشويش ليس بمقاومته بل بالتذرع به لمقاومة أثره.
يذكرني هذا الموقف بسؤال سألته لفلسطيني ناج من مذبحة «صبرا وشاتيلا»، في حوار نشرته «القدس العربي» عن ذاكرته، اعترف فيه بالخيانة، والعمل لصالح العدو الإسرائيلي، حينها سألته، وقد حاولت استشفاف بادرة ندم أو تحريض على الندم: هل تتمنى أن تفقد ذاكرتك الآن؟ وكنت أقصد ذاكرة الخيانة لا ذاكرة المذبحة، فأجابني بإصرار: لا! كانت ذاكرته عدوه، ولم يفلح أو يجرؤ على تحويل الألم إلى مشروع إنساني ونضالي، لأنه استلذ الإنتقام من الشجاعة بالإستسلام للخوف والرعب والعار… بينما ولحسن حظي أجريت قبل ثلاث سنوات لقاء صحافيا مع أصغر أسير فلسطيني في سجون الإحتلال الطفل المقدسي مسلم موسى عوده، وسألته بعد تحرره: بماذا تحس حين تتذكر غرفة التحقيق؟ أجابني: أن عدوي جبان، وأنني أحب أمي الآن أكثر لأنها ربتني على الشجاعة… وبين هذا وذاك برزخ لا يلتقيان، وشاهد وحيد على الذاكرة، هو الخوف من فقدانها ليس من أجل الإنتقام منها إنما من أجل الإنتقام لها… لأن البطل ليس مريضا وليس جبانا، وليس حاقدا، إنما هو حارس للخلود والحق والمحبة. وبالعودة إلى عدد المعتقلين من الأطفال الفلسطينيين منذ عام 2000 حتى الآن فإن عددهم يفوق الثمانية آلاف طفل جرى التحقيق معهم بأقسى وأبشع الأساليب الصهيونية التي تسعى لاستنساخ الطفل الخائن والإستفادة من هذه النفايات الوطنية بإعادة تصنيعها وتحويلها إلى نماذج إعلامية رادعة، ترضخ للألم الذي يقهرها ولا تقهره، لتحول الحرب بالدرجة الأولى بين الفلسطيني ونفسه، بينه وبين خوفه أو شجاعته، بينه وبين صورته أو ظله، بينه وبين ألمه أو ذاكرته، فإما أن ينسى عدوه، وإما أن ينسى نفسه، ولأن الخيار بين الذاكرتين أصعب من المستحيل، اختار لنا أحمد مناصرة ذاكرة ثالثة، هي ذاكرة التحايل على الذاكرة، بالتشويش على النسيان!
لن يحتاج مناصرة إذن من فيروز الزياني سوى التشويش على نجوى القاسم كي يكتمل نصاب الشجاعة دون الحاجة إلى فذلكة الخبر!

المصدر : القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى