كثيراً ما يشكو الطلبة والموظفون، الذين يستخدمون أيديهم باستمرار في إنجاز أعمالهم ومشاريعهم، من الشعور بالخدر والوخز في اليدين، وقد تصل شكواهم إلى حد سقوط الأشياء من أيديهم، في بعض الأحيان، بسبب عدم استطاعتهم الإمساك بها جيداً. ومن هؤلاء، أصحاب المهن التي تتطلب العمل على الكومبيوتر طوال اليوم، وأولئك الذين يستخدمون أيديهم باستمرار لدرجة التعب والإرهاق كالمزارعين وسائقي الشاحنات وعمّال المصانع والبنّائين، وغيرهم. ويتم تشخيص حالتهم بـ«متلازمة النفق الرسغي Carpal Tunnel Syndrome»!
متلازمة النفق الرسغي
ما هي متلازمة النفق الرسغي؟ وما أسباب حدوثها؟ وهل يمكن منعها والوقاية منها؟
تقول الدكتورة كريستين كريم (Kristin Karim، M.D.)، اختصاصية جراحة تقويم العظام وتخصص دقيق في إصابات الأصابع واليد والساعد في مايو كلينك، في ولاية مينيسوتا، إن العمل المرهق باليدين باستمرار يمكن أن يسبب لهما الألم والخدر والضعف. ومتلازمة النفق الرسغي هي إحدى الحالات المرضية التي يمكن أن تؤثر على العديد من أصحاب المهن الشاقة التي تعتمد على اليدين.
متلازمة النفق الرسغي هي حالة شائعة تحدث عندما يضيق النفق أو عندما يتضخم النسيج المحيط بالأوتار المثنية (المعروفة باسم الغشاء الزليلي synovium)، ما يؤدي إلى انضغاط أحد الأعصاب الرئيسية في اليد – وهو العصب المتوسط (median nerve) – الموجود في الرسغ وأثناء انتقاله عبر المعصم فيقلل من إمداده بالدم ويتسبب في التنميل والوخز والألم في اليد والساعد. يمنح هذا العصب الإحساس لأصابع الإبهام والسبابة والوسطى والبنصر، كما يرسل الإشارات إلى العضلات حول قاعدة الإبهام.
الأسباب
تشير الدراسات إلى أن النساء وكبار السن هم الأكثر عرضة للإصابة بمتلازمة النفق الرسغي، وأن معظم الحالات تنتج عن مجموعة من عوامل الخطر التي تشمل ما يلي:
* الوراثة، من المحتمل أن يكون هذا عاملاً مهماً. قد يكون النفق الرسغي أصغر بشكل طبيعي لدى بعض الأشخاص، أو قد تكون هناك اختلافات تشريحية تغير مقدار المساحة المخصصة للعصب – ويمكن أن تكون هذه السمات متوارثة في العائلات.
* الاستخدام المتكرر لليد، إذ إن تكرار حركات اليد والمعصم نفسها أو الأنشطة على مدى فترة طويلة من الزمن قد يؤدي إلى تفاقم عمل الأوتار في الرسغ، مما يسبب تورماً يضغط على العصب، ومنها الظروف البيئية، أو ظروف مكان العمل الذي يتضمن الإمساك باليد المتكرر أو القوي، واستخدام الماكينات الثقيلة والأدوات اليدوية الهزازة.
* وضعية اليد والمعصم. القيام بالأنشطة التي تنطوي على ثني شديد أو تمديد اليد والمعصم لفترة طويلة من الزمن يمكن أن يزيد الضغط على العصب.
* الحمل. التغيرات الهرمونية أثناء الحمل يمكن أن تسبب تورماً يؤدي إلى الضغط على العصب.
* الظروف الصحية. مرض السكري، والنقرس، والتهاب المفاصل الروماتويدي، وعدم توازن الغدة الدرقية… هي الحالات التي ترتبط عادة بمتلازمة النفق الرسغي، إضافة إلى العدوى والكتل وإصابات الرسغ الشديدة.
الأعراض
في معظم الحالات، تبدأ أعراض متلازمة النفق الرسغي تدريجياً، دون إصابة محددة. ويجد العديد من المرضى أن أعراضهم تأتي وتذهب في البداية. ومع ذلك، مع تفاقم الحالة، قد تحدث الأعراض بشكل متكرر أو قد تستمر لفترات أطول من الزمن.
الأعراض الليلية شائعة جداً؛ نظراً لأن العديد من الأشخاص ينامون مع ثني معصمهم، فقد توقظ الأعراض الشخص المصاب من نومه. أما أثناء النهار، فتحدث الأعراض غالباً عند الإمساك بشيء ما لفترة طويلة من الوقت مع ثني المعصم للأمام أو للخلف، كما هو الحال عند استخدام الكومبيوتر أو الهاتف أو القيادة أو قراءة كتاب ثقيل. يجد العديد من المرضى أن تحريك أيديهم أو مصافحتهم يساعد في تخفيف أعراضهم.
تشمل الأعراض، وفقاً للدكتورة كريستين كريم، ما يلي:
* الخدر والوخز في الأصابع.
* التورم والشعور بعدم الارتياح في اليدين والأصابع.
* الضعف، خاصة عند القرص أو الإمساك.
* إسقاط الأشياء.
* الاستيقاظ أثناء الليل لهز اليدين.
* الشعور بخدر في الأصابع بمجرد الاستيقاظ في الصباح.
التشخيص
في معظم المرضى، تزداد متلازمة النفق الرسغي سوءاً بمرور الوقت. إذا لم يتم علاجها لفترة طويلة، فإنه يمكن أن تؤدي إلى خلل دائم في اليد، بما في ذلك فقدان الإحساس في الأصابع والضعف. لهذا السبب، من المهم تشخيص وعلاج متلازمة النفق الرسغي على الفور.
لتحديد ما إذا كانت الإصابة هي بالفعل متلازمة النفق الرسغي، سوف يتناقش اختصاصي تقويم العظام مع المريض لمعرفة تاريخ الأعراض، كما يُجري له فحصاً على اليدين والرسغين، وقد يطلب منه عمل اختبارات أخرى تشمل:
* اختبار تمييز الحسّ عند الوخز في نقطتين على أطراف الأصابع لتحديد أي الأصابع مصاب بضعف الإحساس.
* اختبار تينيل (Tinel’s sign)، الذي يُجرى عن طريق النقر على عصب النفق الرسغي لمعرفة ما إذا كان ذلك يسبب وخزاً في أصابعك.
* اختبار دوركان (Durkan’s test)، الذي يتضمن الضغط بالإبهام على عصب النفق الرسغي لمعرفة ما إذا كان الشعور بالخدر أو الوخز يزداد سوءاً.
* إجراء أشعة سينية على اليد المصابة، وتصوير بالموجات فوق صوتية، والتصوير بالرنين المغناطيسي.
العلاج
رغم أنها تتطور تدريجياً، فإن متلازمة النفق الرسغي ستتفاقم مع مرور الوقت بالنسبة لمعظم الأشخاص الذين لا يتلقون أي شكل من أشكال العلاج. لهذا السبب، من المهم أن يتم تقييم المريض وتشخيص الحالة في وقت مبكر، حيث من الممكن إبطاء أو إيقاف تطور المرض.
تقول الدكتورة كريستين كريم إن الطرق العلاجية مقسّمة إلى إجراءات غير جراحية وإجراءات جراحية.
*أولاً: الإجراءات غير الجراحية: للحالات البسيطة، وتشمل:
– التجبير، وارتداء جبيرة داعمة للرسغ أثناء الليل لمنع ثني المعصم أثناء النوم. ومن المفيد أيضاً ارتداؤها أثناء النهار عند القيام بالأنشطة التي قد تؤدي إلى تفاقم الأعراض.
– تغيير النشاط اليومي، أو تعديله كتغيير موقع العمل.
– تمارين الانزلاق العصبي، قد يستفيد بعض المرضى من التمارين التي تساعد العصب المتوسط على التحرك بحرية أكبر داخل حدود النفق الرسغي.
– عقاقير مضادة للالتهابات غير ستيرويدية لتخفيف الألم والالتهاب.
– حقن ستيرويدية تعطى في النفق الرسغي لتخفيف الأعراض المؤلمة لفترة أطول، والمساعدة في تهدئة وتفاقم الأعراض.
*ثانياً: الإجراءات الجراحية: للحالات الشديدة، وتشمل:
– التدخل الجراحي لعلاج المتلازمة بهدف تخفيف الضغط على العصب المتوسط، حيث يتم شق النفق الرسغي لتخفيف الضغط.
– التنظير الجراحي هو إجراء طفيف التوغل، باستخدام تخدير بسيط أو من دونه، يتم بعمل شق صغير بالقرب من الرسغ، تمرير كاميرا صغيرة من خلال الشق إلى داخل النفق الرسغي. يفحص الجراح النفق ثم يستخدم شفرة متصلة بالكاميرا لقطع الرباط الرسغي المستعرض – سطح النفق – لتخفيف الضغط على العصب.
للحصول على أفضل النتائج بعد الجراحة، يجب الحرص على المتابعة مع اختصاصي جراحة تقويم عظام اليد، وخصوصاً عندما يكون الشعور بالخدر والوخز لا يزال متقطعاً وليس مستمراً.
*ثالثاً: الوضع بعد الجراحة. بالنسبة لمعظم المرضى، ستعمل الجراحة على تحسين أعراض متلازمة النفق الرسغي. ومع ذلك، قد يكون التعافي تدريجياً، وقد يستغرق التعافي الكامل مدة تصل إلى عام. إذا استمر الألم والضعف بشكل كبير لأكثر من شهرين، فقد يتطلب الأمر التحول إلى معالج اليد الذي يمكنه المساعدة على تحقيق أقصى قدر من الشفاء.
إذا كانت هناك حالة أخرى تسبب الألم أو التيبس في اليد أو المعصم، مثل التهاب المفاصل أو التهاب الأوتار، فقد يؤدي ذلك إلى إبطاء التعافي بشكل عام. في الحالات طويلة الأمد من متلازمة النفق الرسغي مع فقدان شديد للإحساس و – أو هزال العضلات حول قاعدة الإبهام، سيكون التعافي أبطأ أيضاً. في بعض الأحيان، يمكن أن تتكرر متلازمة النفق الرسغي، رغم أن هذا أمر نادر الحدوث. إذا حدث هذا، قد تحتاج إلى علاج إضافي أو جراحة أخرى.
هذه بعض من توصيات الأكاديمية الأميركية لجراحي العظام التي أجرت أبحاثاً متقدمة في هذا المجال من أجل مساعدة الأطباء في إدارة متلازمة النفق الرسغي.
الوقاية
هل الوقاية من متلازمة النفق الرسغي ممكنة؟
*أولاً: وفقاً لأطباء مايو كلينيك، لا توجد طرق مثبتة للوقاية من متلازمة النفق الرسغي، ولكن يمكن تخفيف الضغط على اليدين والرسغين عن طريق الخطوات التالية:
– تقليل قوة قبضة اليد والحرص على إرخائها، فإذا ما كانت مهنتك تستدعي العمل على آلة تسجيل النقود أو لوحة مفاتيح، فاضغط على المفاتيح برفق.
– أخذ فترات راحة قصيرة، ولكن متكررة. افرد يديك ورسغيك واثنيهما برفق بشكل منتظم. بدّل بين المهام إذا كان ذلك ممكناً. يكون ذلك ضرورياً بشكل خاص إذا كنت تستخدم معدات هزازة أو تحتاج لبذل قوة كبيرة. يمكن لبضع دقائق في كل ساعة أن تصنع فارقاً.
– الانتباه لوضعية اليد، تجنب ثني الرسغ بالكامل لأعلى أو لأسفل. إن البقاء في وضعية متوسطة مسترخية هو الأفضل.
– تحسين وضعية الجسم، فالوضعية الخاطئة عند الجلوس أمام الشاشة تؤدي إلى حني الكتفين للأمام، وتقصير عضلات الرقبة والكتفين والضغط على أعصاب الرقبة مما يؤثر على الرسغين والأصابع واليدين ويسبب آلام الرقبة أيضاً.
– إبقاء اليدين دافئتين، فالبيئة الباردة تزيد احتمالية الإصابة بآلام اليد والتيبس. إذا كنت لا تستطيع التحكم في درجات الحرارة في مكان العمل، فارتدِ قفازات مفتوحة الأصابع لتحافظ على دفء اليدين والرسغين.
*ثانياً: يمكن تخفيف الأعراض المبكرة بإجراءات بسيطة مثل:
– ارتداء جبيرة للرسغ أثناء النوم.
– تمارين للحفاظ على حركة الأعصاب.
– تجنب بعض الأنشطة التي تؤدي إلى تفاقم الأعراض.
– حقن الستيرويد في النفق الرسغي.
– ومع ذلك، إذا استمر الضغط على العصب المتوسط، فقد يؤدي ذلك إلى تلف الأعصاب وتفاقم الأعراض. لمنع حدوث ضرر دائم، قد يوصى بإجراء عملية جراحية لتخفيف الضغط عن العصب المتوسط لبعض المرضى.
والنصيحة الأخيرة التي نقدمها لكل قارئ أن يقوم باستشارة اختصاصي تقويم العظام عند الشعور بأي من أعراض المتلازمة لتحديد أفضل علاج، مبكراً، للحفاظ على صحة وسلامة اليدين في أداء وظائفهما بشكل جيد.
استشاري طب المجتمع نقلاً عن الشرق الأوسط