كأننا في دائرة متحركة ومغلقة، ندور في التصريحات الأميركية ذاتها، بينما يتابع السيد بوتين اختباراته السياسية والعسكرية عبر الدم السوري، محاولاً مبادلة حجم احتلاله العسكري في سورية بملفات أخرى. لكنه واقعياً ما زال يراوح في المكان ذاته سياسياً، بينما تتفرج الإدارة الأميركية الترامبية عليه ولا تريد التفاوض معه.
تاريخ بوتين السياسي وبنية سلطته المافيوية، على رغم امتلاكها حق الفيتو، عاجزان بالمعنى البنيوي عن إحداث أي نقلة سياسية في الوضع السوري. سلطته تريد إخضاع العالم أجمع لإرادة مافيا سياسية، وأن تظهر بمظهر القوة العظمى بينما تعجز عن كسب احترام أوروبي واحد يحترم نفسه، فأي حل سياسي يمكن أن يخترعه بوتين!
لا شك يستطيع السيد بوتين أن يطلّ علينا بألف شكل فوتوغرافي، راسماً عبوسه الرهيب أمام ملايين السوريين، ويستطيع أن يوقّع ما يشاء من معاهدات مع نظام دموي مرعب، ولكن كل ذلك لا يمكن أن يجعله قائداً سياسياً، فالسياسة التي يتقنها الروس تستمد شكلها ومحتواها من تاريخ علاقتهم بالقمع والقتل وتجارة المافيات.
لا شك بأن حال عموم العالم سيء، ونحن محكومون بالقلق والخوف والرعب لا بالأمل، وحال سورية لا يمكن أن يتغير خطوة واحدة إلى الأمام ما دام بوتين ومعه الملالي يتحكمون بكامل الملف السوري، وما كراهية بشار الجعفري، الظاهرة عبر تصريحاته للشعب السوري، سوى إعادة إنتاج لوجهي بوتين والخامنئي سياسياً.
باختصار، يريد بوتين إعادة تجميل وجه النظام السوري ولا يمانع في دعم مهرجان سينما سوري بقيادة وليد المعلم والجعفري لمرافقة جولات التفاوض التي ستبقى بلا جدوى.
نعم بلا جدوى، ونظرة سريعة على تاريخ وصيرورة الطغاة أجمع تجعلنا نقول إن بشار الأسد ومعه من يدعمه لا يمكن لهم أن يعيشوا من دون حروب. وقبل الثورة السورية كان كامل الشعب السوري يعيش أيضاً في ظل حرب ولكن أحداثها كانت تجرى في أقبية الاستخبارات.
نريد أن نتفاءل، ولكن أعطوني سبباً واحداً للتفاؤل على المدى القريب، إذ يكفي أن تتمعنوا قليلاً في ما تفعله الإدارة الترامبية- الأوبامية في الملف السوري، لتعرفوا حجم الخسارات المقبلة.
أما عن وفد المعارضة السورية الموحد فيكفي أن نتفرج على أقوال السيد قدري جميل، وتسمية منصته لنعرف أي كوارث تتنظرنا.
لعل السوداوية السياسية في المشهد السوري مأخوذة من سوداوية المشهد في العالم أجمع، وأكبر شاهد على ذلك عدد المرات التي استخدم فيها بوتين الفيتو لحماية رأس بشار الأسد.
فواهمٌ من يعتقد أن موازين القوى على الأرض السورية هو ما يقود المفاوضات، لأنه بالمعنى السياسي سورياً لا توجد مفاوضات، كل ما في الأمر لعبة مافيات للضحك على العالم. نعم دعونا نتشاءم كثيراً ونبني رؤانا على تشاؤمنا، ذلك سيكون أفضل لنا سياسياً. نعم، نحتاج إلى المزيد من الصدمات لندرك أن هذه النظام لا يريد من التفاوض سوى إطالة عمره.
وتستمر المأساة للأسف.
المصدر : الحياة