هل الثقوب السوداء موجودة فعلا؟ في الحقيقة، لا يمكننا حتى الآن الجزم بذلك، ولكن العلماء يعملون بالفعل على رصد ثقب أسود.
يقول أستاذ علم الفلك الراديوي هاينو فالك، في تقرير نشره موقع فيز الأميركي، إننا نعجز عن فهم أبرز معضلة في الفيزياء، إنها الجاذبية.
والجاذبية هي المركز الذي تلتقي فيه الفيزياء الأساسية وعلم الفلك، وهنا تتصادم الفرضيتان الأساسيتان اللتان تصفان عالمنا: نظرية الكم، ونظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين.
والمثير للاهتمام أن هذا التضارب يحدث في الحياة الواقعية في مكان واحد في الكون، إنه: حافة الثقب الأسود.
ولكن كيف يمكن أن نتحقق من ذلك ونحل هذا التضارب، في وقت لم يسبق لأحد فيه أن شاهد بالفعل “ثقبا أسود”؟
ما الثقب الأسود؟
عندما ينفجر نجم كبير في نهاية حياته، ستنهار أجزاؤه الأشد عمقا تحت تأثير جاذبيته، نظرا لأنه لم يعد هناك قدر كاف من الوقود الكفيل بالحفاظ على استمرارية الضغط الذي يعمل ضد قوة الجاذبية.
نتيجة لذلك، ينهار النجم ليشكل نقطة متناهية في الصغر، وهي ما نطلق عليه اسم “الثقب الأسود”.
تضارب النظريات
والثقب الأسود لا يجذب إلى داخله كل شيء بالفعل، حيث ستحافظ قوة الطرد المركزي والزخم الزاوي الخاص بالجسم على منعه من السقوط داخل الثقب.
ووفقا لقانون النسبية العامة، فإن لا شيء يتحرك أسرع من الضوء، فالضوء هو الركيزة المستخدمة لتبادل القوى ونقل المعلومات في عالمنا المادي.
في حال كنت أسرع من الضوء، فإنك قد تتمكن من رؤية الأحداث وتغيير الأمور قبل حدوثها، وهذا يعني أن المبادئ الأساسية لنظرية الكم أصبحت باطلة.
هذه النظريات كانت محل جدل حاد بين الفيزيائيين.
هل الثقوب السوداء موجودة بالفعل؟
خلال القرن الماضي، كانت هناك أدلة قوية على أن بعض النجوم الثنائية التي تتسم بانبعاثات مكثفة وقوية، هي في الواقع ثقوب سوداء.
كما نجد أدلة تشير إلى وجود تركيز عال وأسود لكتل معينة، والتي تكونت على الأرجح نتيجة اندماج العديد من النجوم.
وكل تلك فرضيات نظرية، إذ إننا لم نتمكن فعلا من مشاهدة ثقب أسود. ويعزى ذلك إلى أنها عادة ما تكون صغيرة وفي غاية البعد، فضلا عن أنها من دون شك شديدة السواد.
كيف تبدو الثقوب السوداء في الواقع؟
صرّح الكاتب أنه في حال سنحت لنا الفرصة للنظر مباشرة إلى عمق ثقب أسود، فإننا سنرى أشد ظلمة سوادا يمكن أن نتخيلها. ولكن المنطقة المحيطة بالثقب الأسود مباشرة قد تكون مشعة، حيث تبطؤ حركة الغازات التي تدور في الداخل ضمن دوامة، تحت تأثير الحقول المغناطيسية المصاحبة لها.
حلقة من النار ومركز شديد الظلام
الفضاء ينحني من خلال الكتلة الهائلة للثقب الأسود، لذلك فإن مسارات الضوء ستنحني حوله لتتشكل في دوائر متحدة المركز.
وفي حال كان بالإمكان رؤية ثقب أسود، فسيكون ما نراه شبيها بظلال قاتمة في وسط ضباب متوهج من الضوء.
هذا الظل سيبدو أكبر مما تتوقعه بمجرد قياس قطر أفق الحدث، ويكمن السبب وراء ذلك ببساطة في أن الثقب الأسود يعمل مثل عدسة عملاقة، بحيث يضخم نفسه.
خيال أم واقع؟
يوجد ثقبان أسودان فائقا الضخامة في الكون، وهما متقاربان وعظيما الكتلة بحيث يمكن رصد ظلهما باستخدام التكنولوجيا الحديثة.
ويقع أحد هذين الثقبين في مركز مجرة درب التبانة، على مسافة تعادل 26 ألف سنة ضوئية، مع كتلة توازي أربعة ملايين كتلة الشمس، بينما يقع الثقب الأسود الثاني في المجرة الإهليلجية العملاقة “مسييه 87” التي تتراوح كتلتها بين 3 و6 مليارات من كتلة شمسنا.
كيف يمكن أن نرى الثقب الأسود؟
تتنبأ نظريات الإشعاع البسيطة بأنه بالنسبة لأي جسمين، ستطلق الانبعاثات التي تشكلت بالقرب من أفق الحدث عند نفس الترددات الراديوية التي تبلغ 230 غيغاهيرتزا فما فوق.
ويبلغ طول الموجة القصيرة جدا من الإشعاع نحو مليمتر واحد، ويتم امتصاصه بسهولة من قبل الماء.
وحتى يتمكن تلسكوب من مراقبة الموجات الكونية المليمترية، سيكون من الضروري وضعه على قمة عالية لجبل جاف، لتجنب امتصاص الإشعاع في طبقة التروبوسفير الأرضية.
وسيكون هذا التلسكوب أكثر وضوحا ألف مرة من التلسكوب الفضائي هابل. ولرؤية الموجات المليمترية يجب أن يكون هذا التلسكوب بحجم المحيط الأطلسي أو أكبر.
تلسكوب افتراضي بحجم الأرض
ويمكننا بناء تلسكوب افتراضي ذي دقة عالية عن طريق الجمع بين البيانات من التلسكوبات الموزعة على مجموعة من الجبال على كوكب الأرض.
وتسمى هذه التقنية “تخليق دوران الأرض وقياس التداخل المديد القاعدة” (VLBI). والجدير بالذكر أن هذه الفكرة تعتبر قديمة كما أنها اختبرت منذ عشرات السنين، لكن الآن أصبح من الممكن تطبيقها فقط على الترددات الراديوية العالية.
وقد أظهرت التجارب الناجحة الأولى أنه يمكن بالفعل فحص هياكل أفق الحدث على هذا المستوى من الترددات، حيث تتوفر الآن المعدات الرقمية ذات النطاق الترددي العالي والتلسكوبات الكبيرة لإجراء مثل هذه التجربة على نطاق واسع.
العمل قيد الإنجاز بالفعل
في أبريل/نيسان 2017، راقبنا مركز مجرة درب التبانة و”مسييه 87″ من خلال ثمانية تلسكوبات وزعت على ستة جبال مختلفة، في كل من إسبانيا وأريزونا وهاواي والمكسيك وشيلي والقطب الجنوبي.
وقد جهزت جميع التلسكوبات بساعات ذرية دقيقة لمزامنة بياناتها بكل دقة، وقد سجلنا عدة بيتابايتات من البيانات الخام المتوفرة، وذلك بفضل الظروف المناخية الجيدة غير المتوقعة في جميع أنحاء العالم في ذلك الوقت.
“صورة” الثقب الأسود
وفي حال نجحنا بالفعل في رؤية أفق الحدث، فسنعرف أن المشكلات التي نواجهها في خلق توافق بين النظرية الكمومية والنسبية العامة ليست مشاكل مجردة، ولكنها حقيقية للغاية.
ويمكن تجسيدها في مناطق غامضة حقيقية من الثقوب السوداء، أي في منطقة محددة بوضوح من الكون الذي نعيش فيه، ولعله هو المكان الذي سيتم فيه حل هذه المشاكل في نهاية المطاف.