من المدهش أن الطيور ترى عالما مختلفا تماما عن العالم المألوف لدينا، وبفضل كاميرا تصوير خاصة تتسم بالقدرة على محاكاة رؤية الطيور، بات بالإمكان تبين خصائص هذا الجانب المميز لديها.
وأشارت الكاتبة تيسا كوموندورس، في التقرير الذي نشره موقع “ساينس آلرت” الأميركي، إلى أنه علاوة على مدى روعتها، أسهمت الصور المتحصل عليها في شرح السبب وراء قدرة الطيور على التنقل بين أوراق الأشجار الكثيفة على نحو دقيق للغاية.
ونقلت الكاتبة عن عالمة الأحياء السلوكي سينثيا تيدور من جامعة لوند السويدية، أن فريق الباحثين كان يسعى لاكتشاف أنماط في الطبيعة يمكن للطيور رؤيتها. واختاروا تبين حقيقة ما تراه الطيور، لأن هذه الكائنات تعتبر موجهة بصريا بشكل كبير، حيث تعتمد على بصرها للتنقل وصيد غذائها.
وخلافا لعيون البشر، يمكن لعيون الطيور رصد لون رابع. وفي حقيقة الأمر، تتميز عيون البشر بوجود ثلاثة أنواع من مستقبلات الألوان، أو ما يعرف بالمخاريط، التي تعد حساسة لموجات الضوء الأحمر والأزرق والأخضر. في المقابل، تمتلك الطيور مستقبلا رابعا يختلف من حيث نوع موجات الضوء التي يمكن أن يرصدها، باختلاف أصنافها.
فعلى سبيل المثال، تملك آكلات العسل الأسترالية مستقبلا رابعا للون حساس للضوء البنفسجي، في حين أن المخاريط لدى الببغاء تتمتع بالقدرة على التقاط الضوء أكثر ضمن جزء الأشعة فوق البنفسجية من الطيف المرئي.
ولفهم كيف تترجم هذه المخاريط الحساسة للضوء البنفسجي والأشعة غير البنفسجية بصريا، عمد الباحثون إلى تصوير موطن الغابات الكثيفة في كل من السويد وأستراليا، واستخدم الباحثون كاميرا متعددة الأطياف مجهزة بمرشحات مصممة خصيصا لمحاكاة ما يمكن للطيور رؤيته، وكان الاكتشاف الذي توصل إليه الباحثون مذهلا للغاية.
إذ أظهرت الصور متعددة الأطياف بشكل واضح كيف أن المستقبلات الحساسة للأشعة فوق البنفسجية يمكنها رصد تباين كبير بين السطحين العلوي والسفلي لأوراق الشجر، مما يجعل موقع واتجاه كل ورقة يبرز بشكل واضح بشكل ثلاثي الأبعاد.
في الوقت ذاته، يعكس السطحان العلوي والسفلي لورقة الشجر مستويات متماثلة من الأشعة فوق البنفسجية. بناء على ذلك، يعتقد الباحثون أن الاختلافات تعزى أساسا إلى نسبة الأشعة فوق البنفسجية التي تعكسها الأوراق مقابل النسبة التي تنقلها.
ففي الغالب، تنعكس الأشعة فوق البنفسجية من الأوراق 25 مرة أكثر مقارنة بالكمية التي تنتقل من خلالها.
في المقابل، لا يمكن لعيوننا الصغيرة تبين مثل هذه الاختلافات لأن الضوء الأخضر ينقل وينعكس بنفس القدر، مما يخلق مستوى أقل من التباين عند رؤيته من خلال الموجات الخضراء.
وأوضحت العالمة سينثيا تيدور أن الرؤية فوق البنفسجية تساعد الطيور على الطيران والقفز من خلال أوراق الشجر الكثيفة مع القدرة على التحرك بسرعة وخفة، كما تساعدها على البحث عن الحشرات والعناكب التي تختبئ على الأسطح السفلية للأوراق، في حين أن من شأن قدرتها على تحديد هذه الأسطح بدقة وسرعة تعزيز سهولة الحصول على الطعام.
وأشارت الكاتبة إلى أنه من خلال اعتماد المحاكاة بالحاسوب، اكتشف الباحثون أن القدر الأقصى من التباين على مستوى أوراق الشجر يمكن رؤيته ضمن أطوال موجات الأشعة فوق البنفسجية القصيرة في ظلل مفتوحة ومضاءة بشكل جيد، فضلا عن أطوال موجات الأشعة فوق البنفسجية الأطول في ظلل مغلقة وذات إضاءة منخفضة. وقد يفسر هذا الأمر لماذا يختلف اللون الرابع الذي ترصده الطيور.
لكن، رغم أن القدرة على الرؤية من خلال أربعة ألوان تبدو أمرا رائعا واستثنائيا، فإن هذا الأمر يحمل في طياته عددا من التبعات السلبية.
وفي هذا الشأن، أقرت العالمة تيدور بأن “من بين سلبيات التمتع بمخروط من صنف رابع أنه سيحتل مساحة ضمن الشبكية التي قد تكون مخصصة بشكل أكبر لأحد أصناف المخاريط الثلاثة الأخرى، وقد تكون لهذا الأمر تأثيرات مدمرة على مستوى تبين دقة التفاصيل ومدى الحساسية تجاه الضوء الخافت”.
ويرى عالم الأحياء دان إريك نيلسون من جامعة لوند السويدية أننا “نملك قناعة بأن ما نراه هو الواقع، ولكن الأمر يقتصر على الواقع البشري فقط؛ ففي الحقيقة تعيش حيوانات أخرى في عوالم وواقع مختلف تماما، وبات الآن بالإمكان رؤية العالم من خلال أعينهم، مما يسمح باكتشاف العديد من الأسرار”.