في مدينة «ريو دي جينيرو» البرازيليّة، تعلو أصوات الاحتجاج والتنديد والتحذير: لم يبق سوى سنة لانطلاقة «دورة الألعاب الأولمبيّة 2016»،
لكن المدينة والمنشآت الرياضيّة، لا تبدو جاهزة لاستقبال الحدث الأولمبي. وتحاول السلطات عبثاً تهدئة النفوس، لكن وقائع الأمور لا تؤيّد كلام الرسميين، وكذلك فإن الإحساس المأسوي الذي رافق «كأس العالم لكرة القدم – 2014» ما زال مؤرّقاً لكثير من البرازيليّين الى الآن. ويعلم الجميع أنّ سنة تكاد لا تكفي شيئاً لإحداث تغيير أساسي في العلاقة مع الأولمبياد. ولذا، تبدو الأصوات التي ما زالت مرتفعة في شأن إضافة نوع جديد من الألعاب على الأولمبياد، كأنها غير مباليّة بالأساسيّات، أو بالأحرى، أنها ترفع نبرتها كي تسجّل موقفاً، لعل الأولمبياد في 2020، أو ربما بعده، يستجيب لنداءاتها. ما الذي تطلبه تلك الأصوات؟ لا تملك سوى مطلب وحيد: إدراج الألعاب الإلكترونيّة ضمن منافسات الأولمبياد.
ليس الأمر مجرد أوهام، إذ تملك الألعاب الإلكترونيّة رابطة عالميّة تتعامل مع شؤونها بوصفها رياضة، كبقية الألعاب التقليديّة. ووصل التشابه بين نوعي الألعاب، إلى حدّ أن «رابطة الرياضة الإلكترونيّة «Electronic Sports League (تأسّست في 1997، ومقرّها ألمانيا)، تباحثت مع «الوكالة العالميّة لمناهضة المنشطّات» World Anti- Doping Agency (تشتهر بإسمها المختصر «وادا» WADA)، في شأن انتشار المنشطّات في أوساط اللاعبين المحترفين المسجلين رسميّاً في «رابطة الرياضة الإلكترونيّة»، ويفوق عددهم عشرات الملايين.
على غرار دورات الـ«ماسترز»
في إطار النظر إلى الألعاب الإلكترونيّة بوصفها رياضة مكرّسة، هناك تجربة «الألعاب العالميّة للرياضة الإلكترونيّة» World E-Sports Games، وكانت الجهة المُشرِفَة على منافسات محترفِة في الألعاب الإلكترونيّة حملت إسم «الألعاب العالميّة للأساتذة»World E-Sports Masters، (واضح التشابه في الإسم مع دورات الأساتذة في التنس، التي تسمّى «ماسترز» Masters أيضاً)، وعُرِفَت بإسمها المختصر «ويم» WEM.
ولم تعمّر تلك التجربة طويلاً، إذ انطلقت في الصين في 2004، وأشرفت على أولى دورات الـ»ماسترز» في الألعاب الإلكترونيّة في 2005، ثم توقّفت في 2010. لكن قصة دورات الـ»ماسترز» في الألعاب الإلكترونيّة لم تنته مع انتهاء تجربة «الألعاب العالميّة للرياضة الإلكترونيّة». فقد استمرت دورات الـ»ماسترز» الإلكترونيّة بوتيرة سنويّة، وصارت تحت إشراف شركة تلفزيونيّة في كوريا الجنوبيّة، هي «اونغيمنت» OnGameNet (وهي متفرّعة من شركة «أوريون» Orion الشهيرة في صناعة الأدوات الكهربائيّة والإلكترونيّة) يتمحور بثّها على ألعاب الفيديو الإلكترونيّة.
وفي مطلع آب (أغسطس) الجاري، تناقلت وسائل الإعلام خبراً عن إمكان توقّف اللعبة الإلكترونيّة الأكثر تداولاً عالميّاً، وهي «لعبة العروش»Game of Thrones، بعد انتهاء موسمها الثامن في العام 2018، على رغم أن مئات ملايين الشباب يمارسونها عبر الشبكة. وسرعان ما تبع ذلك إطلاق لعبة «دوتا 2» DOTA2، مع تخصيص 18 مليون دولار للفائزين بمنافستها عالميّاً. وتذكيراً، كانت لعبة «دوتا» الأولى الأكثر ممارسة بين شباب الكرة الأرضيّة، منذ انطلاقتها في 2003، لكنها أزيحت عن عرشها المكين في 2009، مع الانتشار بسرعة الضوء للعبة «رابطة الأساطير» League of Legends. وتلقي تلك الأخبار ضوءاً على واقع أن الشباب المعاصر يمارس الألعاب الإلكترونيّة بوصفها رياضة أيضاً، وهي تجمع أداء الجسد والدماغ معاً.
بعيداً من الأولمب… قريباً من الخيال
في أزمنة أخرى، حين كان يجري وفق ما يشبه الأساطير الشائعة، في جبل الأولمب الإغريقي، لم يكن هناك كومبيوتر ولا شبكات ولا كهرباء ولا… قائمة طويلة من الأشياء. وعلى مر القرون، بقيت صورة الألعاب التي تستأهل أن تدخل الأولمبياد بعيدة كثيراً عن التقنيّة، وأقرب إلى العلاقة المباشرة مع الجسد الإنساني. لا يبقى شيء من دون تغيير. ووصل التغيير إلى حدّ أنّ لعبة راسخة القدم في الأولمبياد، هي المصارعة، كانت على وشك الخروج من قائمة الألعاب الأولمبيّة، وربما لم ينقذها سوى تاريخها الطويل مع الأولمبياد.
وفي نَفَسْ التغيير، تعلو الأصوات منذ فترة بإدخال الألعاب الإلكترونيّة إلى الأولمبياد. ولقيت تلك الأصوات مؤازرة علميّة «متفرقة»، على غرار الدراسات التي راقبت تغيير أداء الجسد أثناء الألعاب الإلكترونيّة وقارنته بما يجري مع الألعاب التقليديّة. في السياق نفسه، لكن في اتجاه معاكس، ظهرت تقنيّة «نينتندو وي» Nintendo Wii التي قلّصت الفارق بين الألعاب الأولمبيّة الجسديّة ونظيرتها في العوالم الافتراضيّة الإلكترونيّة.
ومع تقنيّة «وي»، بدا أن «نينتندو» عبرت الفجوة بين ركود الجسد في الألعاب الإلكترونيّة، وفوران نشاطه في الألعاب التقليديّة، إذ تعتمد «وي» على محاكاة افتراضيّة للألعاب الرياضيّة، فتمارس بالعقل والجسد سويّة. مثلاً، يظهر في لعبة التنس الرقميّة، ملعب افتراضي كامل، مع وجود «منافس» مقابل. ثم تظهر كرة افتراضيّة، يجري «ضربها» بمضرب افتراضي أيضاً يجري التحكم به بواسطة جهاز «وي». ويلوح اللاعب بأداة «وي» كأنه يلاعب خصماً في ملعب تنس، ويرسل الكرة ويتصدى لضربات الخصم الذي يعيدها إليه. ويجري اللاعب شمالاً ويميناً، ويركض باتجاه الشبكة، ويعود إلى الخلف ليغطي نصفه الخاص من الملعب، فكأنه يمارس رياضة التنس فعليّاً.
إلى أي مدى يمكن أن تعتبر، بالأحرى ألا تعتبر، تلك الرياضة الرقميّة لعبة فعليّة؟ هل تستجيب «اللجنة الأولمبيّة الدوليّة» لتلك الأصوات الشبابيّة الطابع، فيرى «أولمبياد طوكيو 2020» مشاركة أولى للألعاب الإلكترونيّة بوصفها رياضة مكرّسة؟
المصدر : الحياة