لماذا تظل دولة تشتهر بالإنترنت عالي السرعة والأجهزة المبتكرة مرتبطة بمتصفح تخلى عنه معظم العالم منذ فترة طويلة؟
تساؤل طرحه الكاتبان دايسوكي واكاباياشي وجين يو يونغ في تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) الأميركية.
قال الكاتبان إنه رغم أن كوريا الجنوبية تعتبر من أكثر دول العالم تقدما في الجوانب التكنولوجية، فإن هناك بعض القيود على ما يمكن القيام به بسهولة عبر الإنترنت، الأمر الذي يمكن يحله استخدام متصفح ويب قديم وبائد مثل “إكسبلورر” (Explorer).
وأوضح الكاتبان أنه على سبيل المثال في متصفح “غوغل كروم” (Google Chrome)، لا يمكنك إجراء مدفوعات تجارية عبر الإنترنت بصفتك عميلا لأحد أكبر البنوك، وإذا كنت تستخدم متصفح “سفاري” (Safari) من آبل (Apple)، فلن تتمكن من التقدم بطلب للحصول على تمويل من خلال موقع الثقافة والفنون الوطنية على الويب.
ويتابع الكاتبان بأنك إذا كنت مالكا لمنشأة لرعاية الأطفال، فإن تسجيل مؤسستك في موقع وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية على الويب غير ممكن عبر متصفح “فايرفوكس” (Firefox) من “موزيلا” (Mozilla)؛ وفي جميع هذه الحالات يكون الحل في استخدام متصفح “إكسبلورر”.
ولفت الكاتبان إلى أنه عندما أوقفت شركة “مايكروسوفت” (Microsoft) متصفح إكسبلورر، في 15 يونيو/حزيران الماضي وقالت إنها ستبدأ في إعادة توجيه المستخدمين إلى متصفح “إيدج” (Edge) الأحدث في الأشهر المقبلة؛ انطلقت التعليقات الساخرة في كوريا الجنوبية؛ حيث لا تزال هناك حاجة إلى متصفح “إكسبلورر” البائد لعدد من المهام المصرفية المهمة والمهام ذات الصلة بالحكومة التي لا يستطيع الكثير من الناس العيش من دونها.
واعتبر الكاتبان أن ولاء كوريا الجنوبية لبرنامج “إكسبلورر”، بعد 27 عاما من تدشينه، يدعو للسخرية، وشبها دولة تشتهر بأحدث التقنيات والأجهزة المبتكرة واستخدامها هذا المتصفح الذي تخلى عنه معظم العالم منذ وقت طويل، بالسيارات الحديثة التي تجرها الدواب.
وأوضح الكاتبان أن معظم مواقع الويب في كوريا الجنوبية تعمل على جميع المتصفحات، بما في ذلك “غوغل كروم”، الذي يشغل حوالي 54% من استخدام الإنترنت في البلاد، فيما يشغل متصفح إكسبلورر أقل من 1%، وفقا لموقع “ستاتكاونتر”(Statcounter).
ومع ذلك؛ فبعد إعلان مايكروسوفت، كان هناك تدافع في اللحظة الأخيرة بين بعض المواقع الأساسية للاستعداد للحياة بعد “إكسبلورر”.
وأفاد الكاتبان بأن الذراع الكورية الجنوبية لبنك “ستاندرد تشارترد” (Standard Chartered) البريطاني حذر عملاء الشركات في مايو/أيار من أنهم سيحتاجون إلى البدء في استخدام متصفح “إيدج” على “وضع الإكسبلورر” للوصول إلى منصة الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، وأخبرت العديد من المواقع الحكومية الكورية المستخدمين أن بعض الخدمات من المحتمل أن تواجه اضطرابات إذا لم يتحولوا إلى “إيدج”.
ولكن في الأيام الأخيرة، أدركت بعض المواقع الكورية أنها لن تقوم بالتبديل في الوقت المناسب، لذلك احتفظوا بالميزة وغيّروا اسمها إلى “إكسبلورر مود”.
ويقول الكاتبان إن اعتماد كوريا الجنوبية على “إكسبلورر” يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما أصبحت الدولة رائدة في استخدام الإنترنت للأعمال المصرفية والتسوق، مشيرين إلى أنه من أجل حماية المعاملات عبر الإنترنت، أصدرت الحكومة قانونا في عام 1999 يطالب بشهادات رقمية مشفرة لأي مسألة تتطلب توقيعا مسبقا.
وبيّن الكاتبان أن التحقق من هوية الشخص يتطلب وجود برامج إضافية متصلة بالمتصفح، تُعرف باسم المكون الإضافي؛ حيث تسمح حكومة كوريا الجنوبية لـ5 شركات بإصدار مثل هذه الشهادات الرقمية باستخدام مكون إضافي من مايكروسوفت يسمى “أكتف إكس” (Active x)، لكن المكون الإضافي يعمل فقط على “إكسبلورر”.
ووفقا للكاتبَين فإنه في ذلك الوقت، بدأ استخدام أحد مكونات مايكروسوفت الإضافية كخيار واضح، كما حكمت برامج مايكروسوفت ويندوز سوق أجهزة الحاسوب الشخصية في التسعينيات، واستفاد “إكسبلورر” من هذا الموقف ليصبح المتصفح المهيمن.
ونظرا لأن مواقع الويب الكورية الرئيسية تتطلب “إكسبلورر”، فقد بدأت مواقع الويب الأخرى في تلبية احتياجات متصفح مايكروسوفت، مما يعزز أهميته؛ حيث كان إكسبلورر يمتلك 99% من حصة السوق في كوريا الجنوبية بين عامي 2004 و2009.
وحسب ما أورده الكاتبان فإنه مع ظهور الهواتف الذكية، المبنية على برامج من آبل وغوغل، بدأت كوريا الجنوبية، مثل الكثير من دول العالم، في تقليل اعتمادها على مايكروسوفت.
وفي عام 2010، أصدرت الدولة إرشادات بأن المواقع الحكومية يجب أن تكون متوافقة مع 3 متصفحات ويب مختلفة، لكن تغيير شبكة الإنترنت في كوريا الجنوبية لم يكن سهلا، خاصة أن البنوك وشركات بطاقات الائتمان كانت متمسكة بالنظام القائم.
ومع تحول الرأي العام، شعر المستخدمون بالقلق من الحاجة إلى استخدام أكتف إكس لشراء الأشياء عبر الإنترنت؛ حيث جادل النقاد بأن التكنولوجيا فشلت في تحقيق الغرض منها لأن البرنامج الإضافي جعل المستخدمين أقل أمانا.
وذكر الكاتبان أن مايكروسوفت قدمت متصفح “إيدج” في عام 2015 كبديل لمتصفح “إكسبلورر”، وقالت الشركة إنها لا تدعم “أكتف إكس” في المتصفح الجديد، وأصبح كروم أفضل متصفح في البلاد قبل 3 سنوات، وفي عام 2020، عدلت كوريا الجنوبية قانون 1999 لإزالة الحاجة إلى الشهادات الرقمية، وهي خطوة بدا أنها أغلقت الباب على “أكتف إكس” و”إكسبلورر”.
وأنهى الكاتبان تقريرهما بالقول إنه بينما كان الكثير من الأشخاص حول العالم يمزحون بشأن زوال “إكسبلورر”، احتفل مهندس كوري جنوبي بالمناسبة بطريقة أكثر كآبة، فقد نصب جونغ كي يونغ، وهو مطور برمجيات يبلغ من العمر 39 عاما، شاهد قبر لـ”إكسبلورر” على سطح مقهى شقيقه الأكبر في جيونجو، وهي مدينة تقع على الساحل الجنوبي الشرقي لكوريا الجنوبية، ودفع 330 دولارًا مقابل النصب التذكاري، والذي تم نقشه بشعار “e” المميز للمتصفح وإلى جانبه عبارة “لقد كان أداة جيدة لتنزيل المتصفحات الأخرى”.
وبحسب الكاتبَين؛ فقد قال السيد جونغ إن لديه قسطا من الإحباط مع إكسبلورر، لكنه شعر أن المتصفح الذي أدخل الكثير من الكوريين الجنوبيين على شبكة الإنترنت يستحق وداعًا مناسبا، مضيفا “كان استخدام إكسبلورر صعبًا ومحبطا، ولكنه يخدم أيضا غرضا جيدا”.
الجزيرة نت